الثلاثاء 16 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

استقبال رمضان.. والحساب يوم الحساب!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
هكذا هى مصر دائمًا، وهكذا كان وسيظل شعبها الطيب الأمين، الذى تهيأ نفسيًا لأيام وليالى رمضان، وعلت الأصوات تغنى للشهر الكريم، لتستعيد ذكريات زمنٍ جميل، وانطلق آذان الفجر من كل مساجد المعمورة، معلنًا بدء شهر الصيام رغم ألاعيب اللئام.
وأيًا كانت الأحوال، تتحدى كل أسرة واقع الحال، فى بيوتٍ غاب عنها الأب أو الزوج الحبيب، وبيوتٍ عانى عائلها لتدبير القليل من التمر وليس الزبيب، وبيوتٍ توقفت عن «العزايم» سواء للبعيد أو القريب.
ولعله تنامى إلى علمك أو سمعت بنفسك تلك الصرخات التى أطلقها عديد من الرجال والنساء، عبر برامج «التوك شو»، وهم ينتظرون موائد الرحمن كملاذٍ أخير قد يضطر إليه كثيرون هذا العام، فى ظل غلاءٍ فاحش ووضعٍ متوحش، فإذا بأحد مشايخ الصوفية يخرج علينا بتخريجة يدعو فيها إلى إلغاء هذه الموائد، وتوجيه تكلفتها لصالح بناء وحدات سكنية للشباب والمساهمة فى تأسيس عش الزوجية للمقبلين منهم على الزواج، لكننا لم نسمعه ينصح المسئولين بخطة عاجلة تقضى على الفقر وسنينه، أو ينصحهم بالعمل وفق قاعدة «فقه الأولويات» الغائبة تمامًا عن ذهن مسئولينا بلا استثناء.
ولم يختلف شيخنا كثيرًا عن منهج رئيس الوزراء الذى أتحفنا بتصريح يقول فيه إن الحكومة اكتشفت ١٥ مليون اسم مكرر لمواطنين فى بطاقات التموين، لكنه صمت تمامًا ولم يتحدث عن طوابير الذل والهوان أمام مكاتب التموين، يبحث أصحابها عن حقهم الضائع والمهدور، فالمواطن يدوخ السبع دوخات، ويضيع من عمره شهور وسنوات، لكى يتمكن من إضافة أهل بيته على بطاقته أو لينقلهم من بطاقة إلى أخرى، كما صمت عن أولئك الذين يكتشفون فجأة توقف بطاقاتهم التموينية، وما يستتبعه ذلك من توقف صرف مخصصاتهم التى ينتظرونها بفارغ الصبر.
ولأننا فى مطلع شهر كريم، يلح على ذهنى سؤال تفرضه الضرورة: هل يقبل الله أعمال أولئك الذين يدسون السم فى العسل، عبر تصريحات يوزعون من خلالها أملًا كاذبًا، وينثرون فى طريق الناس ورودًا ورياحين وهمية؟ وهل يغفر الله لأولئك الذين يتغزلون فى البسطاء واهتمامهم بالبسطاء، بينما لا يكتوى من سياساتهم إلا البسطاء؟
وهل يكون الرسول الكريم شفيعًا للمنافقين والطبالين والزمارين و«كدابين الزفة» فى كل عهد وفى أى زمان؟! وكيف يكون الحساب يوم الحساب لمن يتلونون ويطوعون كلماتهم ويبدلونها حسب هوى الأجواء الحاكمة، وهل سيمر بسلام من على الصراط المستقيم، الذين كانوا يداهنون وزراء مبارك ويصبون جام غضبهم على كل معارضٍ شريف، ثم انقلب حالهم وتغير قلمهم بعد ٢٥ يناير، فتوددوا للمعارضين وتنكروا للحاكمين وتغزلوا فى شباب ٢٥، حتى أجريت الانتخابات الرئاسية، فقرروا تحويل الدفة نحو جماعة الإخوان، وتفاخر بعضهم بنشر أول حوار مع سعد الكتاتنى رئيس برلمان الجماعة.. وفجأة يا ولداه كانت ٣٠ يونيه، ليبدأ هؤلاء هجومًا كاسحًا على الإخوان واليوم «اللى جاب الإخوان»، وتوهم بعضهم أنه بذلك «يغسل عاره»، لكنه ينسى أن الناس لا تنسى، ولو طال الزمان، ليظل السؤال قائمًا: كيف يكون حساب هؤلاء؟
إنه بالفعل سؤال يشغل بالى المشغول بأمور لها العجب، وتستحق أن نعتبرها من «المضحكات المبكيات»، ولعل أشهرها حكاية «عم حمام» ومشكلات قرية المراشدة، التى طرحها فى مؤتمر قنا.. و«هوب» فجأة أصبح حديث الإعلام، وبسرعة عايزين حوار مع عم حمام، وبسرعة برضه «هاتوه» على مدينة الإنتاج الإعلامى، و«زوم» بالعدسات، وشوية حوارات فى قنوات عدة، وتباهى كثيرون بفصاحة عم حمام، وهو بالفعل فصيح، لكن أحدًا لم يسأله، أو للدقة، لم يجرؤ أن يسأله: لماذا لم يستخدم فصاحته عندما كان عضوًا لامعًا فى المجلس المحلى عن حزب أحمد عز وجمال مبارك، كما أن أحدًا لم يستطع أن يقول إن الفائدة الأساسية لفصاحة عم حمام تكمن فى كونها كاشفة لحقيقة تعترف بأن معاناة الناس نتيجة طبيعية لعصر مبارك ومجالسه المحلية وبرلماناته كمان. 
وما حدث مع عم حمام، قد يهون لو قارناه مع ما جرى، عندما أعلن الرئيس السيسى قراره باسترداد أراضى الدولة، قبل نهاية الشهر الجارى.. فجأة، انتفض الجميع.. كل الذين كانوا نيامًا، يعملون بالحكمة القائلة: «لا أسمع، لا أرى، لا أتكلم»، فك الله عقدة لسانهم وانطلقوا يتحدثون عن أراضٍ، كانت فيما يبدو تائهة، فلا تدرى هل كانوا قبل توجيهات السيسى، «شاربين حاجة صفرا»، أو أن هذه الأراضى كانت «لابسة طاقية الإخفا»، ومحدش كان شايفها؟!
فجأة، آه واللهِ، كلهم يتحركون بعد أن طار النوم من «عينيهم».. يواصلون الليل بالنهار، يفتشون ويبحثون ويستردون أراضٍ كانت أمام أعينهم قبل الزمان بزمان، لكن ماذا تقول لهذا الزمان؟!.. حتى مولانا جمعة خطب فينا، وقال قولًا حاسمًا: «استرداد أراضى الدولة فريضة واجبة».
سبحان الله يا أخى.. جعلتمونا ننزلق فى حديث، قد يعتبره البعض خارج سياق شهر الصيام، وقد يعتبره آخرون نميمة تفسد الصيام، وقد يأتى على هوى آخرين، خاصةً أولئك الذين تشغلهم همومهم، وقد غلبهم التفكير، وهم يحاولون التدبير، فى انتظار انطلاق مدفع الإفطار.. وكل عام وأنتم بخير.. وسلامًا على الصابرين.