الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

رسائل المنتحرين إلى "العالم القاتل"

من خليل حاوى إلى طبيب العجوزة

حاوى و ماياكوفسكي
حاوى و ماياكوفسكي و أليخاندرا
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
تجهمت الحياة في وجهه.. أغلقت الأبواب أمامه.. فتملكه اليأس.. لم يعثر في ذهنه على طاقة نور تساعده على مقاومة مصاعب الحياة، قرر أن يتمرد على أوضاعه؛ حيث يسكن في شقة بالإيجار مع عدد من زملائه، ويختصر على نفسه طريق الحياة الوعر.. أمسك بالقلم والورقة، فكر أن يكتب مأساته للجميع، ولكنه فضل أن تأتي آخر كلماته مختصرة رشيقة خفيفة مثلما كانت حياته على وجه الأرض، كاد يكتب باللغة العربية ولكنه فضل أن يكتب بالإنجليزية، لعل رسالته تجد طريقها للعالمية.
«مع السلامة أيها العالم القاتل».. إنها الكلمات الأخيرة لطبيب شاب في منطقة العجوزة، الذي انتحر منذ يومين، بعد أن ازدادت عليه الضغوط واسودت الدنيا في وجهه.. أمسك بكمية كبيرة من العقاقير التى يمنحها لمرضاه، فتكون نعمة عليهم تخفف آلامهم وتتوجهم بتاج الصحة؛ لتكون هي السلاح الذي يستخدمه في التخلص من حياته.
لم تنته قصة الطبيب المنتحر بهذه الطريقة.. فقد بدأت التحقيقات وفتح المحقق دفتره، قرأ اتهام الطبيب الذي غادر الحياة للعالم بالقتل، أسقط في يديه، قال في نفسه: «لما أحب أحاكم العالم أكلم مين؟» الظروف الاقتصادية أم الاضطراب السياسي.. الفقر أم الجهل والعشوائية.. الحرب أم الفساد أم الإرهاب.. المافيا أم التنظيمات أم الحكومات أم الشعوب؟! أغلق دفتر التحقيق وقيد القضية ضد مجهول ثم انصرف. 
قصة الطبيب المنتحر لم تكن الأولى ولن تكون الأخيرة، فقد سبقه إلى العالم الآخر بالطريقة نفسها أدباء ومثقفون ومشاهير كثيرون؛ حرصوا على أن يقولوا لنا خلالها «مع السلامة أيها العالم القاتل»؛ ولكن كل على طريقته الخاصة وليست على طريقة طبيب العجوزة المنتحر.
الأديبة والشاعرة الإنجليزية الكبيرة فرجينيا وولف؛ فضلت أن تنتحر غرقا بعد أن أثقلت جيوبها بالحجارة فى نهر أوس، وآخر ما كتبت رسالة إلى زوجها تقول فيها: 
«عزيزي، أنا على يقين بأنني سأجن، ولا أظن بأننا قادرون على الخوض في تلك الأوقات الرهيبة مرة أخرى، كما لا أظن بأنني سأتعافى هذه المرة. لقد بدأت أسمع أصواتا وفقدت قدرتي على التركيز، لذا، سأفعل ما أراه مناسبا، لقد أشعرتنى بسعادة عظيمة ولا أظن أن أحدا قد شعر بسعادة غامرة كما شعرنا نحن الاثنين سويا، إلى أن حل بى هذا المرض الفظيع، لست قادرة على المقاومة بعد الآن وأعلم أننى أفسد حياتك ومن دونى ستحظى بحياة أفضل، أنا متأكدة من ذلك، أترى؟ لا أستطيع حتى أن أكتب هذه الرسالة بشكل جيد، لا أستطيع أن أقرأ، جل ما أريد قوله هو أننى أدين لك بسعادتى، لقد كنت جيدا لى وصبورا علىّ، والجميع يعلم ذلك، لو كان بإمكان أحد ما أن ينقذنى فسيكون ذلك أنت، فقدت كل شىء عدا يقينى بأنك شخص جيد، لا أستطيع المضى فى تخريب حياتك ولا أظن أن أحدا شعر بالسعادة كما شعرنا بها».
ومع دخول قوات الاحتلال الإسرائيلى إلى بيروت فى العام ١٩٨٢، لم يتحمل الشاعر اللبنانى خليل حاوى ما رآه؛ فأطلق النار على رأسه فى منزله فى شارع الحمراء فى بيروت، فتوفى منتحراً، وقد نشرت سيرته الذاتية تحت عنوان: «رسائل الحب والحياة» فى عام ١٩٨٧.
أما الشاعر المصرى منير رمزى فقد انتحر عام ١٩٤٥، بإطلاق الرصاص على نفسه وكتب على قصاصة ورق رسالة الأخيرة «أنا هارب»:
«زورق الحب تحطّم على روتين الحياة اليومية».. بهذه الكلمات أنهى الشاعر الروسى فلاديمير مايكوفسكى عام ١٩٣٠، حياته حيث انتحر بإطلاق رصاصة على قلبه وترك الكلمات السابقة.
سيرجى يسنين، شاعر روسى، انتحر بشنق نفسه فى غرفته، وفى اليوم السابق حاول قطع شرايين يديه فى تجربة انتحار فاشلة، فكتب يومها آخر ما كتب بدمه «وداعا وداعا.. دعونا لا نحزن لا جديد فى أن أموت الآن».
كوستاس كاريوتاكيس، شاعر يونانى، وفى عام ١٩٢٨ انتحر بإطلاق النار على نفسه تحت ظل شجرة، وكان قد حاول فى اليوم السابق الانتحار غرقا لكنها كانت تجربة فاشلة؛ لأنه كان يتقن السباحة، كتب رسالة قبل الانتحار يقول فيها «لطالما كنت مصابا بدوار الخطر، وها أنا أدفع الثمن عن جميع الذين على غرارى، آمنوا بأن الحياة لعبة بلا جوهر».
تاميكى هارا، شاعر يابانى، انتحر برمى نفسه تحت عجلات القطار، وقبل انتحاره بعث عدة رسائل إلى أصدقائه، لكن الرسالة الأشهر هى التى كتبها قبل وفاة زوجته بيوم واحد، فقد كان تنبؤًا مخيفًا لما سوف يحصل، وقد قال فيها: «إذا ما خسرت ساداى يوما سأعيش من بعدها سنة واحدة فقط، لأكتب لها قصائد حزينة، ثم سأرحل طوعا عن هذه الدنيا، فأى معنى لحياتى من دونهما».
أما الشاعرة الأرجنتينية أليخادرا بيثارنيك؛ فقد انتحرت عام ١٩٧٢، بابتلاع الحبوب المنوّمة، وكانت رسالتها الأخيرة مكتوبة على قصاصة ورق تقول فيها: «لا أريد أن أذهب سوى إلى القعر».
وكذلك فعل الشاعر الكوبى رينالدو أريناس؛ فقد انتحر عام ١٩٩٠ بجرعة زائدة من المخدرات والكحول فى نيويورك، وترك رسالة أخيرة يقول فيها: «كوبا ستصير حرة، أما أنا فقط أصبحت كذلك منذ هذه اللحظة».
فى حين أنهى الشاعر المغربى كريم حومارى حياته عام ١٩٩٧؛ حيث انتحر بشنق نفسه، وكان آخر ما كتبه رسالة إلى صديقه: «عين الأشباح تطاردنى صباح مساء».