الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

تقارير وتحقيقات

المقابر في العيد.. نزهة المشتاقين و"لقمة عيش" الأرزقية..نساء يرتدين ملابس سوداء.. وقراء يتلون القرآن مشاهد محفورة في الأذهان..الحاج صلاح: الناس نسيت زيارة الموتى بسبب الظروف الاقتصادية

كل شيخ وله عيده

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
مع تنفس صباح عيد "الفطر المبارك" في ساعاته الأولى، هناك عالم آخر وسط أجواء احتفالية يعيشها المواطنون، طرق إحياء العيد تختلف من شخص لآخر ومن فئة لأخرى وكل شيخ له طريقته، ففى الوقت الذى اعتاد البعض شراء ثياب جديدة وإعداد الكعك، هناك آخرين تختلف طقوس أعيادهم وتقتصر على زيارة المقابر والجلوس بها لاسترجاع ذكريات ومواقف ممزوجة بطعم الموت، أو بغية نقل بهجة العيد إلى المقابر تلك الأماكن التي دائمًا يحيطها الحزن وتملؤها رائحة الموت، ويحتفلوا بتلك المناسبة كأنهم ينقلون الفرحة إلى من هم تحت الأرض ويمارسون عاداتهم التي اعتادوا ممارستها معهم.


بكاء وعويل
نساء يرتدين الملابس السوداءـ، وقراء يتلون الآيات القرآنية، مشاهد محفورة في أذهان الجميع حول الأجواء بالمقابر، وهو المشهد الذي اختلف اليوم بمقابر الإمام الشافعي في منطقة السيدة عائشة، حيث ظهرت أجواء احتفالية زينتها الورود، ووسط هذه الأجواء الاحتفالية وكعادة المصريين اختلق البعض فرصة لأن تكون المقابر بابًا للرزق في أيام العيد، فعلى امتداد القبور المترامية وحتى أطرافها ومداخلها يفترش باعة الزهور الذين يستقبلون الزائرين، بالإضافة إلى بعض المُقرئين، فضلًا عن السائلين أو طالبي "الرحمة".
باب رزق يستغله المتسولون
الحاج صلاح محمد- تُربي مقيم في مقابر الإمام- يقول بنبرة حزن شديدة: "الناس نسيت زيارة المقابر.. دلوقتي الناس امتنعت عن الزيارة بسبب الظروف الاقتصادية وعدم تمسكهم بالعادات"، مشيرًا إلى أن خلال السنوات الأخيرة قل عدد الزائرين حتى في المناسبات كالأعياد.
وأضاف محمد، الرجل الستيني، الذي يجلس أمام مكان إقامته بالمقابر ليستقبل الزائرين ويحصل منهم مبلغ مالي مقابل الاعتناء بمقابرهم، أن أغلب الزيارات خلال أيام العيد تكون لأهالي قاموا بدفن ذويهم منذ فترة قريبة، متابعًا: "الوجع بيكون لسه جديد".
وتابع: إن أيام العيد عبارة عن موسم يستغله بعض "الأرزقية" في المقابر بحسب وصفه، موضحًا أن بعض المحتاجين والفقراء يأتوا من المناطق البعيدة والمحافظات الأخرى و"يتسولوا" داخل المقابر هم وأبنائهم، مستكملًا: "العيد باب رزق ليهم بيستغلوه".

خريج جامعة ومقرئ في المقابر
أحمد حسين- مقرئ شاب 26 عامًا، قال إنه ولد بالمقابر، ورغم اجتهاده في تعليمه حتى تخرج من كلية الآداب جامعة عين شمس، إلا أنه لم يستطع الخروج من عباءة والده الذي يعمل تُربي ومقرئ أيضًا، فبعين مكسورة يقوم بتلاوة الآيات القرآنية على زائري المقابر ليحصل منهم على مال أو خبز.
وأوضح حسين، ذلك الشاب الذي يسير بين طرقات المقابر مرتديًا جلبابه الأبيض وعمامته، أنه خلال الأيام العادية يقوم بدفن الموتى، لكنه يستغل إقبال المواطنين على المقابر في العيد ليتلو القرآن عليهم كطريقة أخرى للحصول على المال يستطيع بها أن يزود دخله، متابعًا: "إحنا مجبرين عشان الحالة تعبانة".
واسترجع ذكرياته عن الأعياد خلال السنوات الماضية قائلًا إن البعض كانوا يأتون إلى المقابر لقضاء أربعة أيام كاملة من نوم وطعام، بينما حاليًا الزيارة تستغرق نصف ساعة فقط ويرحل الجميع.
لقمة عيش حلوة
وتقف "بسمة" ذات الـ18 عامًا خلف فرشة تزينها الورود التي تبيعها لزائري المقابر، تلك العادة التي اتخذتها عن والديها منذ أن كانت طفلة، مشيرة إلى أنها تعتز بهذه المهنة، قائلة: "لقمة عيش أحسن من مد الإيد للناس".
وعن أجواء العيد بالمقابر، تقول بسمة: "موسم بنسترزق منه وبناكل لقمة عيش حلوة"، لافتة إلى أنهم يستعدون له قبل الوقفة بيوم واحد حيث يستقبلون الزهور من المشتل ويقومون بتقطيع جريد النخل".
ولفتت إلى أن أيام العيد المقابر تشهد زحامًا ملحوظًا، لكن الزيارة في الوقت الحالي اختلفت عن السنوات الماضية وانخفضت، وأرجعت السبب إلى ارتفاع الأسعار، مؤكدة أن الغلاء أثر أيضًا على سعر الزهور التي تشتريها ومن ثم ارتفع سعرها على المواطنين الذين أصبح أغلبهم يمتنعون عن الشراء للتوفير.

فرصة
بينما أجبرت الظروف الحاج شحات -60 عامًا- على استجداء عطف الآخرين، بعد أن قرر لأول مرة أن يتخذ المقابر مصدرًا لرزقه في أيام العيد بعد أن علم أن البعض استغلوا تلك الفرصة واستطاعوا أن يوفروا لأبنائهم احتياجاتهم حتى وإن كان ذلك لأيام قليلة.
وأوضح "شحات" الذي خطت السنين علاماتها على وجهه الذي امتلأ بالتجاعيد، ونظرة عينه التي تعبر عن الانكسار والخذلان، أنه كان يعمل باليومية منذ سنوات ولكن عمله تأثر بعد ثورة يناير حتى توقف تمامًا، فأصبح غير قادر على توفير احتياجات أسرته المكونة من 4 أبناء، الذين يكبرهم شاب يعاني من اضطراب عقلي.
وأضاف بحزن شديد: "الموقف صعب كسر وسطي"، مشيرًا إلى أنه يمر على زائري المقابر ليستعطفهم ويحصل منهم على جنيهات أو فاكهة وخبز، ويحملها في شنطة يسير بها في الشارع، متابعًا: "مكسوف حد يشوفني من الجيران".
وأشار إلى أنه نزل دون علم أبنائه حتى لا يغضبوا منه أو مما آل إليه وضعه، خاصة وأن لديه ابنتين متزوجتين، مختتمًا بالقول: "نفسي أرجع لأولادي زي أي أب وأجيب زي الناس وأفرحهم حتى لو أشتري كيلو كعك.. لكن مفيش أي فرحة للعيد بسبب الظروف الاقتصادية".