الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

تقارير وتحقيقات

الحكومة تبدِّد الدولار.. استيراد 20 ألف طن أرز رغم زيادة الإنتاج على الاستهلاك بـ1.5 مليون طن.. وخبراء: مافيا "السلع التموينية" المستفيد.. والأزمة بدأت برفض الدولة شراء المحصول بـ3 آلاف جنيه

الارز -صورة ارشيفية
الارز -صورة ارشيفية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
اعتمد مجلس الوزراء، برئاسة المهندس شريف إسماعيل، منذ أيام، ما تم من إجراءات بشأن التعاقد بين وزارة التموين والتجارة الداخلية والحكومة الهندية لشراء 20 ألف طن أرز هندي، وهو ما اعتبره خبراء إهدارًا للعملة الصعبة الممثلة في الدولار لشراء سلع كان يمكن الاستغناء عنها في حال تم عمل مخزون استراتيجي بسعر معقول في موسم حصاد المحصول.
وأعلنت هيئة السلع التموينية فى أكتوبر الماضى أنها ستطرح مناقصة لشراء 100 ألف طن من الأرز خلال الفترة المقبلة، ثم أعلنت تراجعها عن هذه الخطوة عندما وجدت هجومًا كبيرًا، إلا أنها بدأت بالفعل استيراد 20 ألف طن.
ورغم أن مصر تنتج سنويًّا 5 ملايين طن تقريبًا وتستهلك 3.5 مليون طن محليًّا، فيكون الفائض ما يقارب الـ1.5 مليون طن سنويًّا نصدِّره للخارج، وهو ما دعا البعض للتساؤل عن سبب الاستيراد من الخارج ما دامت مصر تنتج ما يكفى استهلاكها المحلى وتصدر، معتبرين ذلك تبديدًا ّللدولار فى وقتٍ تمر فيه مصر بظروف اقتصادية صعبة.

قال محمد فرج، رئيس الاتحاد العام للفلاحين المصريين: إن مشاكل الأرز والقمح وغيرها ترجع إلى مافيا الفساد فى هيئة السلع التموينية، متسائلًا: هل هيئة السلع التموينية لديها آلية لجمع الأرز من الفلاحين؟ مجيبًا: لا، ليس لديها آلية لجمع الأرز من الفلاحين، لكنها تأخذ أرز الفلاح من التاجر الذى يشترى الأرز من الفلاح بسعر بخس ليورِّده بعد ذلك إلى هيئة السلع التموينية، مؤكدًا أن هناك مافيا بالهيئة تستفيد من الاستيراد والتصدير معًا.
وأضاف فرج أنه من المفترض أن تقوم الحكومة بعمل حصر للمساحات المزروعة بالأرز ومتوسط إنتاجها، وأن يتم التعاقد مع الفلاحين مباشرة لتوريد الأرز إليها مباشرة دون وسطاء وهم التجار.
ورأى محمد أبو الفتوح نعمة الله، مدير مركز وادى النيل للبحوث والدراسات الاستراتيجية، أن أزمة الأرز فى مصر صدّرتها وزارة التموين منذ شهر أكتوبر 2016 حيث يعد موسم حصاد الأرز مبكر النضج منذ منتصف سبتمبر، ثم الأنواع العريضة والأرز مستدير الحبة والتى تمثل غالبية الإنتاج المصرى، وهى من الأنواع الفاخرة المتميزة التى وصلت أسعار تصديرها فى بعض الفترات إلى 5 دولارات للكيلو، مضيفًا أن مشكلة ارتفاع أسعار الأرز بدأت مع رفض الحكومة شراء المحصول من الفلاح بسعر 3 آلاف جنيه لطن الشعير رغم أننا نتحدث عن أسعار متميزة لن تزيد أسعارها على سعر النوعيات المتدنية كالفلبينى الذى نستورده بنحو 300 إلى 350 دولارًا للطن من الأرز الأبيض، أى أن تكلفة طن الأرز الأبيض الفاخر كان يمكن لهيئة السلع التموينية أن تشترى احتياجاتها من الأرز الأبيض الفاخر بسعر المستورد الأقل جودة أو أقل قليلًا، لكنها رفضت رغم خسائر الفلاح، وقامت بحملات استعراضية لمصادرة كميات من الأرز من مخازن البعض بزعم القضاء على المضاربة.

وأضاف نعمة الله أن الأرز سلعة استراتيجية يخزن سنويًّا للوفاء باحتياجات المستهلكين طول العام، وكان الأَوْلى بالحكومة أن تشترى احتياجاتها بتلك الأسعار التى طالب بها المزارعون لتغطية تكلفتهم، لكنها خفّضت الأسعار وتركت الفرصة لمافيا الاحتكار لشراء الأرز بأبخس الأسعار من الفلاح لتعاود الشراء بعد ذلك بأكثر من ضِعف الثمن، ناهيك عن تضاعف الأسعار بعد ارتفاع سعر الدولار عقب تحرير سعر الصرف فى 3 نوفمبر الماضى، مضيفًا أن الحكومة الآن بسوء تصرفها أضرّت المستهلكين والمزارعين فى آن واحد، وهو ما حذرنا منه صراحة عدة مرات وطالبنا الحكومة بالحرص لكي لا تتكرر أزمة السكر فى الأرز والأدويةـ وهو ما حدث بالفعل، بل طالبنا الحكومة ووزارة التموين وهيئة السلع التموينية بشراء الشعير بالأسعار التى ارتضاها المزارعون والتى تقلّ كثيرًا عن أسعار التصدير العالمية.
وتابع نعمة الله أننا حذرنا أيضًا من تصدير الأرز لتوفير حصيلة للوزارة حيث كانت تفرض رسومًا تزيد على 2000 جنيه لتصدير طن الأرز الأبيض فى الأعوام السابقة، وللأسف فقد ساعد تضاعف الأسعار على تهريب كميات كبيرة من الأرز إلى ليبيا والسودان وغيرها عبر ممارسة بعض الأساليب غير المشروعة، فى الوقت الذى كان فيه السعر الذى طرحته نقابات الفلاحين يقل عن سعر استيراد أردأ أنواع الأرز الفلبينى، ورفضت وزارة التموين استيفاء احتياجاتها من السوق المحلية، وبعد انفلات الأسعار أصبحت مضطرة لاستيراد أردأ أنواع الأرز الفلبينى بما قد يصل لـ650 مليون جنيه لاستيراد 100 ألف طن بخلاف تكلفة الشحن والتفريغ لتستطيع توفير الأرز بأسعار تزيد على 7 جنيهات للمستهلك على البطاقة التموينية.

وتابع أنه كان يمكن للحكومة توفير احتياجاتها السنوية بأسعار لا تُجاوز الـ4 جنيهات للكيلو لتطرحه للمستهلك بأسعار معتدلة، لكنها تركت الفرصة الكاملة للمضاربين والمحتكرين بدلًا من أن تحرص على توازن السوق وتوفير السلع بأسعار معتدلة للمستهلك والتى هى وظيفتها الأولى، رغم أن تلك الكميات التى ستستوردها الحكومة حاليًّا لن تغطى حاجة المستهلكين ولن تخفض الأسعار بالأسواق ولكنها ستتيح عرض نوعيات من الأرز الرخيص والردىء على البطاقة التموينية، بينما كان يمكن توفير احتياجات الهيئة بنصف تلك الأسعار والحفاظ على موارد النقد الأجنبى وعدم السماح بشراء الإنتاج من المزارعين بأسعار بخسة.
وأوضح أن هذا راجع لنقص الخبرة بالأسواق وبأوضاع الاقتصاد، وسوء تصرُّف الحكومة أضرّ مصالح المنتجين والمستهلكين معًا، وهو ما يعد مثلًا صارخًا على سوء التصرف والتخبط فى اتخاذ القرار وعدم الرجوع للمتخصصين، وهى آفة مصرية للأسف يدفع المصريون دومًا ثمنها فادحًا، فما بين نقص الخبرة والفساد وممارسات المضاربين والمحتكرين الذين يفوقون التنفيذيين فى الخبرة بالأسواق وقدرتهم على بث الشائعات والتلاعب بالأسواق هى التى تتيح الفرصة لتكرار تلك الأخطاء التى نشاهدها سنويًّا بشكل شبه متكرر.

وقال الدكتور وليد جاب الله، الباحث والخبير الاقتصادى: بالنظر إلى اقتصادات زراعة وصناعة الأرز نجد أنه في ضوء المساحة التي حددتها الحكومة لزراعة الأرز والتي تزيد على مليون فدان، يمكن لهذه المساحة إنتاج نحو 5 ملايين طن أرز يمكنها تغطية الاحتياجات المحلية التي تُقدر بنحو 3،5 مليون طن، وتصدر باقي الكمية لتدخل عملات أجنبية للدولة، مضيفًا أنه مع ارتفاع أسعار الأرز المصري بالسوق العالمية، وارتفاع سعر الدولار اتجه التجار إلى تصدير الأرز المصري؛ لكون التصدير أكثر ربحية من السعر الذي حددته الحكومة لتوريد الأرز إليها، وكان ردّ الحكومة أن تدخلت لضبط التصدير، تارة بتحديد كمية محددة للتصدير، وتارة بفرض رسوم على التصدير، إلى أن أصدر مجلس الوزراء قرارًا بوقف تصدير الأرز في أغسطس الماضي وتقرير تسلُّم الحكومة للأرز الشعير اختياريًّا بسعر 2300 جنيه للطن الحبة الرفيعة، و2400 جنيه للطن الحبة العريضة.
وأضاف جاب الله أن حل الحكومة لم يكن كافيًا حيث تزايد نشاط مافيا تهريب الأرز للخارج وخاصة لليبيا وتركيا وبعض الدول العربية، ومن جهة أخرى حدث خلاف بين أصحاب المضارب الذين طالبوا برفع سعر توريد الأرز ليصل 6،50 جنيه للكيلو، ورفض وزارة التموين هذا السعر باعتبار ذلك السعر مبالَغًا فيه لإمكانية توريد الأرز المستورد بـ4،50 جنيه للكيلو، وكان الرد بأن الأرز الذى تقصده الوزارة وهو الأرز الهندي هو نوعية رديئة لا يقبلها المستهلك المصري، ولعل هذه المعركة نموذج مصغر لكيفية تحول السوق من الآليات الاشتراكية التي كان فيها توريد الأرز إجباريًّا، والسوق الحرة التي لا تجبر فيها الدولة المنتجين على التوريد، وإنما تستخدم أدوات جديدة للتأثير على السوق، ومن أهم هذه الأدوات توفير بديل أرخص مما يقدمه التاجر المحلي، ويمكن أن ننظر لتلك المعركة بحيادية لنقرر أنه لا يجوز ترك الحرية للمنتجين وأصحاب المضارب في إمكانية التوريد وتحديد السعر في ظل حصولهم على مزايا إنتاجية وطنية مثل استخدامهم أسمدة مدعمة واستهلاكهم كميات هائلة من المياه هي مِلك المصريين جميعًا، ومن ثم يجب أن يراعى ذلك عند تقييم منتجهم.
وتابع: أما أن تصل الأمور باستغلال عدم دراية المستهلكين البسطاء بطرق طهي الأرز الهندي المستورد والترويج بأنه غير صالح فإن ذلك أمر مردود عليه بأن هذا الأرز موجود ويستخدم في معظم الدول العربية ولا يواجه أي شكوى، مضيفًا أن الحديث عن استيراد 20 ألف طن من الأرز سيدفع التجار وأصحاب المضارب إلى خفض الأسعار، شريطة أن تكون مواصفات الأرز المستورد جيدة، وأن تتم توعية البسطاء بالطرق الخاصة بطهي ذلك النوع المختلف من الأز عما تعودوا عليه، ومن ثم يجب دعم الحكومة في مواجهة من يهربون الأرز ويخزنونه ويضغطون لرفع سعره على الشعب، ما دامت الكمية المستوردة في حدود ضبط السوق بصورة مؤقتة.