الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

تقارير وتحقيقات

"من النكسة يولد النصر" حلاوة العاشر من رمضان غطت على آلام "5 يونيو 67" دراما زمنية تذكر بـ"النكسة" وتجدد حكاوي الفرحة بالانتصار على العدو الإسرائيلي الذكرى تجسد إرادة الجندي الصائم في تحقيق النصر

صورة تعبيرية
صورة تعبيرية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
«من النكسة يولد النصر»
حلاوة العاشر من رمضان غطت على آلام «5 يونيو 67»
دراما زمنية تذكر بـ«النكسة» وتجدد حكاوى الفرحة بالانتصار على العدو الإسرائيلي
الذكرى تجسد إرادة الجندى الصائم فى تحقيق النصر العظيم
فرق مشاة تعبر قناة السويس تقودهم جماعات الصاعقة
400 طائرة شاركت فى حرب تحرير سيناء
مدفعية ثقيلة تدك حصون العدو لمدة 53 دقيقة
خطة خداع استراتيجى تسبق لحظة العبور
على موسى وحسن عصام الدين

صباح 5 يونيو عام 1967، كان الحزن سيد الموقف، فوجئ المصريون، بطائرات العدو الإسرائيلى تدك المطارات، واستطاعت إسرائيل تدمير أكبر عدد من الطائرات، وهى فى أماكنها على الأرض، وبعد فترة وجيزة، جاء قرار الانسحاب من المشير عبدالحكيم عامر، وظلت سيناء تحت قبضة إسرائيل من يونيو 1967 إلى أن تم تحريرها فى السادس من أكتوبر 1973.
كان العاشر من رمضان ملحمة للنصر، بدأت فى دق أجراسها بطلعات جوية مكثفة، حيث حشد الجيش المصرى قواته فى العاشر من رمضان عام 1973، على مستوى كل التشكيلات التعبوية البرية والأفرع الرئيسية للمشاركة فى ملحمة الحرب، التى بدأت تدق أجراسها فى تمام الساعة الثانية ظهرا، بطلعات جوية مكثفة من نسور السماء، الذين خرجوا بـ400 طائرة مقاتلة ومروحية، لدك مراكز القيادة والسيطرة الخاصة بالعدو وتدمير مطاراته ونقاط الاتصال، والتجمعات المركزية، تمهيدًا لعبور وحدات المشاة، وبدء معركة المدفعية الثقيلة، التى أفقدت العدو توازنه، وجعلته غير قادر على مواجهة نيران الجحيم، التى صبّها رجال الجيش على رءوس الجيش الصهيوني، واستمرت لمدة 53 دقيقة.
وفى توقيتات متزامنة من يوم العاشر من رمضان؛ نجحت 5 فرق مشاة، كان أغلبهم من رجال الصاعقة، فى عبور قناة السويس، واحتلال رءوس كبارى بعمق من 10-12 كم، وهى المسافة المؤمنة من قبل مظلة الدفاع الجوى، ونيران المدفعية الثقيلة التى دكت حصون العدو، فى حين تبقى فرقتان مدرعتان وفرقتان ميكانيكيتان غرب القناة كاحتياطى تعبوى، بالإضافة إلى وجود عدد كبير من القوات كاحتياطى استراتيجى تحت تصرف القيادة العامة للقوات المسلحة، يتم الدفع بهم طبقًا للموقف القتالى على الأرض.
وفى نفس اليوم «العاشر من رمضان»؛ استطاع رجال البحرية المصرية البواسل غلق مضيق باب المندب، أمام السفن الإسرائيلية، وحرمان العدو الصهيونى من واردات النفط القادمة من إيران، وإضعاف قوته بشكل كبير، وحرمانه من الوقود اللازم لإدارة عمليات القتال.
عشرات المعارك أدارها رجال الجيش المصري، فى حرب العاشر من رمضان، وهم صائمون، كبدوا خلالها العدو الإسرائيلى خسائر فادحة، على مدار 16 يومًا، من القتال المتواصل، حتى وقف إطلاق النار، بقرار من مجلس الأمن الدولى، يوم 22 أكتوبر 1973، والذى يوافق يوم 26 رمضان، بعدما نجح رجال القوات المسلحة فى فرض واقع جديد على الأرض، وتحطيم حصون خط بارليف، الموجودة على طول الضفة الشرقية لقناة السويس، والساتر الترابى، وغلق فتحات النابلم الموجودة أسفل قناة السويس، من خلال رجال المهندسين العسكريين، وظلت القوات مرابطة فى مواقعها حتى المفاوضات السلمية، التى أدارها الرئيس الراحل أنور السادات بعد وقف إطلاق النار، وانتهت بمعاهدة السلام عام 1979.

(1)
سبق ذلك خطة خداع استراتيجى عن طريق خداع خارج جبهة القتال، حيث استوردت مصر ضعف كمية المعدات العسكرية، وتم تركها فى ميناء الإسكندرية ليومين كاملين بالقرب من سيارات شركة المقاولات «أساسات»، وبعد يومين قامت سيارات الجيش بنقل الكمية الزائدة فقط فى حين نقلت عربات شركة المقاولات الكمية اللازمة للعبور بالفعل.
وفى مناورة سابقة أخذ الجيش المصرى المدفعية من الجيش الجزائري، وتم نقل صواريخ «سكود دي» من روسيا، بتعاون خاص مع الـ«كى جى بي»، وبدون علم أطقم السفن، بما تحويه مخازنهم، غير أنها بعض المهمات الإدارية المدنية.
أما بالنسبة لقنابل الطائرات، فتم تصنيع القنبلة الفسفورية محليًا فى مصانع القوات المسلحة، وبتعتيم خاص على المشروع من قبل جهاز المخابرات الحربية والأمن الحربى المصري.
(2)
وقبل الحرب، أخلت القوات المصرية المستشفيات لاستيعاب الجرحى، حيث تم تسريح ضابط طبيب من الخدمة وإعادته للمدنية، ولأنه كفء فقد اكتشف أن المستشفى ملوث بميكروب «التيتانوس»، فما كان منه إلا الإبلاغ ليكتشف الجميع تلوث معظم العنابر، وتخرج الصحف بتلك المعلومة، بعدها طُرحت عدة تساؤلات عما إذا تم تلوث مستشفيات أخرى، فتم الكشف على كل المستشفيات لتأتى النتائج بأن هناك 12 مستشفى ملوثًا، فتم إخلاؤها.

(3)
مع المعارك الدائرة مع العدو الصهيونى، وانتشار الظلام الإجباري، كان لزامًا تواجد مصابيح يد، حيث التقى أحد المهربين بشاب أعرابى على دراية بطرق الصحراء، وتم تهريب كمية من قطع غيار السيارات، واتفقوا على تهريب شحنة ضخمة من المصابيح اليدوية.
وكشفت الشرطةُ العمليةَ، وصادرت الشحنة، لكن الشاب تمكن من الهرب فى ظروف غامضة، بينما تم القبض على المهرب، الجدير بالذكر أن هذا الشاب كان أحد رجال المخابرات العامة.
كان لا بد قبل دخول الحرب التركيز على المواد التموينية، حيث تمت دراسة أرصدة كل المواد التموينية، على نحو كامل، وبأسلوب معلن، لم يجعل العدو يشك فى نوايا الحرب أبدًا.
وكانت الخدعة بإشاعة إصابة مخزون القمح بالفطريات، وتم الإعلان عن هذا، وتم عمل حرائق وهمية، وتصويرها ونشرها فى الصحف، فكان المبرر لاستيراد كميات قمح بديلة.
(4)
فيما تم نقل الدبابات والمعدات الثقيلة للجبهة، دون علم العدو، حيث تم نقل الورش الرئيسية للإصلاح، خلف الخطوط الأمامية، لتعبر قوافل الدبابات علنًا، وكأنها ذاهبة للورش، مع اختيار أوقات عبور أفواج أخرى، فى غير ميعاد مرور القمر الصناعي، فوق المناطق التى تمر منها الدبابات. كذلك المناورات المتتالية، وخطة الدبابات الخشبية التى فوجئ اليهود بالدبابات الحقيقية بها.
(5)
من جانبها؛ قامت إدارة المهمات بتجارب عديدة، حول توفير «شدات» الحرب، إلى أن توصلت إلى العينات المطلوبة، وقبل نهاية أكتوبر 1972 كان قد تم تشغيل 50 ألف شدة ميدانية من الأنواع الجديدة.
وتم تغيير زمزمية المياه، التى يحملها جنود العبور، لكى تصبح سعة 2.5 لتر، بدلا من التى كانت تسع ثلاثة أرباع لتر، حتى يكون مع الجندى ما يكفيه من المياه ليوم كامل.
وفى منتصف عام 1972 تم تجهيز جميع وحدات المشاة بأجهزة الرؤية الليلية وسلالم الحبال، لتسلق الساتر الترابى، كما يتم وضع سلمين متجاورين لرفع وجر المدافع.

(7)
ولجأت مصر إلى إظهار ضعفها اقتصاديًا وعدم قدرتها على الهجوم، وحرصها على أن حل الأزمة يجب أن يكون سلميًا، مع خداع سياسي، بإظهار قبول حالة اللا سلم واللا حرب، والإعلان عن عدم الحسم أكثر من مرة، وقرار إبعاد المستشارين الروس، وكان الخداع الاستراتيجى والتعبوى الإعلامى بإصدار قرار زيارة بعض القادة العسكريين لليبيا.
مع استمرار تدريب الضباط والجنود، والإعلان عن تسريح دفعات احتياط، والإعلان عن سفر بعض العسكريين لأداء العمرة والتضخيم فى وسائل الإعلام حول استحالة عبور القناة لما فيها وعليها من موانع يصعب اجتيازها.
(8)
شمل الخداع ضربة جوية زائفة؛ حيث رصدت دفاعات العدو ظهر الجمعة 5 أكتوبر، طلعات جوية مصرية بشكل متواصل، فاضطروا لإطلاق طائراتهم، وعندما لم تحدث أى هجمات باتوا على يقين بأن طلعات الطيران المصرى مجرد تدريب.
ولذلك عندما تم رصد الطائرات المصرية ظهر 6 أكتوبر على ارتفاعات منخفضة، ظن العدو أنها طلعات تدريبية، وقبيل ساعة الصفر أضاف الضابط حسنى مبارك وسيلة أخرى من التمويه، حيث أجرى ترتيبات دقيقة فى القاهرة، واتصالات عاجلة مع طرابلس للإعداد لزيارة إلى ليبيا وبرفقته بعض كبار الضباط فى مهمة عاجلة تستغرق 24 ساعة.
وكلما اقترب موعد إقلاع الطائرة كان مبارك يؤجل الموعد المرة بعد الأخرى حتى تم تحديده نهائيًا، ليكون فى الساعة الثانية بعد ظهر 6 أكتوبر، وهو الموعد الحقيقى والفعلى لبدء تنفيذ الضربة الجوية الأولى.

(9)
أعلن فى القاهرة ورومانيا أن المشير أحمد إسماعيل سيكون فى استقبال وزير الدفاع الروماني، يوم 8 أكتوبر بمطار القاهرة، كما أخطرت مصر السفارة البريطانية عن استعدادها لاستقبال الأميرة يوم 7 أكتوبر، وطارت الأميرة من لندن إلى روما استعدادًا للزيارة، إلا أن هذه الزيارة لم تتم بسبب إغلاق مطار القاهرة بعد ساعة الصفر.
(10)
وفى يوليو 1972؛ أصدر الجيش قراره بتسريح 30 ألف مجند، مما ساعد على خداع العدو، والواقع أن الاستغناء عن هذا العدد الكبير من المجندين كان جزءًا من تطوير خطة التعبئة العامة فى مصر بعد قرار إيقاف نقل الجنود إلى الاحتياط الذى صدر عام 1967 الذى كان له تأثيره على معنويات الأفراد، بعد أن مضى عليهم فى التجنيد ما يقرب 6 سنوات.
كما أنه كان يشكل عبئًا ماليًا كبيرًا دون جدوى لوجود معظمهم خارج التشكيلات المقاتلة، وفى مواقع خلفية ضمن أعداد كبيرة مخصصة لحماية العمق وحراسة المنشآت الحيوية.
وأوهم القرار العدو بعدم نية الجيش المصرى خوض أية معركة فى الوقت الراهن، فكان يتم استدعاء جنود الاحتياط فورًا بدلًا من تسريحهم وبجميع الوسائل الممكنة لدعم القوات.
(11)
وعلى سبيل الحيلة، أنشأت الحكومة المصرية محطة إذاعية تذيع باللغة العبرية وتعمل على مدى 12 ساعة يوميًا، وكانت هذه المحطة موجهة إلى إسرائيل، وتذيع موسيقى غربية خفيفة تتخللها نشرات إخبارية وتعليقات تدعو للسلام.
وطوال صيف عام 1972؛ كانت القوات المصرية تتدرب على عبور القناة تحت سمع وبصر العدو، حيث أعد المصريون شواطئ للنزول عليها، وبنوا الجسور وعرضت الأفلام التى التقطت فى ذلك اليوم على التليفزيون الإسرائيلي، وقام المصريون مرة واحدة فى عام 73 بتمثيل عملية العبور بأقل تفاصيل ممكنة، ونقلت الصحف المصرية سير هذه العملية التى شهدها جنود العدو فى خنادقهم على الضفة الشرقية للممر المائي.
وتكرار التدريب على عملية آثار استهزائهم من عدم قدرة المصريين على عبور أكبر خط دفاعى عرفه التاريخ، والمثير هو أن عبور القوات المصرية يوم 6 أكتوبر كان بالضبط نفس ما حدث قبل ذلك بكل تفاصيله الدقيقة، وهكذا كان العدو يعتقد أنه تدريب اعتيادي.
واستمرت الأعمال اليومية الاعتيادية على طول الجبهة، وتفادى الإقدام على إجراء يمكن أن يدل على تغيير سير الحياة الطبيعية، وصدرت أوامر لمجموعة من الجنود أن يمصوا القصب، ويأكلوا البرتقال فى مواجهة العدو، وهم فى حالة تراخ وخمول للتمويه.
وصدرت الأوامر بعدم نفخ قوارب العبور قبل بدء الضربة الجوية، لأن التجارب أثبتت أن صوت الجنود وهم ينفخون هذه القوارب يمكن أن يسمع على مسافة 800 متر، وصدور الأوامر بعدم إفطار الجنود الصائمين فى رمضان إلا مع بدء العملية.
وأنشأ الجيش المصرى على الضفة الغربية للقناة ساترًا ترابيًا، فى مواجهة مناطق تمركز قوات العدو، لإخفاء التحركات العسكرية، وكذلك أنشأ عددًا من السواتر فى العمق بزوايا ميل مختلفة لنفس الغرض.
وحققت هذه السواتر أهدافها، إذ جعلت العدو يقتنع بأن الجيش المصرى لجأ إلى استراتيجية دفاعية فى حماية هذه السواتر، كما ساعدت على إخفاء تحركات القوات المدرعة المصرية نحو شاطئ القناة لتأخذ أوضاع الهجوم عندما بدأت الحرب.