السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

حلف "أمريكي - إقليمي" جديد ضد إيران

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
تشاركت وسائل إعلام أجنبية وعربية فى بث تحقيقات ونشر استطلاعات تتلخّص بأن العالم العربى يعلّق آمالًا كبيرة على زيارة الرئيس دونالد ترامب للمملكة العربية السعودية، بما تعنيه من إحياء لعلاقة تاريخية، ومن تقارب وتفاهم واستعداد للتعاون فى مواجهة مخاطر وتهديدات يستشعرها أهل المنطقة، خليجًا وشرقَ أوسط ومغربًا. 
وقد أسهم البرنامج المبتكر للزيارة فى صنع حدث غير مسبوق، مُظهرًا الأبعاد السياسية والاقتصادية وحتى الثقافية و«التويترية/ التغريدية»، التى تفيد بنيّة مشتركة لتأسيس تحوّل عميق، ليس فقط فى المفاهيم التى قامت عليها العلاقة الثنائية، الأمريكية - السعودية، بل أيضًا فى علاقة الولايات المتحدة والمنطقة العربية. فلا أحدَ يجهل أهمية المصالح ودورها لكن كل أحدٍ كان ولا يزال يسأل: لماذا تتحوّل علاقة المصالح بين أمريكا والكثير من الدول إلى تحالفات وصداقات راسخة فيما تبقى مجرّد روابط هشّة مع العرب رغم اعتدالهم الذى تمثّل بقبول وجود إسرائيل والتخلّى الرسمى عن خيار محاربتها منذ عهد جورج الأب، وكذلك بعدم التشويش على المفاوضات النووية والاتفاق الذى أفضت إليه فى عهد باراك أوباما. كان التطلّع إلى سياسة أمريكية إيجابية رهانًا عربيًا دائمًا، لكنه لم يحقّق سوى نجاحات ثنائية ومحدودة، غالبًا ما كانت واشنطن توظّفها فى إستراتيجيتها من دون أن تعمّم نجاحها عربيًا وإقليميًا. الجديد هذه المرّة أن الجانبين يبديان إرادةً لبناء رؤية إستراتيجية شاملة. كان أوباما وجد فى بداية عهده أن ثمة ضرورة لمخاطبة المسلمين والعرب فقصد تركيا ثم مصر، ورغم أنه لم يأتِ من خلفية معادية إلا أن التطبيق العملى لأفكاره أدّى إلى نتائج عكسية إسرائيليًا وإيرانيًا، وتعرّض العرب لأضرار فادحة من سياساته داخليًا وإقليميًا. والأهم أنه ارتكب أخطاء كثيرة وتركها بلا معالجة، فيما كان يشق الطريق لانسحابٍ أمريكى من المنطقة. لذلك كانت مسّت الحاجة إلى فتح صفحة جديدة مع أى إدارة أيًّا يكن رئيسها.
لم تكن خلفية ترامب ومواقفه مشجّعة، إلا أن وجود شخصيات خبيرة بالمنطقة فى إدارته وشروعها فى العمل سرعان ما أوضحا الصورة: لا يمكن أن تتعاطى أمريكا مع مخاطر الإرهاب أو مع التهديدات الإيرانية كما لو أنها تعنى العرب وحدهم، أمريكا معنية بمواجهتها أيضًا وبشكل مباشر، ولا بدّ لها من شركاء، وهم موجودون، السعودية ومصر والإمارات والأردن، موثوقون، ويمكن التعويل عليهم، ولأجل ذلك لا بدّ من إشعارهم بأنهم يمكنهم بدورهم أن يعوّلوا على أمريكا. لكن وجبت أيضًا إعادة بناء الثقة مع هؤلاء الشركاء، فلكلٍّ منهم ما يمكن أن يسهم به. وهكذا تحوّلت زيارات العاهل الأردنى وولى ولى العهد السعودى والرئيس المصرى وولى عهد أبوظبى إلى ورشة عمل أمريكية - عربية فى العمق. وكان واضحًا منذ محادثات ترامب مع الأمير محمد بن سلمان أن تقدّمًا مهمًا قد أحرز، فالرياض التى صمّمت على إحداث اختراق مهما كانت المتطلّبات والأكلاف التقت مع واشنطن التى كانت تبحث عن سلّة متكاملة لتحسم أولوياتها وخياراتها.
تلك الورشة هى التى مهّدت للقمم التى شهدتها الرياض وكرّست وضعًا جديدًا يرقى إلى شراكة استراتيجية تجسّدها الاتفاقات العسكرية والأمنية والاقتصادية وتكون الدول العربية والإسلامية شاهدة على ولادتها. وإذ حرص الرئيس الأمريكى فى مختلف اللقاءات على إبداء موقف عقلانى ومعتدل حيال الإسلام والمسلمين؛ فقد اقترح عليه وليّ وليّ العهد السعودى أن يزور الرياض ويخاطب قمة تدعو إليها السعودية زعماء العرب والمسلمين، فى ما يشبه التنقيح لما حاوله أوباما (يونيو ٢٠٠٩)، حين وجّه خطابه من جامعة القاهرة. وهكذا شُقّ الطريق إلى الحدث التاريخى فى الرياض، ليس بهدف «العلاقات العامة» وإنما لتدشين تحوّل سياسى - دفاعى مهمّ على الصعيدَين الدولى والإقليمى.
تزامنت لحظة بدء القمة الأمريكية - السعودية مع إعلان طهران فوز حسن روحانى بالرئاسة، ورغم الإدراك العام بأن شخصية الرئيس الإيرانى المنتخب لا ترجّح وحدها احتمال التغيير فى السياسة، إلا أن طهران توجد اليوم أمام حقيقتَين لا يمكن إنكارهما: الأولى داخلية، وهى أن الناخبين الإيرانيين ذهبوا عكس ما فضّله المرشد و«الحرس الثوري»، والثانية خارجية، وهى أن تحالفًا ولد لتوّه فى الرياض وأحد أهدافه وضع حدٍّ للتمادى الإيرانى فى المنطقة. ولعل الحقيقتَين متداخلتان فى مؤدّييهما، فشعب إيران مثل جميع شعوب المنطقة، يريد الخلاص من سياسة تنتج الإرهاب والميليشيات. إذًا، مرحلة جديدة، ولا جدوى فيها من شعارات التحدّى والممانعة.
نقلا عن الاتحاد الإماراتية