الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

حقائق بديلة لانسحاب "ترامب" من اتفاق باريس للمناخ

نكسة بيئية تهدد البشرية

الرئيس الأمريكي دونالد
الرئيس الأمريكي دونالد ترامب
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
مأزق داخلى وعزلة دولية «محتملة» للولايات المتحدة 
الرئيس الأمريكى يرفع شعارات قومية تتجاهل الالتزامات الأخلاقية مع الحلفاء

انطلاقًا من مصطلح «الحقائق البديلة» والنزعة القومية للشعار الترامبى «أمريكا أولا»، أعلن دونالد ترامب انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية من اتفاقية باريس للمناخ، وفقا لاعتبارات اقتصادية دون النظر لأى خلفية سياسية أو تداعيات بيئية؛ حيث رسخ منظورًا عبر عنه المستشار ستيفن بانون بـ «أن الاتفاقيات الدولية متعددة الأطراف جاءت على حساب مصالح الولايات المتحدة الاقتصادية، وأن حركة العولمة بشكل عام تسببت فى خسائر اقتصادية ملموسة.. ليضع أمريكا فى مأزق داخلى ودولى قد يدفع بها إلى عزلة دبلوماسية».
ماهية اتفاق باريس
فى ٢٠١٥، توافق أغلب زعماء العالم على تقنين محاولاتهم فى التقليل من تأثيرات التغيرات المناخية؛ وذلك بتوقيع ١٩٥ دولة من أصل ١٩٧ هى مجموع الدول الأعضاء فى الأمم المتحدة، بغياب سوريا ونيكاراجوا فقط على اتفاقية باريس للمناخ Paris Climate agreement.
وتنص بنود الاتفاق على تعهد الجميع بمحاصرة ارتفاع درجة حرارة الأرض وإبقائه «دون درجتين مئويتين»، وبمتابعة الجهود لوقف ارتفاع الحرارة عند ١.٥ درجة مئوية تُحدد قياسًا بعصر ما قبل الصناعة فى كوبنهاجن عام ٢٠٠٩، ويعنى ذلك تقليصًا شديدًا لانبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحرارى، عبر انتهاج إجراءات للحد من استهلاك الطاقة، والاتجاه نحو الطاقات البديلة والاستثمار فيها والعمل على إعادة تشجير الغابات.
الاتفاقية أقرت آلية لمراجعة تلك الالتزامات كل خمس سنوات، تبدأ أولها فى ٢٠٢٥، كما يجب أن تسهم الدول الأكثر تقدمًا بتمويلات تقدمها إلى الدول النامية لمساعدتها فى مواجهة آثار التغير المناخى، والانتقال إلى مصادر الطاقة المتجددة
أسباب الانسحاب 
على الرغم من التزايد الطاغى لتناول قضية التغيرات المناخية فى الولايات المتحدة الأمريكية، وبخاصة بالنسبة للديمقراطيين وعلى رأسهم الرئيس السابق باراك أوباما، كما أن استطلاعات الرأى الأمريكية قد كشفت عن أن نسبة من يؤيدون استمرار الولايات المتحدة فى اتفاقية باريس قد بلغ حوالى ٧٠٪ من إجمالى الشعب.
بالمقابل، نجد أن استدعاء ترامب لمصطلح «الحقائق البديلة» قد أضفى من خلاله منظورًا أعرب من خلاله عن وجهة نظره للانسحاب الأمريكى من الاتفاق؛ لتجنيب الولايات المتحدة تداعيات ومسئوليات قانونية فى حال عدم التزامها ببنودها، وهو ما يتناقض مع حقيقة أن تلك اتفاقية طوعية، ولا تنص على أى عقوبات، بل إنها تركت لكل دولة تحديد المعدل الذى تلتزم به فى تخفيض نسبة الانبعاثات الكربونية.
وبالتالى، لم يكن «ترامب» فى حاجة إلى الانسحاب من الاتفاقية إذا أراد أن يغير من الالتزامات التى اختارتها بلاده لنفسها تحت إدارة الرئيس السابق «أوباما». ولكن الانسحاب يوجه التحليل وجهات أخرى تتعلق بالحقائق البديلة، ومن أبرزها: *نزعة ترامب القومية إلى نظريات المؤامرة وتقزيمه من التقارير العلمية لأزمة التغيرات المناخية، بما وصل به من التصريح حول أن التغيير المناخى «خدعة» من الصين، فضلا عن تصريحه بأنه «لا يعتقد أن ستستمر في الوفاء بتعهداتها للحد من استخدامها للوقود الحفرى».
■ استنادًا إلى نظرية المؤامرة؛ فدائما ما يشكك ترامب بشكل مستمر فى الاتفاقيات والمؤسسات الدولية بشكل عام، وينتقد ترامب قيام حلفائه بالعديد من الاتفاقيات والتحالفات العسكرية. فضلا عن كونه يمقت الاتفاقيات واللوائح ويقزم من الاتفاق الذى اقترحته الإدارة السابقة مُعلنًا: «أن اتفاقية باريس غير عادلة بالنسبة للولايات المتحدة ولا تهتم بالمناخ، وإنما بتنمية الموارد المالية لبعض الدول». لم تكن النزعة القومية فقط وتحليلات «الحقائق البديلة»، هى التى استدعت الانسحاب الترامبى من اتفاقية باريس للتغيرات المناخية؛ فالحبكة السياسية تستعدى مزيدا من الأسباب الأكثر إقناعا للترويج بالشارع الأمريكى وإنهاء حالة الانقسام الداخلى.
وهناك دعاوى اقتصادية، أعلن ترامب بمقتضاها أن اتفاق باريس يُقيد الولايات المتحدة فى كثير من تحركاتها فى المجال الاقتصادى، ويجعلها ملزمة بالعديد من الأعباء. لكن تلك الدعاوى غير صحيحة؛ خاصة أن هذه الاتفاقية غير مُلزِمة، ولا توجد أى عقوبات يتم تطبيقها فى حال عدم الالتزام بمتطلباتها؛ فهى مجرد آلية للتشاور لمساعدة الدول فى إيجاد استراتيجيات للمحافظة على البيئة ومكافحة التغير المناخى، كما أنه كان من الممكن إضفاء بعض التعديلات ببنود الاتفاقية بدلا من الخروج منها. كذلك؛ ركز ترامب فى أسبابه على الترويج لإشكالية تراجع الناتج المحلى الإجمالى، فضلا عن أن الالتزام بالاتفاقية سيؤدى إلى مزيد من التراجع للناتج المحلى الإجمالى للولايات المتحدة الأمريكية بما يقدر بحوالى ٢.٥ تريليون دولار، وذلك بحلول عام ٢٠٣٥، لكن بالمقابل، فقد أغفل العديد من الجوانب الإيجابية التى تعود على الولايات المتحدة نتيجة تخفيض حجم الانبعاثات الكربونية، والمزايا الاقتصادية لصعود صناعات الطاقة المتجددة، فضلا عن انخفاض ما يتم إنفاقه فى القطاع الصحى لمعالجة الأمراض المرتبطة بالتلوث الناتج عن الوقود الأحفورى.
وتتمثل الدعاوى الاجتماعية فى ارتباط الولايات المتحدة باتفاق باريس للتغيرات المناخية من شأنه أن يؤدى إلى تزايد نسبة البطالة فى بعض القطاعات التقليدية الأكثر إضرارًا بالبيئة (Job killer)، وبخاصة قطاعى الفحم والنفط اللذين تحذر منهما الاتفاقية، كما أن انسحاب ترامب يأتى فى إطار تنفيذه وعده خلال حملته الانتخابية بدعم الصناعات الأحفورية.
بالمقابل، فالأجدر بالحديث هو إيجاد حلول فعلية لأزمة الوظائف كاستبدال هذه الوظائف بعدد من الوظائف الأخرى غير التقليدية فى مجالات التكنولوجيا وغيرها من المجالات التى تحتاجها العديد من الشركات الأمريكية التى كانت قد حثت ترامب على عدم الخروج من هذه الاتفاقية. 
ردود الأفعال الدولية والإقليمية 
حالة من الإجماع الدولى الرافض لقرار ترامب الأحادى بالانسحاب من اتفاقية باريس، وأعلن الاتحاد الأوروبى بالإجماع تمسكه باتفاقية باريس للحد من التغيرات المناخية، مؤكدًا أنه يمكن للعالم أن يعتمد على أوروبا من أجل قيادة العالم فى مكافحة تغير المناخ من خلال سياسات مناخية طموحة، وعن طريق تقديم الدعم المستمر لتحسين البيئة وتقليل مخاطر تغير المناخ. وهو ما توافقت معه ألمانيا بتصريح ميركل من أن اتفاقية باريس تمثل أداة حيوية للكوكب كله وبلادها واقتصادها بشكل خاص، فضلا عن أن تنفيذ الاتفاقية سيوفر فرصة اقتصادية كبيرة للازدهار والنمو على الصعيدين الوطنى والعالمى، وشددت ألمانيا على أنها ستضاعف جهودها من أجل دعم البلدان النامية، لا سيما الأكثر فقرًا منها، فى تحقيق أهدافها بتقليل الانبعاثات وتحسين البيئة. 
كذلك؛ بريطانيا التى شهدت تصاعدا للتيار اليمينى، وسجلت موقفا توافقيا من الأفكار القومية بوجود تيريزا ماى؛ إلا أنها برغم ذلك أعلنت عن خيبة أملها بانسحاب أمريكا، مؤكدة على أن: «الاتفاقية تمثل الإطار الصحيح لحماية الأجيال القادمة وضمان للحفاظ على طاقة آمنة». وذلك بالإضافة إلى التأكيد الروسى أن بلاده تولى أهمية كبيرة لهذه الاتفاقية، إلا أن فعالية هذا الاتفاق قد تتضاءل فى ظل غياب أبرز مشاركيها. ووافقتها بالرأى دول قارة آسيا وفى مقدمتها الهند والصين التى أكدتا عزمهما على المضى قدما والمشاركة بقيادة العالم نحو الحد من آثار التغيرات المناخية.
ولم يخرج الشرق الأوسط عن هذا التيار، فهناك شعور عارم بخيبة الأمل إزاء القرار الأمريكى، وانتقادات عارمة لانعدام مسئولية ترامب تجاه الإشكالية البيئية التى تواجه المجتمع الدولى ككل. مصريًا، هناك حالة من الاستنكار للقرار الأمريكى، وسبق أن طرح الرئيس عبدالفتاح السيسى فى مؤتمر باريس للمناخ بالعام المنصرم «المبادرة المصرية – الإفريقية للتكيف مع المناخ»، وتستهدف تنمية قدرات الدول الإفريقية، ومساعدتها فى وضع أنظمة الرصد والإنذار المبكر للتنبؤ بالكوارث قبل وقوعها وسرعة الاستجابة لها وطرق التعامل معها، وكذلك تكوين ودعم البناء المؤسسى والسياسات الرامية لدعم القدرة على اتخاذ القرار فى مواجهة التغير المناخى، وتبنى مشروعات وإجراءات محددة للتأكد من النمو المضطرد فى مشروعات التكيف، وأخيرًا التمويل والاستثمار للتأكد من تدفق الموارد المالية لمشروعات التكيف فى المناطق الهشة بيئيا فى إفريقيا. 
لعل الاهتمام المصرى باتفاقية باريس يعكس وعيًا بما يعترى العالم من تهديدات، كما لا ينفصل عن قضية سد النهضة والأمن المائى المصرى؛ فالتطرف الحرارى ينعكس سلبا على معدلات البخر، ومن ثم تقليل حجم المياه المتدفقة، من هضبة الحبشة.
انعكاسات مستقبلية
هناك عدد من الانعكاسات المستقبلية على موقف الإدارة الأمريكية دوليًا وإقليميًا جراء قرار انسحاب ترامب من اتفاق باريس؛ حيث قد يظهر من خلال:
■ التباطؤ حد الإخفاق بالأجندة الأمريكية دوليًا: هناك احتمالية من أن الانسحاب الترامبى قد يؤدى إلى توتر فى العلاقات الأمريكية الأوروبية، وهو التوتر الذى ستستغله كل من روسيا والصين لتحقيق مصالحهما. وعلى سبيل المثال، فإن تزامن قرار ترامب المتعلق بالانسحاب من اتفاقية باريس للمناخ مع زيارة «لي كي تشيانج» رئيس مجلس الدولة الصيني لألمانيا وبلجيكا، وهو ما استغله في إعلان تأييده لاتفاقية باريس للمناخ، والتأكيد على أن بلاده ستعمل لتحقيق أهداف الاتفاقية، وهو المنطلق الذى ستتخذه الصين كوسيلة لتسريع المفاوضات حول اتفاقية الاستثمار بين الصين والاتحاد الأوروبى.
■ تنامى التهديدات غير التقليدية للأمن: لا شك أن هناك تأثيرات سلبية على قرار انسحاب ترامب على المناخ العالمى، فالتطرف المناخي سيؤدى إلى تعاظم ظاهرة «اللاجئ البيئى»، والملحق بها العديد من المجاعات والصراعات والإرهاب، وهو ما يمثل تهديدًا للأمن القومى الأمريكى لا يمكن تجاوزه. *تصاعد أدوار الفاعلين الجدد: لا شك أن القضية البيئية تخلق حيزا من الاهتمام العالمى؛ ونظرًا لخروج ترامب المصحوب بالاستياء الدولى؛ فالمتوقع أن يعاد توزيع أدوار الأطراف الفاعلة من القوى المتوسطة بأجندات بيئية تخدم السلام العالمى. على سبيل المثال، ستفضل العديد من الشركات العاملة في مجال الطاقة المتجددة الاتجاه إلى الصين التى بدأت تشهد صعودًا ملحوظًا فى قطاع «الاقتصاد الأخضر»، وبخاصة مع تأكيد الصين تمسكها بالاتفاقية حتى وإن انسحبت الولايات المتحدة منها، فى محاولة منها لاستغلال هذه الفرصة لمنازعة الولايات المتحدة الأمريكية على مركز القيادة العالمية، وبالإضافة إلى الصين؛ وكذلك قد تستغل الهند ذلك الانسحاب الأمريكى لتظهر كقوى متوسطة صاعدة في مجال الطاقة النظيفة. 
■ هشاشة التحالفات الدولية: عدم الإدراك بالإدارة الأمريكية الجديدة بأهمية الاتفاقيات الدولية بشكل عام؛ فإنها ستفقد المصداقية فى علاقاتها مع حلفائها، مما يؤثر سلبًا على مصالح البلاد. تأسيسا على ما سبق، نتيجة لقرار الرئيس الأمريكى دونالد ترامب الانسحاب من أهم الاتفاقيات الدولية المُرسخة للمضمون العام للحفاظ على البيئة والحد من آثار التغيرات المناخية، مما قد يتسبب ذلك القرار غير الرشيد بالتراجع حد العزلة الدبلوماسية فى ظل الإدارة الجديدة، فضلا عن إحداث خرق بالتوازنات الدولية، فقد يظهر تصاعد ملموس بأدوار الكيانات من غير الدول، مثل الشركات العالمية العابرة للقارات، وكذلك ستتزايد أهمية القوى الصاعدة الجديدة مثل الصين والهند، ليخلق بذلك خريطة تحولات جديدة يسعى النظام الدولى ككل للتكيف معها وفقا لاعتبارات بيئية موحدة.