الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

أسرار رمال سيناء

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
فى شهر يونيو عام ١٩٦٧، كنت فى الأسابيع الأخيرة من دراستى الجامعية حين اندلعت الحرب، فى ذلك الوقت، لم أكن أعرف الكثير عن الشرق الأوسط، لأننى كنت منشغلًا فى النشاط مع حركات الحقوق المدنية ومناهضة الحرب فى فيتنام. وحين شاهدت نقاشات مجلس الأمن عن الحرب، رأيتها من زاوية النضال ضد الحرب فى فيتنام ودعم الحقوق المدنية والعدالة فى الولايات المتحدة. ونتيجة لذلك، كنت متشككًا فى تبريرات الولايات المتحدة وإسرائيل لهذه الحرب.
بدأت الحرب وانتهت بسرعة، وسارع الإعلام والمؤسسة السياسية للاحتفال بالنصر الذى أحرزته إسرائيل. وقيل لنا ـ آنذاك ـ إن الحرب كانت «نظيفة وسريعة» وحققت ما يشبه المعجزة.
لقد انتشرت صورتان عن تلك المرحلة، وكانتا تستهدفان أن تطغيا على مشهد الحرب. إحداهما لجنود إسرائيليين وسماء وواعدين يقفون عند حائط البراق فى القدس. وكانت هذه الصورة تهدف إلى نقل الشعور بالنشوة فى النصر والتفاخر باحتلال مدينة القدس، والثانية صور آثار أقدام فى رمال صحراء سيناء، قيل لنا إنها تعود للجنود المصريين الفارين من المعركة، وذلك بهدف تصوير الجيوش المعادية لإسرائيل بأنها مجموعات من المهزومين.
وقد مرت سنوات قبل أن نكتشف القصة الكاملة لهذه الحرب والأحداث المروعة التى رافقت مثل هذه الصور، والتى أثبتت أن تلك الحرب لم تكن «نظيفة» أبدًا ولم تحقق أى «معجزات».
ففى شهر سبتمبر ١٩٩٥، نشرت صحيفة نيويورك تايمز تقريرًا تحت عنوان «مصر تقول إن الإسرائيليين قتلوا أسرى حرب ٦٧».
وفى التفاصيل أنه تم الكشف عن مقابر جماعية فى صحراء سيناء لجنود مصريين مع شهود عيان على عمليات القتل تلك، منها لجنود مصريين نجوا من القتل.
وبينما كانت هذه التقارير جديدة بالنسبة لقراء الصحيفة، فإنها كانت معروفة فى إسرائيل منذ سنوات، لا سيما بعد اعتراف عدد من الضباط الإسرائيليين بقتل أسرى عزَّل.
وعلى أى حال، لم يعبأ أحد فى الولايات المتحدة أو الحكومة المصرية بذلك حتى لا يتم التشويش على المعاهدة المصرية ـ الإسرائيلية للسلام.
والصورة القريبة من حائط البراق لم تكن أقل إثارة للجدل. فقد عرف العالم ما فعلته إسرائيل بسكان حى المغاربة القريب من الحائط، ولكنه تجاهل ما فعلته إسرائيل، حتى الأسبوع الماضى حين نشرت صحيفة هآرتس شهادة حول التحرك الإسرائيلى السريع لبسط سيطرتها على القدس. فقد قامت إسرائيل بهدم الحى بأكمله وتسوية ١٣٥ منزلًا فلسطينيًا بالأرض وتشريد سكانها، وكان الهدف من هذه الجريمة «تطهيرًا عرقيًا» للسكان العرب.
ويصف أحد المقاولين اليهود ما فعلوه بالقول إنهم طلبوا من السكان العرب عبر مكبرات الصوت أن يتجمعوا، ثم طردوهم بالقوة، وبدأت الجرافات بهدم منازلهم. ورفض بعضهم المغادرة فداهمتهم الجرافات وهم داخل تلك المنازل، حتى أن عجوزًا دفنتها الجرافات حية تحت أنقاض منزلها. وعرضت الصحيفة صور بعض المنازل وهى تهدم وهى بكامل أثاثها. لقد كانت عملية «تطهير عرقي» فى أبشع صورها.
وحتى بعد هذه الشهادات، لا يزال هناك الكثير مما ما زلنا نجهله عن حرب ٦٧ والجرائم التى ارتكبتها إسرائيل فى تلك الحرب. فعند النظر إلى السجلات الرسمية لقتلى الحرب، نجد أن عشرة آلاف مصرى قتلوا وفُقد ٥ آلاف، فلماذا ليس هناك توثيق لمصير هذا العدد الكبير من الجنود؟ وما الأسرار الأخرى التى لا تزال تخفيها رمال سيناء؟ ولم تقتصر الجرائم الإسرائيلية على سكان حى المغاربة، بل أضافت الحرب أكثر من ٣٠٠ ألف لاجئ فلسطينى جديد.
إن الاحتفاء بالانتصارات وإغفال الضحايا والمسئولية عن محنتهم، إنما يؤكدان أن لا أحد تعلم من هذه الدروس، وبالتالى فإنها تضع حجر الأساس للحرب المقبلة.
ولا تزال جرائم ٦٧ ماثلة فى حياتنا حتى اليوم، ليس من خلال استمرار الاحتلال وجرائمه اليومية فقط، بل من خلال الأسئلة التى لا تزال دون إجابات بشأن ضحاياها والأهوال التى ارتكبتها إسرائيل فى تلك الحرب قبل ٥٠ عامًا مضت أيضًا.
وإذا لم تلتزم إسرائيل بالكشف عن مصير «المفقودين» وتحقيق العدالة للمهجرين ومحاسبة المسئولين عن هذه الجرائم، فإننا نكون ـ جميعًا ـ قد فشلنا أمام التاريخ وأمام الأجيال.
الترجمة نقلًا عن القبس الكويتى