كان الكاتب الكبير أسامة أنور عكاشة يقدم الدراما من الواقع المعاش ويستقى شخصياته وأفكاره من أشخاص ومواقف حقيقية، كعادته فى الكثير من أعماله الدرامية، فقدم لنا رائعته الأخلاقية «ضمير أبلة حكمت» الذى تم عرضه فى عام 1991 من إخراج إنعام محمد على.
وهو العمل الذى ارتبط به الجمهور كثيرًا وحقق نجاحاً كبيرًا فى فترة تسعينيات القرن الماضى، وجعل الجمهور ينتظر موعد عرض المسلسل بفارغ الصبر ليتابع مجرى حياة هذه السيدة الفاضلة، التى تسعى لإرساء الأخلاق والقيم والمبادئ فى الأجيال الجديدة، التى تتعامل معها من خلال عملها كناظرة مدرسة، وما تواجهه من فساد وانحلال طرأ على المجتمع.
دارت التيمة الرئيسة للمسلسل حول شخصية «أبلة حكمت» التى جسدتها سيدة الشاشة العربية فاتن حمامة، فى أولى تجاربها التليفزيونية، وهى السيدة التى تعمل كناظرة مدرسة للفتيات بمدينة الإسكندرية، مدرسة «نور المعارف»، وهى المدينة التى دارت حولها الكثير من أحداث دراما أنور عكاشة، وتتسم هذه السيدة بنبل الأخلاق ومساعدة الآخرين، والوقوف إلى جوار المظلوم، ومساعدة الطالبات اللاتى يدرسن بالمدرسة التى تعمل كناظرة لها، حتى وإن كان خارج إطار الدراسة، و فى الوقت نفسه تسعى لتطبيق تجربة تربوية راقية تطبق على جميع مدارس الإسكندرية، إلا أن الروتين والفساد والانحلال القيمى والسعى لتحقيق المصالح الشخصية يحول دون تطبيق هذا المشروع التربوى، ما يوقع الأبلة حكمت فى الكثير من المشاكل أثناء محاربتها للفساد، الذى يحول دون تطبيق مشروعها التربوى، حتى بعد أن تم استبعادها من المدرسة وإحالتها للتقاعد والاستعانة بناظرة أخرى للمدرسة بدلًا منها، إلى جانب ما يحيط بها من مشاكل خاصة فى حياتها الاجتماعية نتيجة لتمسكها بالقيم والمبادئ والسعى للوصول للكمال.
لم تكن هذه الشخصية النموذجية من نسج خيال أنور عكاشة بشكل كامل، فقد استقى هذه الشخصية وما يحيط بها من إشكاليات أخلاقية من شخصية واقعية عاشت بمدينة الإسكندرية وكانت مديرة لمدرسة، تتصف بالمثالية فى تمسكها بالمبادئ والأخلاقيات التربوية، وخاضت معارك عنيفة انتصرت فيها، إلا أن انتصارها كان يهدد بخروج وزيرين من الحكومة، وهو ما أدى إلى انسحابها من المدرسة، ثم كرمتها الدولة بتعيينها عضوة فى مجلس الشعب.
كما أن مدرسة «نور المعارف» التى دارت بها أحداث المسلسل لم تكن من وحى خيال المؤلف فقط، فقد استقاها من إحدى مدارس الإسكندرية التى تتبع وزارة التربية والتعليم، والتى اتسمت أيضًا بالمثالية الشديدة، التى تُخالف واقع مدارس التربية والتعليم على أرض الواقع، آنذاك.
دارت أحداث المسلسل فى ١٥ حلقة، وكانت الحلقة تصل إلى ما يقرب من الساعة فى ذلك الوقت، ما يعادل نحو ثلاثين ساعة من مسلسلات اليوم.
وقد حقق المسلسل نجاحًا كبيرًا عند عرضه ليس فقط لمستواه الفنى الجيد، ولكن بفضل القيم التربوية والتعليمية التى يتضمنها.
يذكر أن المسلسل هو أول إنتاج لقطاع الإنتاج الذى تولاه الراحل ممدوح الليثى فى بداية تسعينيات القرن الماضى.
