الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

قطر.. دويلة بلا تاريخ تسعى لشراء الحضارة

الدوحة تشترى العالم «١-٢»

قطر
قطر
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
بلد الانقلابات العائلية.. لا يأمن فيها الأب من ابنه والأخ من أخيه..  دفتر الشيكات يحول الخيمة والنخلتين إلى دولة «البارانويا» السياسية «قطر وتركيا والإخوان» انتهاك حقوق الإنسان.. الازدواجية المسكوت عنها صندوق بريد سريع لإسرائيل.. وخدمات لا تعد ولا تحصى
دولة بلا تاريخ أو حضارة، تنفق ببذخ يتجاوز حدود الخيال لشراء التاريخ والحضارة، لكن اليقين الراسخ أن هناك أشياء كثيرة لا تشترى، والتاريخ والحضارة فى الصدارة. قطر دويلة صغيرة، لا يزيد طولها على مائة وستين كيلومترا، أما العرض فيقل عن المائة كيلو.. عدد السكان محدود بالتبعية، والثروة الطائلة هبة سخية من الطبيعة، فهل يمكن للثراء المادى وحده أن يصنع دولة عظمى؟ «ثرى حرب» مصطلح شهير عند الحديث عمن يصعدون اقتصاديا فى أجواء الحرب المضطربة، بكل ما يصاحبها من متغيرات لا ضوابط فيها أو قواعد، ويمكن القول إن إمارة قطر لا تختلف كثيرا عن أثرياء الحرب هؤلاء، الذين يبحثون فى اندفاع جنونى أهوج عن وجاهة لا وجود لها، ويدفعون الملايين لشراء لقب يتوهمون أنه يمنح المكانة ويصنع تاريخا.
الأستاذة حنان أبوالضياء، الصحفية الجادة المثقفة المسلحة بالرؤية الواعية الشاملة التى لا تقترن بالمناسبات كما هو الحال عند غيرها، تقدم فى كتابها المتميز «قطر تشترى العالم.. مستعمرة الصهاينة فى الوطن العربى» الصادر عن دار «كتبخانة للنشر والطباعة والتوزيع» فبراير ٢٠١٤، جهدا غير مسبوق للكشف عن حقيقة الدويلة التى تلعب دورا سلبيا مدمرا عمديا، بحيث يمكن القول إنها مستعمرة الصهاينة، كما يشير عنوان الكتاب الذى يعتمد فى معالجته على الحقائق والوثائق، ويفضح الدور المشبوه الذى تقوم به الإمارة الصغيرة لتنفيذ مشروع برنارد لويس لتقسيم دول الشرق العربى، لتصبح دويلات هشة لا يعتد بها، فى سبيل هذا الهدف تتحرك يمينا ويسارا مسلحة بـ«زكيبة فلوس» تبعثر منها ولا تملك سلاحا آخر.

ما يحدث فى قطر يشبه «البارانويا السياسية»، والحقيقة المؤكدة التى لا يختلف حولها أحد، أنها «بلد الانقلابات العائلية التى لا يأمن فيها الأب من ابنه، والأخ من أخيه، بل إن السيدة الأولى (موزة) نفسها تآمرت على زوجها لصالح ابنها المفضل تميم، الطيع لها والأكثر خضوعا للأمريكان والذراع المحمولة للإخوان. إنها السارق الحالم بدور إقليمى فى ظل غياب الدول العربية الكبرى: مصر، سوريا، العراق، معتمدة على نفوذها المالى ودعم الحركات الإسلامية لتصل إلى سدة الحكم، مع تغذية الانقسامات السياسية والعرقية والمذهبية، لتسير على نهج جورج بوش الذى طرحه فى خطابه الشهير حول (مشروع الشرق الأوسط الكبير) متسترا تحت شعار: (تطوير الديمقراطية فى العالم العربى)».
من ناحية أخرى، فإن قطر التائهة بين الصحراء والبحر قد أصبحت حاضرة فى كل مكان، وأضحت كل الطرق تؤدى إلى الدوحة، «وانتقلت من مجرد قرية للصيادين، فى مستهل القرن العشرين، إلى دولة ذات حضور عالمى، والبركة فى دفتر الشيكات الذى حول الخيمة والنخلتين إلى دولة لها عاصمة».
فى الفصل الأول «تمتلك العالم بفلوسها.. ولا عزاء للحضارة»، تشير حنان إلى السعار القطرى الهستيرى لتلفيق حضارة لا تملك منها شيئا، فهى تعرض الملايين لشراء منزل المفكر المصرى الكبير عباس محمود العقاد، وتدفع مئة مليون للاستحواذ على قصر السياسى المصرى البارز فؤاد سراج الدين فى جاردن سيتى، ثم تضيف مؤلفة الكتاب: «ومن المعروف أن دولة قطر أصبحت أكبر مشتر للتحف الفنية فى العالم بعد موجة إنفاق ضخمة للعائلة المالكة لتعزيز محفظتها الثقافية قبل مونديال ٢٠٢٢».
حمى الشراء بمثابة الدليل الأكبر على تدنى مستوى العائلة الحاكمة القطرية وعدم وجود جذور تاريخية لها، لذلك تشترى المقتنيات بأغلى الأسعار فى محاولة للظهور بأنهم يهتمون بالفن والتاريخ، وخلال شهور قليلة دفع حكام قطر أكثر من مليار دولار على هذه الأمور، يشبه الكثيرون ما تقوم به قطر من تغلغل فى مختلف دول العالم بما قام به الصهاينة، الذين استخدموا قوتهم المالية والإعلامية لتحقيق أحلامهم، لكن الفارق الجوهرى هو عجز القطريين عن تدبر أمورهم الشخصية داخل بلدهم دون الاعتماد على الأجانب، فكل مديرى هيئاتهم الاستثمارية هم من الغربيين، ومعظم موظفى قنواتهم الإعلامية من غير القطريين، وحتى رجال الدين هم عبارة عن أشخاص غير قطريين تم تسويقهم حتى يلعبوا الأدوار التى تتطلبها المصالح الاستعمارية فى العالمين العربى والإسلامى، أمثال مفتى الناتو يوسف القرضاوى!!
على الرغم من أن إمارة قطر تعد إحدى أصغر الدول العربية من حيث المساحة وعدد السكان، فإن حضورها الاقتصادى لافت مثير. العالم بالنسبة إليها «سوبر ماركت» يمكن شراء كل شىء فيه، وتستثمر قطر عائدات الغاز الطائلة فى كل المجالات، من الصناعات الثقيلة والتحويلية إلى دور الأزياء الشهيرة وفرق كرة القدم الكبرى!
الدوحة تسعى إلى شراء التاريخ، لأنها لا تملك تاريخا، وقد استولت قطر على ما تيسر لها من حضارات دول الربيع العربى من خلال ثلاثة منافذ، الأول ظاهره خير ومنتهى التحضر، حيث شعارات البعد الريادى فى المحافظة على الحضارة، ويتمثل فى بعثات تنقيبية عن الآثار أو للمحافظة على الوجود بها كما فى تونس واليمن، أو الاستعانة بعمليات البيع والشراء مستغلة الظروف الاقتصادية السيئة، إلى جانب الجهل باعتبار أن الآثار أصنام كما فى السودان أو «سرقة وش» كما حدث فى مصر من سرقة للعديد من مقتنيات المتحف الإسلامى وكما فى سوريا والعراق، وظهر معظمها فى قطر.

ما السر فى قوة الخيمة والنخلتين؟! تجيب حنان عن هذا السؤال: «ترتكز الاستراتيجية الاقتصادية فى قطر على سياسة تنويع مصادر الدخل، عن طريق فتح استثمارات جديدة مستغلة فائض الدخل الناتج عن الغاز والنفط، ولدى قطر جهاز للاستثمار معنى باكتشاف الفرص الاستثمارية حول العالم وضخ الأموال بها، وتمتلك قطر صندوق ثروة سيادية تقدر قيمته بنحو ٢٠٠ مليار دولار، وبدأ توجيه اهتمامه بالمشروعات القائمة فى البلدان التى تعانى من عدم استقرار اقتصادى، مثل دول الاتحاد الأوروبي، ودول الربيع العربى». إن تاريخ قطر الهامش، وخبرتها السياسية الضئيلة، لا يمكن أن يؤهلاها للدور الذى تلعبه، أو تحاول أن تلعبه فى العالم، لكن كلمة السر هى المال الذى يفتح الأبواب ويغلق العقول.
تبدأ حنان أبوالضياء الفصل الرابع من كتابها بالتأكيد على أن قطر هى تلك الدويلة التى لا يعرف أحد ما يدور فى أغوارها، والتى لا تملك تاريخا ولا أصولا تمتد إليها، وهو ما ينطبق فى المقام الأول على حكامها: «فبينما تحاول أسرة آل ثانى التأكيد على أنهم جاءوا إلى قطر فى بداية القرن الثانى عشر الميلادى، نازحين من واحة (يبرين) الواقعة على بعد ٢٠٠ كيلومتر جنوب غربى قطر فى أراضى المملكة العربية السعودية، وأن قبائل قطر سلمت بزعامتهم بسبب حاجة هذه القبائل إلى من يجمع شملهم وينهى خلافاتهم من بعضهم البعض، وإلى من يقودهم فى الدفاع عن أرضهم وأموالهم وأرواحهم ضد اعتداءات المغيرين على شبه جزيرة قطر».
فى مقابل هذا الزعم، يؤكد الدكتور حسام الدين الخلاصى، الكاتب والمحلل السياسى السورى، أن أصول آل ثانى تعود إلى أصول يهودية، وأن هناك وثائق فى متحف مكتبة بياسيا، الكائنة بشارع رقم ٧٥٤/ ثان فى إسطنبول، تكشف عن الأصول اليهودية للأسرة.
وأكد الكاتب أن «قطر أرسلت إلى الجانب التركى لاستعادة هذه الوثائق، ولكن الجانب التركى رفض بدعوى أن هذه الوثائق ملك للتاريخ، ولا يجوز لأحد أن يتصرف فيها»، كما أكد الكاتب أن «أمير دولة قطر حاول شراء صور ضوئية حصل عليها الخلاصى من المكتبة، خوفا من تسريبها، ولكن الخلاصى رفض العرض القطرى».
من ناحية أخرى، فإن قطر التى تنفق المليارات تحت مظلة الدفاع عن الديمقراطية وحقوق الإنسان، دويلة لا متسع فيها لشىء فى الديمقراطية وحقوق الإنسان. فى ظل حكم الأمير حمد، تسجل قطر الانتهاك الأكبر لحقوق الإنسان، «إذ نزع بشكل تعسفى جنسية أكثر من ٧ آلاف شخص من أفرادها، والتهم أنهم ناصروا والد المخلوع عندما أجرى حمد انقلابا واسعا ضده وأزاح فيه قسرا عن الحكم ونفاه خارج البلاد».

آل مرة فى ضحايا النظام الذى يتاجر بحقوق الإنسان، وهناك قضية إنسانية أخرى حركت المشاعر لقسوتها، وهى الحكم بالسجن المؤبد على الشاعر محمد بن الذيب العجمى، وهو ما يمثل إجهاضا فاضحا للعدالة، ذلك أنه متهم بتوجيه النقد إلى «الذات الأميرية»، وهذه التهمة فى قطر تعد «خيانة عظمى»، وهو ما أثار ضجة واسعة لدى المنظمات الإنسانية التى انتقدت قطر على ازدواجيتها فى التعامل مع الشأن الإنسانى الداخلى.
منظمة العفو الداخلى وصفت الحكم بالخيانة العظمى للمبادئ الإنسانية، وقال فيليب لوثر، مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا فى المنظمة: «من المؤسف أن قطر التى تحب أن تظهر دوليا بلد يشجع حرية التعبير، وينغمس بانتهاك صارخ لهذا الحق».
وأضاف لوثر: «كل المعلومات المتاحة تشير إلى أن العجمى سجين رأى، وتم سجنه بسبب كلماته، وينبغى الإفراج عنه فورا وإلغاء إدانته».
ووجه روبرت ألتمان، رئيس منظمة العفو الدولية السابق فى لوكسمبورج، رسالة إلى حكومة بلاده يحذرها فيها من «زواج المصلحة» مع قطر، وقال: «كيف يمكن أن يفهم المرء قيام قناة الجزيرة الفضائية القطرية بدعم الثورات فى تونس ومصر وليبيا، ثم تمنع قطر نفسها قصيدة كتبها شاعر قطرى يذكر فيها (الربيع العربى)». وذكر ألتمان فى رسالته العديد من النقاط والتساؤلات الموجهة لحكومة لوكمسبورج، متسائلا: «هل تعرف الحكومة بأن قطر لا تحترم حرية الرأى؟».
التحالف الثلاثى بين قطر وتركيا وجماعة الإخوان، لا يصب بطبيعة الحال فى خدمة المصالح العربية، ولم تعد المسألة بحاجة لمزيد من الدلائل، لتكشف عن أن تركيا وقطر تعملان بكل السبل لمحاربة أى حل سياسى للمسألة السورية، وأنهما على استعداد لاستخدام تنظيم القاعدة بأفرعه وتسمياته المختلفة كى يتم عرقلة الحل الذى تعتبرانه الضربة الأخيرة لمشروعهما الخاص.. إنه محور الشر بين رجب طيب وتابعه الأمير تميم بن حمد. لقد شكلت قطر الداعم المالى الرئيسى لأنظمة الحكم الجديدة فى القاهرة وتونس، إبان الوجود الإخوانى فى سدة الحكم، ووفرت بحسب مسئولين قطريين مليارات الدولارات من المساعدات للرئيس الإخوانى محمد مرسى. لا تملك قطر مقومات الدولة المحاربة، لكنها تملك المال، وهذا المنطق فى الإنفاق لا يجعل قطر دولة بقدر ما يجعلها بنكا، والبنوك لا تلعب أدوارا سياسية بطبيعة الحال، لكن الدوحة أرادت أن يكون لها هذا الدور، متوهمة أنها دولة عظمى تطبق دبلوماسية الشيكات والحقائب المليئة بالنقود!
الجيش القطرى يتكون فى باكستانيين وبنغال، والدوحة تحتلها القوات الأمريكية برضا حكامها، فأى دولة عظمى هذه؟!
«وللعرض بقية»