الخميس 18 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

نكشف مخطط قطر لإفشال "التكتل العربي" لمواجهة الإرهاب

تحركت مبكرًا ضد «تحالف الرياض»

د.محمد سعيد إدريس
د.محمد سعيد إدريس وتميم والملك سلمان والرئيس السيسي
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
إعداد: د. محمد السعيد إدريس
البريد الإلكتروني: msiidries@gmail.com

الدوحة الفائز الأكبر من الأزمة حال تجميد الاتهامات الموجهة لها
الأمريكيون يعرفون جيدًا الأدوار القطرية لكنهم تستروا عليها 

وضعت الأزمة الخليجية المتفجرة الآن العديد من أطرافها، إضافة إلى الولايات المتحدة أمام مأزق صعب عندما جعلت من «الحرب على الإرهاب» أحد أهم معالمها، فالمحرك الأساسى للموقف القطرى المتمرد على شركاء قمم الرياض (21/5/2017 ـ 20)، وفى المقدمة منهم المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأمريكية هو تخوف قطر من أن تكون مستهدفة من الدعوة إلى محاسبة الأطراف الداعمة للإرهاب سواء كان الدعم المقصود تمويلًا ماليًا أو تسليحيًا. هذا التخوف له دوافع أخرى وبالذات الإصرار على إدراج حركة «حماس» وجماعة الإخوان ضمن قوائم التنظيمات المتهمة بأنها «منظمات إرهابية». 
تحركت قطر ضد «تحالف الرياض» الذى أرسى الرئيس الأمريكى دونالد ترامب دعائمه وحدد أهدافه بالحرب على الإرهاب والعداء لإيران، وكان التحرك القطرى استباقيًا فى البيان المنسوب إلى أمير قطر الذى فجر الأزمة مع الدول العربية الخليجية شريكة قطر فى مجلس التعاون الخليجي، هذا التحرك الاستباقى الذى ألمح إلى نوايا قطرية للتعاون مع إيران كوسيلة ضغط لوقف أى تحرك متوقع ضدها بتهمة تمويل الإرهاب، الأمر الذى زاد من تعقيد الموقف ودفع السعودية والإمارات والبحرين ومصر إلى التصعيد ضد قطر، وشاركها فى التصعيد دول أخرى قررت جميعها قطع العلاقات الدبلوماسية مع قطر وفرض حصار جوى وبرى ضدها كانت له أصداء هائلة على قطر، ودفعها إلى محاولة «تدويل الأزمة» على نحو لم تتوقعه الأطراف الأخرى.

وهكذا تتفاقم الأزمة وتدخل فى طريق مسدود بسبب المأزق الذى دخل فيه الجميع والمرتبط بمدى جدية الالتزام بالحرب ضد الإرهاب، حيث إن السؤال المهم بهذا الخصوص الذى يواجه الولايات المتحدة والأطراف الأخرى هو إذا كانت قطر متهمة بتمويل الإرهاب ودعمه، أو هكذا صورت قطر الأزمة، فهل الولايات المتحدة والأطراف الأخرى مستعدة لفتح ملف دعم الإرهاب وتمويله؟ وهل هذه الأطراف جادة فى محاسبة قطر على تهمة دعم الإرهاب؟ وهل هى مستعدة لنفى أى اتهامات مماثلة لها هى الأخرى بدعم الإرهاب خصوصًا أن أطرافًا أساسية ليست مبرأة من هذه التهمة؟ أم أن الجميع سيتراجعون عن الدفع بهذه القضية كأولوية للأزمة عندها تكون قطر، الفائز فى المواجهة، لأنها قد تحصل على قرار بتجميد مثل هذا الاتهام، وهذا كل ما تأمله وما كان يشكل الخلفية الأساسية لبيان أميرها تميم بن حمد آل ثانى يوم ٢٤/٥/٢٠١٧، أى بعد يومين فقط من اختتام القمم الثلاث: السعودية ـ الأمريكية، والخليجية ـ الأمريكية، والعربية ـ الإسلامية ـ الأمريكية التى عُقدت يومى السبت والأحد (٢٠ ـ ٢١/٥/٢٠١٧) فى الرياض، التى وضعت قواعد جديدة لعلاقة واشنطن بدول المنطقة ترتكز على شراكة استراتيجية من خلال التأسيس لتحالف إقليمى جديد حمل اسم «تحالف الشرق الأوسط الاستراتيجي» مقره مدينة الرياض عاصمة المملكة العربية السعودية لمحاربة الإرهاب والصراع ضد إيران.
ففى هذا البيان انتقد أمير قطر بحدة السياسة الأمريكية والرئيس ترامب، وشكك فى إمكانية استمراره فى السلطة، ومن ثم هشاشة ما يؤسسه من تحالفات مع السعودية، لكنه أيضًا تعمد أن يواجه الإدارة الأمريكية بإثارة أولوية وأهمية مكانة القواعد العسكرية الأمريكية المقامة على الأراضى القطرية بالنسبة للدفاع عن المصالح الأمريكية، كما تعمد أن يؤكد أن إيران التى سيؤسس التحالف الجديد لإدارة الصراع معها ليست عدوًا وليست مصدرًا للتهديد، «وليس من الحكمة التصعيد معها»، وأنها «قوة كبرى تضمن الاستقرار فى المنطقة عند التعاون معها»، ما يعنى أن التحالف الأمريكى سيؤسس على «أكاذيب»، ومن ثم يبقى مستقبله مشكوكًا فى جدارته.

فقد ذكر تميم فى هذا البيان أن علاقة بلاده مع الولايات المتحدة قوية ومتينة «رغم التوجهات غير الإيجابية للإدارة الأمريكية الحالية»، مشيرًا إلى أن المصاعب التى تواجه الرئيس الأمريكى داخل الولايات المتحدة والتى قد تفضى إلى «ووترجيت جديدة» فى البيت الأبيض تضع نهاية مبكرة لرئاسة ترامب للولايات المتحدة بقوله «مع ثقتنا أن الوضع القائم (رئاسة ترامب) لن يستمر بسبب التحقيقات العدلية تجاه تجاوزات ومخالفات الرئيس الأمريكي»، وفى الوقت نفسه تعمد أن يتحدث عن مكانة قطر والقواعد العسكرية الأمريكية المقامة على أراضيها، وأن يضع الرئيس الأمريكى أمام الاختيار الصعب بين قطر أو التحالف الجديد مع السعودية بتوضيحه أن «قاعدة العُديد، مع أنها تمثل حصانة لقطر من أطماع بعض الدول الخليجية يقصد السعودية بالتحديد، فإنها هى الفرصة الوحيدة لأمريكا لامتلاك النفوذ العسكرى بالمنطقة، فى تشابك للمصالح الذى يفوق قدرة أى إدارة على تغييره».
هذا الكلام المهم والخطير لأمير قطر بقدر ما يمكن أن يؤدى إلى ارتباك فى السياسة الأمريكية، ولسياسة الدول العربية الحليفة، إذا ما فتحت ملفات القواعد العسكرية فى الدول العربية، ما هى هذه القواعد، وما أهدافها؟ وما أدوارها، ومن يدفع تكاليفها، ولماذا الحاجة إليها؟ بقدر ما يمثل تحديًا للسياسة الأمريكية وبالتحديد لإدارة الرئيس الأمريكى ومشروعه التحالفى فى الشرق الأوسط، خصوصًا مع تداعى روابط الولايات المتحدة مع الحلفاء الأوروبيين على نحو ما تكشف أثناء وأعقاب قمتى ترامب مع قادة دول حلف شمال الأطلسى (الناتو) التى عُقدت فى بروكسل، ومع قادة الدول الصناعية السبع الكبرى فى جزيرة صقلية الإيطالية عقب اختتام جولته الشرق أوسطية، وهى تداعيات قد تقود إلى افتراق فى علاقات أوروبا بالولايات المتحدة.
هل يمكن أن يخسر ترامب تحالفه الشرق أوسطى أيضًا، والذى لم يولد بعد والمعرض للتفكك، وأن يخسر فى ذات الوقت تحالفه مع الشركاء الأوروبيين؟ أم أنه سيقاتل للدفاع عن التحالف مع الشرق الأوسط، وأنه سيجد وسائل أخرى للتفاعل مع الشركاء الأوروبيين؟

السؤال أربك الأمريكيين وبالذات سؤال العلاقة مع قطر، وبقدر ما أثار الموقف القطرى استياءً أمريكيًا، فإن التعبير عن هذا الاستياء كشف بعض خطايا الشراكة القطرية ـ الأمريكية فى رعاية منظمات وجماعات إرهابية كثيرة، لكن الاستياء من الموقف القطرى كان له مردود آخر لدى أطراف أمريكية أخرى أكدت حرصها على استمرار العلاقة القوية مع قطر.
من أبرز معالم هذا الاستياء ما نقلته وسائل إعلام عالمية عن «إد رويس» رئيس لجنة الشئون الخارجية فى مجلس النواب الأمريكى من دعوة «لنقل القاعدة العسكرية الأمريكية من قطر إلى بلد آخر»، إذا لم تغير الدوحة من تصرفاتها الداعمة لجماعات متشددة، وقوله إن «التعريف الوحيد الذى استخدمه لقطر هو أنها دولة ساعدت فى تمويل القاعدة وداعش وجماعة الإخوان وطالبان، ولا يمكننى أن أفهم لماذا؟»، واعتبر رويس أنه «من غير الملائم أن تستضيف قطر القوات الأمريكية فى منطقة العديد وفى ذات الوقت تدعم فيه قطر حركات متشددة».
واضح أن الأمريكيين يعرفون جيدًا الأدوار القطرية، لكنهم تستروا عليها إما لأنهم شركاء وإما أن هذه الأدوار تخدم مصالحهم بدليل صمتهم عليها طيلة السنوات الماضية، ومن هنا جاءت الرؤية المغايرة التى عرضها «روبرت جيتس» وزير الدفاع الأمريكى الأسبق الذى اعتبر أن «مغادرة القوات الأمريكية مراكزها فى قطر مسألة معقدة» رغم اعترافه بأن «هناك تاريخًا طويلًا فى قطر يؤكد ترحيبها بالإخوان وتوفيرها ملجأ لهم». هذا الموقف عارضه دينيس روس منسق السياسة الأمريكية الأسبق فى الشرق الأوسط الذى تحمس لدعوة نقل قاعدة «العديد» من قطر واستبدالها بقاعدة أخرى فى دولة خليجية وفضل الإمارات كبديل مأمون وأكثر كفاءة لذلك.
هذا التباين حسمه «ناثان تك» المتحدث باسم الخارجية الأمريكية لشئون الشرق الأوسط الذى أوضح بجلاء أن قطر التى تستضيف مركز القيادة المركزية الأمريكية «تعد شريكًا مهمًا فى الحرب على الإرهاب»، ما يعنى أن إدارة ترامب ليست فى معرض تفكيك تحالفها مع قطر، فى الوقت الذى أكد فيه أمير قطر تمسك بلاده بسياسات تتعارض مع القواعد المقترحة لتأسيس التحالف الإقليمى الجديد، وبالتحديد تصنيف الإخوان وحركة «حماس» ضمن المنظمات الإرهابية، ورفضه العداء لإيران وإصراره على التعامل معها كشريك.
الارتباك الأمريكى سوف يتفاقم مع تفاقم حدة الأزمة ضد قطر ومع تباين الأهداف لدى كل من السعودية والإمارات بالتحديد مع دعوة الحرب ضد الإرهاب، وفتح ملفات تمويل ودعم الإرهاب على نحو ما تكشف من البيانات التى صدرت لتبرير قرارات مقاطعة قطر، والتى تضمنت قائمة ممارسات قطرية مباشرة ضد أمن وسيادة البلدين، بعيدًا عن موضوع الإرهاب ومنظماته التى تضرب فى أنحاء متفرقة من دول المنطقة وامتدت جرائمه خارج الأرض العربية وخاصة فى أوروبا وأخيرًا فى إيران.

أوضح البيان السعودى أن قرارات المملكة بقطع العلاقات وإغلاق المنافذ أمام قطر تعود «لأسباب تتعلق بالأمن الوطنى السعودي»، بهدف «حماية أمنها الوطني» من مخاطر الإرهاب والتطرف. وعدد البيان الممارسات القطرية التى استهدفت الأمن الوطنى السعودى ووصفها البيان بأنها «انتهاكات جسيمة تمارسها السلطات فى الدوحة سرًا وعلنًا»، طوال السنوات الماضية بهدف شق الصف الداخلى السعودى والتحريض للخروج على الدولة وشملت احتضان جماعات إرهابية وطائفية متعددة تستهدف ضرب الاستقرار فى المنطقة، ومنها جماعة الإخوان المسلمين و«داعش»، والقاعدة، والترويج لأدبيات ومخططات هذه الجماعات عبر وسائل إعلامها بشكل دائم، ودعم نشاطات الجماعات الإرهابية المدعومة من إيران فى محافظة القطيف، فضلًا عن أن قطر دأبت على عدم الوفاء بالتزاماتها وخرق الاتفاقيات التى وقعتها تحت مظلة دول مجلس التعاون بالتوقف عن الأعمال العدائية ضد المملكة.

لم يختلف الموقف الإماراتى كثيرًا، حيث اتهمت قطر بزعزعة أمن واستقرار المنطقة والتلاعب والتهرب من الالتزامات والاتفاقيات، خاصة «اتفاق الرياض» لإعادة السفراء والاتفاق التكميلى له عام ٢٠١٤، ومواصلة دعمها واحتضانها وتمويلها التنظيمات الإرهابية المتطرفة والطائفية وعلى رأسها جماعة الإخوان، وعملها المستمر على نشر وترويج فكر تنظيم «داعش» والقاعدة عبر وسائل إعلامها المباشرة وغير المباشرة، وهذا ما أكدته مملكة البحرين هى الأخرى التى اتهمت قطر بتهديد أمنها واستقرارها والتحريض الإعلامى، ودعم الأنشطة الإرهابية المسلحة وتمويل الجماعات المرتبطة بإيران للقيام بالتخريب ونشر الفوضى فى البحرين.
واضح أن كل الاتهامات، من نوعية التدخل القطرى المباشر فى الشئون الداخلية لهذه الدول وتهديد أمنها واستقرارها، بشكل مباشر أو عبر دعم تنظيمات إرهابية تعمل داخل هذه الدول، لكنها لا تتسع لتشمل قضايا تمويل ودعم الإرهاب خارج أراضى هذه الدول على النحو الذى يشغل العالم كله، هذا معناه أن هذه الدول لا تريد أن تفتح ملف دعم وتمويل الإرهاب على مصراعيه، الأمر الذى قد يكون ورقة مهمة فى يد قطر إذا شاءت، فى اللحظة المناسبة، أن تدع المركب يغرق بمن فيه وفى المقدمة الولايات المتحدة الأمريكية نفسها، ولعل هذا ما يمثل ورقة ضغط قطرية فى يد قطر للضغط على الرئيس الأمريكى وإدارته للتدخل لاحتواء الأزمة قبل أن يتطاير شررها ليصيب الجميع، وربما هذا ما يفسر خلفيات الارتباك الأمريكى فى إدارة الأزمة بين الرئيس من ناحية ووزارتى الخارجية والدفاع من ناحية أخرى، ريكس تيلرسون وجيمس ماتيس اللذان استبعدا أن يؤثر قطع العلاقات مع قطر على «محاربة الإرهاب»، لكنهما حثا الجانبين على حل خلافاتهما، حيث دعا تيلرسون، فى سيدني، دول مجلس التعاون الخليجى إلى «حل خلافاتها»، معربًا عن رغبة بلاده فى «المساعدة فى ذلك».