الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

.. وما زال فرج فودة يعيش معنا

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
ربع قرن من الزمان مر كأنه ربع ساعة، على رحيل واحد من أجمل مفكرى مصر، الدكتور فرج فودة، الذى كان مثالا نادرا لكل من يحب هذا الوطن، وكان حرا فى بلد يكره الأحرار فى الفكر والسياسة والعقيدة، وكانت حياته هى الثمن.
أثارت كتابات د. فرج فودة جدلا واسعا بين المثقفين والمفكرين ورجال الدين، واختلفت حولها الآراء وتضاربت، لكنه مضى فى طريقه، واهبا حياته من أجل قضية واحدة هى، فصل الدين عن السياسة والدولة. وكانت جبهة علماء الأزهر له بالمرصاد، حتى انتهى الأمر باغتياله، لكن لأن الأفكار لها أجنحة، جعلته حيا يعيش بيننا حتى اليوم، وكل ما كتبه فى القرن الماضى تعيشه مصر فى القرن الحاضر. عندما أسس فودة الجمعية المصرية للتنوير فى شارع أسماء فهمى بمدينة نصر، لم يتوقع أن تكون نهايته على بابها، وهى التى اغتيل أمامها عصر ٨ يونيو ١٩٩٢، وكان قرار قتله قد تقرر بعد فضحه للتيارات الإسلامية فى مناظرته الشهيرة بمعرض الكتاب أمام الشيخ الإخوانجى صلاح أبوإسماعيل والد المدعو حاليا الشيخ حازم أبوإسماعيل.
ولد فرج فودة فى قرية الزرقا، وهى نفس بلدة إبراهيم عبدالهادي، رئيس وزراء مصر (١٩٤٨-١٩٤٩)، الذى قاد حملة أمنية عنيفة ضد جماعة الإخوان المسلمين بعد اغتيالها رئيس وزراء مصر النقراشى باشا، والزرقا أيضا هى بلدة الدكتور رفعت المحجوب (١٩٢٦-١٩٩٠)، رئيس مجلس الشعب المصرى (١٩٨٤-١٩٩٠)، والذى اغتيل أيضا على يد إسلاميين مسلحين بالرشاشات والفكر الإخوانى الوهابى.
كانت أولى معاركه داخل حزب الوفد الجديد نفسه الذى كان أحد مؤسسيه، خاضها لمنع تحالف الحزب مع الإخوان المسلمين فى الانتخابات البرلمانية عام ١٩٨٤. 
أورد فرج فودة أفكاره السياسية خلال هذا الصراع فى كتابه الأول «الوفد والمستقبل»، وفشل فرج فودة فى منع ذلك التحالف، ونجح الوفد فى الحصول على ٥٨ مقعدا، وخسر تاريخه الليبرالى، واستقال فرج فودة من الحزب.
ألّف فرج فودة عددا من كتبه المهمة خلال تلك الفترة، هى «قبل السقوط» (١٩٨٤)، و«الحقيقة الغائبة» (١٩٨٤)، و«الملعوب» (١٩٨٥)، و«الطائفية إلى أين؟» (١٩٨٥) بالاشتراك مع الدكتور يونان لبيب رزق والشيخ خليل عبدالكريم، و«حوار حول العلمانية» (١٩٨٧)، ولاقت كتبه وكتاباته اهتماما بالغا، فطبع بعضها أكثر من مرة ودرس بعضها فى الجامعات والمعاهد الأجنبية.
حاول تأسيس حزب سياسى أسماه «المستقبل»، غير أن لجنة شئون الأحزاب فى مجلس الشورى رفضته مرتين، بتوصية من الأزهر الشريف. رأى فرج فودة فى انتصار التحالف الإسلامى ونجاح الإخوان المسلمين خطرا حقيقيا على الدولة، لا يقل عن إرهاب الجماعات الإسلامية فى السبعينيات الذى انتهى باغتيال رأس الدولة، وأشار فودة إلى أن التيار الإسلامى قد تعلم من خطئه فى انتخابات ١٩٨٤ التى خاضها تياره التقليدى (الإخوان) الساعى إلى «تحقيق الإرهاب بالشرعية» بدون تأييد تياره الثورى (جماعات الإرهاب المسلح) الساعى إلى «ضرب الشرعية بالإرهاب»، ليتوحد التياران فى انتخابات ١٩٨٧، ونجح أشهر أمراء الجماعات فى المنيا بعد ترشحه على قائمة التحالف ودافع عن شعاراته وراياته، وزامل فى عضوية مجلس الشعب أعضاء آخرين، كانوا أمراء للجماعات الإسلامية وقت أن كانوا طلابا، وكان تمويل الحملة الانتخابية للتحالف عن طريق بيوت توظيف الأموال الإسلامية والتى تمثل ما أسماه فرج فودة باسم «التيار الثوري».
كتب فرج فودة كتابه «النذير» (١٩٨٩) كدراسة لمعالجة الدولة لنمو التيار الإسلامى ما بين عامى ١٩٨٢ و١٩٨٧، خلص منها إلى أن التيار الإسلامى «قد نجح بالفعل فى تكوين دولة موازية، لها اقتصادها المتمثل فى بيوت توظيف الأموال، وجيشها المتمثل فى الجماعات الإسلامية المسلحة، وكيانها السياسى المتمثل فى مكتب إرشاد الإخوان المسلمين رغم حظر الجماعة قانونيا. 
كذلك اخترق التيار الإسلامى المؤسسة الدينية الرسمية حتى أن شيخ الأزهر قد دعا الناخبين لإعطاء أصواتهم للمطالبين بتطبيق الشريعة (أى مرشحى التحالف الإسلامي)، وطالبت جريدة «اللواء الإسلامى» التى يصدرها الحزب الحاكم وقتها المواطنين بعدم التعامل مع البنوك القومية وقصر تعاملاتهم على البنوك الإسلامية، كما اخترق أيضا الإعلام الحكومى حيث زادت الجرعة الدينية فيه من صحف ومسلسلات وخطب تليفزيونية والتى عرّضت فى بعضها بعقيدة المواطنين المسيحيين. 
رأى فرج فودة أن هذا التنامى الهائل يتم فى ظل الإعلان الدائم عن تصدى الدولة لهذه التيارات، وتحت شعارات ورايات مواجهة التطرف الديني، وقال: «إن ينجح تيار ما فى التنامى فى ظل الغفلة، فإن ذلك يعتبر نجاحا مبررا، أما أن ينجح فى ظل التنبيه وإعلان المواجهة، فإن النجاح هنا يعتبر نجاحا مضاعفا للتيار السياسى الديني، بقدر ما هو فشل مضاعف للدولة». ووجد فرج فودة تشابها بين التيار السياسى الإسلامى فى مصر والنازية فى ألمانيا من حيث نظرات الاستعلاء والعنصرية واستخدام العنف، محذرا مما يحدث فى مصر الآن، وهو ما يتمثل فى تسلل الإخوان وتوابعهم إلى المؤسسات القائمة، واستغلال ضعف هيبة الدولة، واستثمار المعاناة من الأزمة الاقتصادية، واستخدام الديمقراطية لإسقاطها فى النهاية.
الجدير بالذكر أن النازية قد وصلت إلى الحكم فى ألمانيا دون أن تحصل على الأغلبية التى تؤهلها لذلك، لأن خطوات النظام لإسقاط نفسه، كانت أوسع بكثير من خطوات النازية لإسقاطه.
ألف تحية لروحك، كنت شهيدا للكلمة، وسابقا لعصرك، نم فى سلام حتى نلتقى.