الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

حوارات

المترجم العراقي صلاح نيازي في حواره لـ"البوابة نيوز": الغرب يرى صلاح الدين الأيوبى أول شخصية ديمقراطية فى التاريخ.. والثقافة المصرية تسير من جيد إلى أجود.. والسادات كان داهية سياسية

 المترجم العراقي
المترجم العراقي صلاح نيازى في حواره لـ"البوابة نيوز"
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
العراق ضحية تآمر جيرانه.. والتفاوض أفضل للفلسطينيين من المقاومة.. ولا يوجد نظرية واحدة للترجمة

يعد المترجم العراقى الكبير صلاح نيازي، أحد أبرز الطيور العربية المهاجرة، بعد أن انتقل للعيش فى بريطانيا منذ ما يزيد على نصف قرن من الزمان، بحثا عن الموت فى بلاد الثلج بعيدا عن الديكتاتورية العراقية وقتها.. وكان ابن بضع وعشرين ربيعا، وبالفعل رفض تناول الطعام لعدة أيام إلى أن أوشك على الموت، فإذا بأسرة بريطانية مكونة من زوجين عجوزين يستضيفانه ويعلمانه اللغة الإنجليزية ليصبح أحد أهم المترجمين فى العالم العربي.
«البوابة» ألتقت صلاح نيازى لنستطلع رأيه فى الكثير من القضايا العربية الخاصة بالثقافة والترجمة والسياسة.
وقد بدأ «نيازي» حديثه لـ«البوابة» بقوله: الثقافة فى مصر تسير من جيد إلى أجود، ومن حسن إلى أحسن، صحيح أن العمالقة الكبار مثل طه حسين ونجيب محفوظ وتوفيق الحكيم وعباس العقاد وكاتبى المفضل يحيى حقي، هؤلاء قمم عالية قد رحلوا، وأنا متأكد الآن أن هناك قمما أخرى لا نراها لأننا كبرنا فى السن، ولكن الشباب يعتبرونهم نفس قمم الجيل السابق، لكن ظهرت بعض الحركات المتطرفة سواء كانت دينية أو قومية أم وطنية تقيض الثقافة، فقد سئل عميد الأدب العربى طه حسين عندما كتب مقالة ضد الرقابة على الإبداع، فتحداه الرقيب بأنه لم يمنع له مقالا واحدا، فقال له طه حسين مجرد وجودك يجعلنى أخشى من التفكير، وهذا هو دور مثبطات الإبداع التى تحدثنا عنها.
الهرم الثقافى الرابع
وأضاف نيازي: الشيء المشجع هو أن لديكم الهرم الثقافى الرابع وهو المركز القومى للترجمة، الذى أسسه ثقافيا جابر عصفور، وعلينا أن نزور الأهرامات الحقيقية، وكذلك الأهرامات الثقافية، لأن الزوار هنا من نوع خاص فهى وجوه مثقفة ونبيلة، وجابر عصفور كان لديه هدف، وهو ترجمة ألف كتاب وقد أنجز هذا المشروع، وقد لاحظنا أنه منذ الخمسينيات بدأ تأثيرها ينحسر على الدول العربية، وهذه هى الطامة الكبرى فبتأثير القوى الأجنبية أصبحت بيروت يوما بعد يوم يسعرونها ليل نهار، حتى تكبر إلى أن أصبحت المؤثر الثقافى الأبرز، وأتصور أن «عصفور» لديه هم كبير لإرجاع القيادة الثقافية إلى القاهرة بمعاونة الأجيال الجديدة.
بيروت.. والثقافة العربية
وتابع نيازي: بيروت تزعمت الثقافة العربية بوجود الجامعة الأمريكية بها، منذ زمن طويل، وازدهار مهنة الطباعة بها، وليس بتأثير ما بها من كتاب، فمثلا مجلة «الأديب» اللبنانية فستجد كتابها من مصر والعراق وسوريا، وهذه البلدان تعيش على غيرها، وعلى أسوأ الأمثلة ستجد الملهى الليلى البيروتى يضم راقصة من لبنان، وأخرى من اليونان، وثالثة من بلغاريا، ومجلاتهم كذلك، بينما الملهى الليلى المصرى مصرى من الألف إلى الياء، وكذا الأمر فى الخليج لديهم الملابس العظيمة وليس لديهم الأجساد التى تليق بها، وإذا قرأت مجلة خليجية يمكن أن تجد جميع كتابها أجانب بما فيهم رئيس التحرير، إنما مصر منذ الثلاثينيات تزرع وتحصد من أرضها.
الترجمة أشبه بالموجة
وحول رؤيته للمثل الشهير «المترجم خائن» قال نيازي: الترجمة أشبه بالموجة، لابد أن تكون مترابطة، وأنا شخصيا ليس لدى تعريف للموجة، ولا أعرف بدايتها ولا نهايتها لأنها متصلة بغيرها من الموجات المتتالية، وليست هناك مدرسة للترجمة من وجهة نظري، وكل المدارس فى الوطن العربى يدرسون اللغة العربية، ولكن هل كل من يدرسونها يصبحون شعراء، ومن هنا أقول إن هناك مدارس عديدة فى الترجمة، كما أننى لا أعرف مترجما واحدا بريطانيا ذهب إلى مدرسة لدراسة الترجمة لأنه اجتهاد شخصي، وأنت تتفاعل مع النص قلبا وقالبا، روحا وعقلا، وحينما تأتى للترجمة يجب أن تهيىء نفسك لإيقاع تشترك فيه القصبات الهوائية مع الدورة الدموية مع المزاج مع الوضع السياسي، وهذه كلها مؤثرات فى الترجمة.
فإذا كان الوضع السياسى مثلا منفتحا ديمقراطيا جاءت الترجمة متسقة مع ذلك، وإذا كان الوضع ديكتاتوريا تحس بتأثر، وإذا بالنص يخرج حزينا بدون حزن، عنيفا بدون عنف، وإذا ترجمت صباحا تختلف ترجمتك عما إذا ترجمت ظهرا أو مساء، وأنا أتحدث هنا عن قمم الأعمال الشعرية والأدبية والأعمال الكبرى، وهى تحتاج إلى تقنية وإلى عيش حقيقى فى النص، بحيث يكون المترجم مؤلفا آخر لنفس النص، ولكن الأعمال العادية يمكن أن يقوم بها أى مترجم.
اجتهادات فردية
وأضاف نيازي: ليس هناك نظرية للترجمة وإنما اجتهادات فردية تقوم على فهم النص، حسب البيئة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، ثم التعرف على تقنيات النص، لأن المترجم القديم كان يسأل نفسه ما المعنى وراء النص، وأحيانا كان المؤلف يلقى على مسامع المترجم ما كان يريده ثم يكتبه المترجم بلغة عربية سلسة، والآن يسأل المترجم نفسه ما التقنيات التى استخدمها الشاعر فى النص، هل استعمل حاسة الشم أم البصر؟، وهل القصيدة ليلية أم نهارية؟، وأستطيع أن أضرب لك أمثلة كثيرة على ذلك، فمثلا المشهد الأخير من مسرحية «الملك لير» حينما يحمل الملك ابنته كردينيا، وكان قصير النظر، وهذا المصطلح فى بريطانيا له معنى أنه سيموت قريبا، إذن فالمؤلف يعرف أنه سيموت، وأكبر أديب مستثمر للعاهات هو شكسبير مؤلف النص، فجاء بريشة وضعها على فهمها هل تتنفس، فآلمتها وقالت بصوت خفيض «إه» فترجمها أحدهم بـ«صه» وهو خطأ كبير، وفارق كبير بين الأمرين.
العالم العربي
وحول رؤيته لواقع العالم العربى بعد كل السنوات التى قضاها فى الغربة، قال نيازي: يعد كتاب «صلاح الدين وسقوط بيت المقدس» من أعظم الكتب التى ألفت عن صلاح الدين الأيوبى صدر عام ١٩٢١ للكاتب ستانلى لين بوول، وكتب مقدمته طه حسين، وهو أول كتاب يترجم للإنجليزية عن القائد العربي، وهو كتاب درس طفولة صلاح الدين، بينما العرب لا يدرسون الطفولة وزود الكتاب بخرائط عن معركة حطين وعكا وغيرها، وهو أول من رسم الخرائط، وفيه يقولون حينما اتفقت مصر وسوريا سقطت القدس، إن القوتين اجتمعتا فدحرت الصليبين، وقالوا أيضا منذ ذلك الوقت قرروا ألا تتوحد الأمة العربية، هذا هو ما أراه يحدث الآن.
وقد كتبت وترجمت سلسلة من المقالات عن صلاح الدين الأيوبى من مصادر إنجليزية ويعتبرونه أول شخصية ديمقراطية فى التاريخ، ومن يقرأ الأشياء التى تدور فى العالم العربى تدور فى فلك التفرقة العربية، ودائما خلق الفرقة هو الأهم لدى القوى العالمية، ولذلك فإننى أعتبر المؤتمرات الأدبية والثقافية العربية مؤتمرات مهمة ولا يجب أن تتبع السياسة، وقد كان العرب جميعا ينتظرون أغانى كوكب الشرق أم كلثوم، وأتذكر أن مجلة «الرسالة» التى كان يصدرها أحمد حسن الزيات ومجلة الرواية كنا نتلقفها بالعراق ونتخطفها من بعضنا البعض، بينما الآن لا يوجد مجلة مصرية أو لبنانية نفتخر بها.
وحول استمرار الفرقة قال: إذا كان لديك رادار فإنه سيرصد لك ما يمكن أن تنبئ عنه الأيام المقبلة، وواقع العالم العربى يقول إن المستقبل فى يد الزعماء وبعضهم يعين من الخارج فكيف نحل هذه الأزمة؟.
العراق.. مطمع الدول
وحول رؤيته للشجون التى تحل بدولته العراق قال المترجم المهاجر: العراق له جوار من عدة دول بعضها غير ودي، وهو من أغنى بلدان العالم فلديه ثروات طبيعية من البترول والنفط والكبريت والفوسفور، وبالعقول أيضا ولدينا أمثلة عديدة من عراقيين أفذاذ يعيشون فى كل دول العالم، ولدينا مسرح هائل وموسيقى عجيبة منذ العصر العباسى وإلى الآن، ولأنه غنى وخصيب جدا تطمع فيه كل البلدان تطمع فيه وهذه هى المشكلة وبالعشرينيات من القرن الماضى كانت هناك غزوات من إيران وتركيا وسوريا وغيرها من البلدان على العراق، لأنهم جياع ويبحثون عما يسد به رمقهم، كذلك ما زال الخوف من العقول العراقية أن يكتشفوا شيئا يكون خطرا على الدول المتقدمة، العراق بالداخل يمكن أن يتفق ولكن بالخارج لا يريدون أن يستقر الوطن.
القضية الفلسطينية
أما عن مستقبل القضية الفلسطينية وتراجع الاهتمام العربى بها، قال نيازي: لدى أمثلة كثيرة من العالم فقد رأينا الثورات بالاتحاد السوفيتى والدول الاشتراكية وهى ثورات ضد الطبيعة، وبعد سبعين عاما اكتشفوا ذلك، ولديك السويد والنرويج بمرور الأيام انتهى الاستعمار فيما بينهم، ولم نر مظاهرات فيما بينهم تطالب بالاستقلال، وقد بدأت مرحلة فتح فأدت دورها وانتهت، وإسرائيل فى البداية لا تريد أن تفاوض إلى أن قتل رئيس وزرائها السابق، وهذه كلها تابعة لسياسة العالم، وأرى أن الفلسطينيين سيحصلون على نتائج أفضل إذا استطاعوا أن يتفاوضوا، وأرى أن السادات كان أكبر داهية وسياسى محنك جدا، وكانت خطوطه الدفاعية ممتدة إلى باب المندب.