الخميس 18 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

العالم

كاتبة أمريكية: فرنسا تعطي درسًا في كيفية تقديم مصلحة الوطن على المصالح الحزبية

 الكاتبة الأمريكية
الكاتبة الأمريكية ترودي روبين
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
دعت الكاتبة الأمريكية ترودي روبين، كافة من وصفتهم بالمحبطين من حال السياسة في الولايات المتحدة، إلى الالتفات إلى ظهور نجم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.
ولفتت روين -في مقال لها بصحيفة الـ(فيلادلفيا إنكوايرر)- إلى أن الرئيس ماكرون المنتخب حديثا، استطاع الحصول على أغلبية برلمانية أمس الأحد، عبر حزب جديد من تيار الوسط (إلى الأمام) كافة مرشحيه هم مبتدئون سياسيًا لا تربطهم أية علاقات مع الحزبين الفرنسيين التقليديين في اليسار واليمين.
ورأت الكاتبة أن الرئيس الفرنسي الشاب الذي لم يتجاوز الـ39 من عمره استطاع أن يفند أفكارًا سياسية سائدة منها أن تيار الوسط السياسي موضة قديمة قد انتهى زمنها، وأن الحركات الشعبوية حتمًا ستنمو، وأن الأحزاب التقليدية يتعين عليها الاقتراب من الأطراف حتى تتمكن من إحراز الفوز.
وعلى الرغم من تنويه الكاتبة إلي اختلاف النظام الفرنسي الذي نجح فيه إيمانويل ماكرون عن النظام الأمريكي، إلا أنها رأت من الأهمية بمكان ضرورة البحث في أسباب وكيفية نجاح ماكرون، مشيرة إلى أن الرئيس الشاب أثناء توليه منصب وزير الاقتصاد في آخر حكومة اشتراكية فرنسية، سعى إلى تخفيف قيود قوانين العمل التي تغذي معدلات البطالة؛ إلا أن الاتحادات الصارمة والرئيس غير الملائم أحبطا ماكرون فتوقف عن مسعاه وعمل على تأسيس حزب جديد (إلى الأمام) إلا أن أحدا لم يلتفت إلى ذلك بجديّة أوّل الأمر.
لكن ماكرون كان مُقْدمًا على أمر هام، بحسب "بيير فيمونت" السفير الفرنسي الأسبق إلى واشنطن وهو الآن باحث لدى مؤسسة كارنيجي، فلقد "أدرك ماكرون أن الناس كانوا يتطلعون إلى طريقة جديدة في صنع السياسة، فخرج من فوره عن الحزبين السياسيين التقليديين": الحزب الاشتراكي والحزب الجمهوري واللذين كانا يعتبران "يسار وسط" و"يمين وسط" لكنهما مع ذك كانا في حالة اقتتال سياسية دائمة. و"إن ماكرون كان يحاول شيئا مختلفا يقوم على فكرة أن ما نحتاجه هو حكومة وفاق وطني تجمع الناس من الطرفين وتُقدم مصلحة البلاد على المصالح الحزبية... لقد تعب الفرنسيون من الاقتتال السياسي طوال الوقت".
وتساءلت صاحبة المقال، ترودي روبين، عن سبب تصديق الفرنسيين لماكرون رغم أن دعوة السياسيين إلى التغيير ليست اختراعا جديدا، وقد تبنّى الشعبويون هذا الشعار؟ ورأت روبين أن جزءًا من الجواب يكمن في التوقيت، بحسب 'فيمونت' الذي يقول "كان هذا ممكنا في فرنسا بسبب حال البلد؛ بعد أن يئس الناس من الإصلاح الاقتصادي الذي فشل في تحقيقه أربعة رؤساء سابقون - لقد كان الأفق معتما حتى ظهر ماكرون الشاب المتحمس للتغيير وقال إن فرنسا لا تزال قادرة على القيام بأعمال عظيمة".
وظهر ماكرون كمصدر يشعّ بالتفاؤل، في مقابل مارين لوبان، منافسته الشعبوية التي تعتبر مصدرا للقلق.
وأضافت صاحبة المقال أن "شباب ماكرون قد ساعد في نجاحه؛ وقد افتتن الفرنسيون بقصة حياته الشخصية وزواجه المعمّر من معلمة الدراما في مدرسته الثانوية والتي تكبره بـ 24 عاما؛ لكن الأهم من ذلك يتمثل في رسالته الاقتصادية العابرة لحدود الأحزاب والتي تنادي بتخفيف قيود قوانين العمل التي تثني عن التوظيف، كما تنادي بتقليص الضرائب على المشروعات الصغيرة والمتوسطة لكن مع الحفاظ على شبكة أمان اجتماعي؛ وتنادي رسالته أيضا إلى انفتاح فرنسا على التجارة ولكن أيضا على الهجرة؛ وإلى إصلاح الاتحاد الأوروبي (جنبا إلى جنب مع ألمانيا) بدلا من رفضه". 
وأكدت روبين أن ماكرون كان محظوظا بخروج المرشح الجمهوري فرانسوا فيون من السباق الرئاسي على أثر فضيحة فساد، وكان ماكرون محظوظا أيضا بإثبات منافسته الشعبوية مارين لوبان أنها غير ملائمة على نحو خالف التوقعات.
ونوهت الكاتبة عن توقعات الكثيرين بأن تعترض العقبات طريق رئاسة ماكرون بسبب عجز حزبه الجديد عن إحراز العديد من المقاعد في الجمعية الوطنية؛ إلا أنه (ماكرون) وجد مرشحين لكل دائرة انتخابية - نصفهم من النساء، وبينهم العديد من الشباب، والعديد من الأقليات؛ وقد بات حزبه الجديد يحظى بالفعل بعدد من الأعضاء يفوق عدد أعضاء الأحزاب التقليدية؛ ويبلغ متوسط أعمار مرشحي حزب (إلى الأمام) 43 عاما مقارنة بـ 60-70 عاما متوسط أعمار أعضاء الجمعية الوطنية المنتهية ولايتها.
وبحسب صحيفة الـنيويورك تايمز، فإن لائحة حزب (إلى الأمام) من غير السياسيين تضم اقتصاديًا وصل إلى فرنسا طفلا في الرابعة من عمره كلاجئ من الإبادة الجماعية في رواندا، وتضم اللائحة أيضا عالم رياضيات مشهور، ومصارعة ثيران سابقة شهيرة، وطيار مقاتل، والكثير من أصحاب المشروعات الصغيرة والمتوسطة.
ورأت روبين أن ثمة الكثير من الأمور التي يمكن أن يتعلمها الساسة الأمريكيون من إنجازات الرئيس الفرنسي الشاب حتى الآن؛ أولها: أن تيار الوسط السياسي لم يمت، وقد برهن ماكرون على أن الانتخابات يمكن أن يفوز بها أحد أبناء تيار الوسط شريطة أن يكون ذكيا قادرا على اجتذاب الناخبين عبر الحدود الحزبية.
واستدركت الكاتبة في هذا الصدد قائلة: إن قواعد الانتخابات الأمريكية تزيد صعوبة ظهور حزب ثالث قادر على البقاء مقارنة بالحال في فرنسا، وعليه فإن ثمة حاجة إلى التركيز على كيفية تغيير تلك القواعد؛ لكن خلاصة تلك المسألة، بحسب صاحبة المقال، هي أن مرشحَ تيار الوسط الذي يستطيع أن يعلو على الانقسامات الحزبية يستطيع أيضا اجتذاب الناخبين المحبطين ومن ثمّ التفوق على جاذبية المرشحين الشعبويين.
وثاني الأمور التي يمكن أن يتعلمها الساسة الأمريكيون من ماكرون، بحسب الكاتبة، هي أن نجاح الأخير في تسمية وجوه جديدة لكل دائرة انتخابية ينبغي أن يتأمله الساسة الديمقراطيون (في أمريكا) إذا هم أرادوا إحراز مكاسب في 2018؛ لقد أحرز ماكرون أغلبية برلمانية عبر ترشيح وجوه محلية جذابة، وليس عبر النقاء الأيديولوجي. 
آخر الأمور، بحسب روبين، هي أن نظاما يبدو متجمدا ومريرًا -كما كان النظام في فرنسا، أو كما هو كائن الآن في أمريكا- يمكن تغييره إذا ما ظهرت القيادة المناسبة؛ وإذا ما استطاع القائد الفرنسي الوفاء بعهوده فقد يبدأ بذلك اتجاهًا جديدًا بين الديمقراطيات الغربية.