الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة القبطية

جاد الله نجيب يكتب : احتجاجات مارتن لوثر، وتقويض السلطة الدينية

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
احتجاجات مارتن لوثر، وتقويض السلطة الدينية
لم تنجح محاولة الكاردينال كاجيتان، ولا حتى محاولة مندوب البابا "ميلتيتز"، في التاثير على لوثر في تغيير رأيه والتراجع عن موقفه. فابتدأت الحرب ضد لوثر بتغيير الاستراتيجية، وهي الحوار بين فون إك". وكتب لوثر تقريرًا عن المقابلات نُشر في أرجاء ألمانيا، بل وأرسل خطابًا إلى الدوق جورج مطالبًا بالإصلاح قائلاً: "يجب القيام بإصلاح ديني عام للطبقات الروحية والزمنية"، ويبدو أن هذه هي المرة الأولى التي استخدم فيها لوثر كلمة "إصلاح" التي أضفت على ثورته اسمها التاريخي. 
كانت محاولات البابا ليون العاشر كثيرة في تهدئة الأجواء الملتهبة نتيجة احتجاجات لوثر، والغليان الذي كان يسري تحت السطح، سواء من العامة أو الكثير من طبقة النبلاء. وتلك المحاولات كانت من خلال النشرات مثل ما حدث في التاسع من نوفمبرعام، 1518 حيث أنكر فيها كثيرًا من المزاعم المتطرفة التي نسبت إلى صكوك الغفران، معلنًا أنها لا تمحو الآثام أو الذنوب فقط، لكنها تعفي أيضًا من العقوبات الدنيوية التي فرضتها الكنيسة. كما أنه كلف الكثيرين لمقابلة لوثر لكي يتراجع عن معتقداته كما سبقنا الشرح عاليه. 
بالإضافة إلى محاولة جديدة باستراتيجية مختلفة، من "جين إك Jean Eck" الذي أصدر كتيبًا في مارس عام 1518م اتهم فيه لوثر بنشر "السم البوهيمي" أي هرطقات هس، وتقويض نظام الأكليروس بأسره. و للوصول إلى لوثر، شن هجومًا عقائديًا عنيفًا ضد الدكتور كارلستادت" Carlstadt" ، وهو أستاذ في جامعة فيتمبرج وصديقًا حميمًا للوثر، والهدف منها أن يسحب مارتن لوثر إلى المناقشة معه. وقد تحدد ميعاد وهو 4 يونية 1520، ومكان الاجتماع كان جامعة (ليبتسِغ Leipzig)، لمناظرة مفتوحة بين إك والدكتور كارلستادت. حضر المناظرة عدد كبير من وافدين لمدينة ليبيزج لحضور المناظرة، بالإضافة إلى أساتذة وطلبة من جامعة فيتمبرج. 
قدم عميد جامعة "ليبتسغ" خطابًا، تلاه مباشرة الحوار كان موضوعه حرية الإرادة، ثم بعدها التعيين السابق، عصمة الكتاب المقدس. وابتدأ من 22 وحتى 29 يونية 1519م. أما في يوم 4 يوليو كانت جرى الحوار بين إك ومارتن لوثر، على مدار خمسة أيام، حيث شكك "لوثر" بالسلطة البابوية وبعصمة المجامع الكنسية، مُشددًا على أولوية الكتاب المقدّس. خرج "لوثر" من هذه المناظرة أكثر تيقنًا من معتقداته، وتصميمًا على المجاهرة بها. ويعتبر هذه المناظرة نقطة من النقاط التي وسعت الفجوة بين الفريقين. وقد أصبح لوثر في موقف لا يحسد عليه، فقد أنكر عصمة البابا وعصمة المجامع. 
ربما يكون لوثر قد خسر مساجلة "ليبتسغ"، لكنه ربح شعبية ودعمًا قوميًا على نطاق واسع. وكان اسمه على كل لسان، وكل ما كان يكتبه طبع وبيع على الفور. فإن السامعين أحسوا أن لوثر كان قويًا في حجته عميقًا في تفكيره جديدًا في أسلوبه روحيًا في كلامه. وفي نهاية الأمر وجه لوثر أنظار السامعين إلى الأساس الثابت القوي المتين وهو الكتاب المقدس، الكتاب الوحيد المعصوم الذي يجب أن يرجع إليه المؤمن لأنه كلمة الله.
واعتبر إك حوار "ليبتسغ" نجاحًا شخصيًا وعظيمًا وزف الخبر للبابا. وبذلك، تكونت لجنة جديدة للحكم على لوثر ضمت كل من أكوليتي (Accolite)) وكاجتان (Cajetane) وإك (Eck). وكُلف "إك" بإكمال قائمة أخطاء لوثر. وفي يوم 15 أغسطس 1520 أصدر البابا مرسومًا يقضي بالطرد والحرمان الكنسي للوثر في حال عدم تراجعه عن 41 جملة مأخوذة من كتاباته، والاعتراف بأخطائه، وأعطي لوثر مهلة ستين يومًا للرجوع عن كلامة وتوجهاته. ولقد مُنح "إك" سلطانًا مطلقًا لتنفيذ هذا القرار وتطبيق الحرمان على كل من يعترض على تنفيذه. ويعتقد كثيرون من الباحثين في حركة الإصلاح أن إقدام البابا ليو على أخذ مثل ذلك القرار كان عملاً منافيا للمنطق. لو حصل شيء من هذا القبيل قبل ذلك بخمسين سنة لكان الوضع مختلفًا تمامًا. وأما الآن فلا البابا ولا الملوك كانوا مطلعين بدقة على حالة الجمهور الفكرية في ألمانيا. ولا على ما تقوم به الطباعة في أوروبا. 
نُشر قرار الحرمان في يوم 23 من نفس الشهر في أغسطس وأصبح نافذ المفعول في أكتوبر. وأرسل مندوبو لنشر المرسوم في كل أوروبا، إلا أن المعارضة كانت متزايدة، خاصة في المناطق الألمانية. وعرضوا المنشور على أمير سكسونيا فريدريك الذي طلب مشورة ارازموس. وقد اعتقد ارازموس أن جريمة لوثر تتضمن " المساس بتاج البابا ومعدة الرهبان" عندها قرر فريدرك رفض اي عمل ضد لوثر، واجتهد بحنكته السياسة حماية لوثر. 
وعلى الرغم من إدانة "لوثر" من قِبَل الكنيسة، إلا أنه أُعطي له حق الدفاع عن نفسه أمام محكمة "ورمس" في نيسان 1521. 
وقد كان نص الحرمان كلآتي: 
1- أن يعلن لوثر خطأ تعليمه في غضون شهرين من استلام هذا الحرمان.
2- أن يمتنع عن الوعظ والتعليم والكتابة والنشر.
3- أن يحرق كتبه التي كتبها.
فعندما أمر البابا بتهديد لوثر بالحرمان استغل بعض الأساقفة هذا الأمر أسوأ استغلال وقاموا بحرق كتب لوثر في بعض المدن، كما أن لوثر قام بحرق ثلاثة مجلدات من القانون الكنسيي وبعض كتابات فلاسفة القرون الوسطى، وأيضًا منشور البابا الذي كان يهدده بالحرمان . وهذا الصراع وضع ألمانيا في موقف خطير، فكان كل من الطرفين يحاول أن يسيطر على الموقف. 
بعد انتهاء الحوار اللآهوتي الذي استمر أكثر من أسبوعين في ليبتسغ بين لوثر وإك، وبعد انتخاب الإمبراطور الجديد شارل الخامس، أعلن لوثر نهاية عهد التسامح وأعلن قائلاً: "انتهى وقت الصمت" وكان حتى هذا الوقت كان يكتب باللغة اللآتينية مخاطبًا الطبقات المستنيرة، أما الآن فإنه يكتب باللغة الألمانية - كوطني ألماني - خطابًا مفتوحًا إلى أشراف الأمة الألمانية المسيحية بشأن إصلاح طبقة رجال الأكليروس. 
من المبادئ التي تبناها لوثر وكان ينشرها بين النبلاء والعامة هي :
 إن الله هو الذي يغفر الخطايا. وإن الإنسان لا يستطيع أن يشتري الغفران وخلاص نفسه بمبالغ معينة من المال. وأن الأعمال الصالحة لازمة، ولكنها لا تخلص الإنسان. وهي ثمرة الإيمان.
 إن الكتاب المقدس هو دستور حياتنا وهو فوق تقاليد الكنيسة. إننا نقبل التقاليد إذا كانت لا تتعارض مع ما يعلمه الكتاب المقدس.
 إن الأسرار المقدسة إثنان وليس سبعة، لأن المسيح لم يرسم إلا فريضتين مقدسين هما المعمودية والعشاء الرباني.
 دعا لوثر الرهبان والراهبات والكهنة إلى الزواج إذ شاءوا ذلك. أما من أراد أن يبقى عازبا فإن حرية الخيار متروكة له وراجعة إلى ضميره.
كتابات لوثر 
وجد لوثر أن الوقت قد حان ليكتب للعامة للتنوير والمعرفة عن الواقع في داخل الكنيسة وعن موقع المؤمنين، فقد طبع ثلاث نبذات مهمة للغاية، في نفس عام 1520. 
 النبذه الأولى "خطابًا للنبلاء المسيحيين في الأمة الألمانية"، ولقد كتبه لوثر باللغة الألمانية لغة الشعب وتخاطفه القراء حال ظهوره. يدعوهم فيه إلى إصلاح الكنيسة والمجتمع، الأمر الذي عجزت البابوية عن إتمامه. كتب لإستنارة الشعب الألماني وتوعيتهم بما يدور من حولهم. وحثهم على أن يضعوا حدًا للاستغلال المالي والإتجار بالمصالح الدينية من قبل رجال الدين. الاسم، اللقب، السلطة، علامات الملكية، هذه كلها نملكها: القوة، السلطة، الحقوق، الحرية، كل هذه تحولت إلى البابوات، فليتوقف الشعب الألماني المجيد عن أن يكونوا " أرجوازات، للحبر الأعظم الروماني. ويستعمل لوثر في هذه النبذه لهجة وطنية مناشدًا الشعب أن ينفض عن كاهله التدخل الأجنبي في شئون الأمة الألمانية، وأن يحمل بنفسة المسئولية في قيادة الأمة والكنيسة. 
 النبذة الثانية دعاها "الكنيسة في السبي البابلي" كانت هذه النبذه موجهة إلى جماعة العلماء اللآهوتيين وإلى المثقفين ولذلك فقد كتبه باللغة اللآتينية. ، مؤكدًا فيه على أن السيد المسيح لم يؤسس إلا فرضتي المعمودية والعشاء الرباني. ورفض الخمس أسرار الأخرى التي أقرتها الكنيسة من قبل. لم يقبل لوثر من الفرائض السبع التي عملت بها الكنيسة إلا اثنتين: وهما الافخارستيا أو عشاء الرباني، والمعمودية. كما أنه سمح بقبول فريضة التوبة كفريضة مهمة.
ومن جهة فريضة العشاء الرباني، فقد كان لوثر متمسكًا في اعتقاده، بحضور المسيح فعليًا وحقيقيًا في الخبز والخمر، بدرجة تفوق عقيدة كثيرين من الكاثوليك في الوقت الحاضر. إذ أنه علم بطريقة واضحة وصريحة أن الخبز والخمر يحملان فيهما حقيقة وفعلاً وليس بطريقة رمزية أو استعارية جسد ودم يسوع المسيح. إلا أنه رفض كليًا وجزئيًا عقيدة التحول، بل أنه اعتقد أن الخبز والخمر يظلان كما هما بدون تغيير أو تحوّل والمسيح يحل فيهما. فهذه العملية تشبه عملية التجسد فإن اللآهوت لم يلاش الناسوت عندما حل فيه لكن حل كل ملء اللآهوت في الناسوت واحتفظ كل منهما بطبيعته.
وقد علم لوثر، بأننا لا نشترك في العشاء الرباني لأنه يمنحنا الخلاص ويعطي لنا الحياة الأبدية بل إننا نشترك في العشاء الرباني إذ أن يسوع المسيح هو نفسه الذي يستطيع بروحه القدوس أن يعمل في الإنسان وأن يقوده إلى الخلاص. الأمر الذي أدى إلى تصنيف "لوثر"على أنه هرطوقي. 
 أما النبذه الثالثة، فقد كانت بتشجيع من " ميليتزMilitiz" الذي حاول أن يصالحه على البابا، بأن يكتب هذه النبذه ومعها خطاب شخصي. وقد كتبها باللغة الألمانية واللآتينية ويشرح فيها لوثر، أن المسيحي إنسان حر وسيد لكل الأشياء. فالإيمان بالمسيح يحرر الإنسان بل يجعله ملكًا. ويحرر المسيحي من الشريعة ويجعله متأهبًا لخدمة الآخرين. وكانت رسالة تتنفس السلام والفهم، وتكشف الجانب الإنساني المحب عند لوثر. 
أحرزت تلك النبذات الثلاث نجاحًا ساحقًا وسريعًا. استطاع لوثر أن ينشر الوعي، بل احدث حراك شعبي غير مسبوق، وتعاطف واسع الانتشار. فقد قال أحد مندوبي البابا إلى روما " تتكون ألمانيا من تسعة أعشار تقريبًا من ثائرين وهراطقة لوثريين." 
انتخب الدايت (مجلس الأمة) في يوليو 1519 امبروطورًا لألمانيا خلفًا لمكسميليان، شارل الخامس حفيد شارل الأول ملك أسبانيا وكان صغير السن لا يتجاوز العشرين من عمره. وقد شعر شارل بثقل المسؤولية على كتفيه، فهو قليل الخبرة وأمامه إمبراطورية ضخمة تعاني من مشاكل سياسية ودينية وطبقية وثقافية.
كانت القضية الراهنة وتؤرق الإمبراطورية والكنيسة هي قضية مارتن لوثر. فالكنيسة وعلى رأسها البابا والأساقفة وبعض المنتخبين يعلنون يطالبون بمحاكمة لوثر في روما، وأما فريدرك أمير ساكسونيا، يطالب بأن يحاكم لوثر محاكمة قانونية في محكمة ألمانية. وقد كان الأمير فريدرك رجلاً حكيمًا نزيها ويتمتع بفي مجلس الأمة، بسمعة طيبة وبسلطان لا يتنافس. وقد وقف هذا الرجل بكل ثقله السياسي والديني والأدبي والمالي في جانب لوثر. ولذا فقد كان الإمبراطور الصغير في موقف سياسي وديني لا يحسد عليه!
وكان الملك فريدرك يخاف كل الخوف ان يسلم لوثر إلى السلطات الرومانية ليحاكم في روما ولذلك عرض على الإمبراطور مشروع محاكمته في ألمانيا. ولابد ان الأمير الذي حنكته السنوات وصاغته وصقلته التجارب السياسية والكثيرة ساق البراهين الكافية حتى يقبل الإمبراطور ان يحاكم لوثر امام مجلس الأمة. ويعتقد بعض المؤرخين أن الأمير فريدرك قد اقنع الإمبراطور الشاب أن محاكمة لوثر في محكمة ألمانية أمام مجلس الأمة في حضور كوكبة سياسية يستطيع أن يبرهن بها على استقلاله عن سلطة روما وسيطرتها وخاصة أن الظروف السياسية كانت تمر بها البلاد كانت تحتاج إلى حكمة سياسية حتى يشعر المواطنون بضرورة التخلص من السلطة الرومانية ومنعها من التدخل في الشؤون الألمانية الداخلية. 
أرسل الإمبراطور إلى لوثر دعوة لحضور مجلس وورمس معنونة هكذا : "من شارلس بنعمة الله إمبراطور الرومانيين المنتخب... إلى المحبوب المكرّم التقي الدكتور مارتن لوثر... نحن نعقد الآن اجتماعًا من جميع نواب الإمبراطورية المقدسة للنظر في مسألتكم المتعلقة بالكتب التي نشرتموها أخيرًا، ونحن نقصد بذلك وضع الأمور في نصابها وتسيير المسائل في مجاريها حتى نضمن سلامة الإمبراطورية. ورغبتنا الصادقة أنه حال وصول هذا المكتوب إليكم تسارعون بالحضور قبل موعد الاجتماع التالي بعد واحد وعشرين يومًا، لا تخش ظلمًا أو عدوانًا، فستكون في أمان ونحن نضمن هذا. ونأمل أن تلبي الدعوة." صدر في المدينة الوقوره وورمس في 6 مارس عام 1521. شارلس
لقد سيطر الخوف على معظم أصدقاء لوثر في ويتمبرج. ولما علم أصدقاء لوثر في كل مكان بخبر ذهابه للمحاكمة تذكر الجميع قصة يوحنا هس وذهابه للمحاكمة في تنستانس وكيف أنه حكم عليه بالموت حرقًا، بالرغم من ضمان الأمان الذي سلمه له الإمبراطور سيجموند.
محاكمة لوثر
كان منشور الحرمان الذي وقعة البابا على لوثر في يناير 1521، يقتضي التخلص منه بحرقه، وكان على الإمبراطور أن ينفذ الحكم ويحرقه. إلا أن شارل الخامس لم يكن قادرًا على مقاومة الأمراء الألمان الذين كانوا يؤيدون لوثر. بدعم من الشعب ومن المفكرين. فقد وجدوا في لوثر رجلاً قديسًا يذهب ضحية عمل ظالم. 
وصل لوثر إلى مدينة ورمس في يوم 16 أبريل، واصطحبه ثلاثة من رفاق. وكان العالم ينتظر متلهفًا ما يسفر عنه الاجتماع. وأما اجتماع الأمة والسماع للوثر كان اليوم التالي مباشرة الساعة السادسة مساءًا. في تمام الساعة السادسة، فُتحت الأبواب إلى قاعة الإجتماعات ، اضطرب لوثر قليلاً لما تصور أنه توصل أنه سيقف أمام أعظم محكمة في العالم. لكنه كان بحق شجاعًا. فقد وجد نفسه أمام صفوة القوم وأكبر وأعظم وأقوى هيئة حاكمة متسلطة في ذلك الوقت. فقد كان الأمبراطور شارل الخامس ورئيس الأمراء وستة من الملوك المنتخبين وأربعة وعشرين دوقًا... وثمانية من الشرفاء وثلاثين من رؤساء الأساقفة ورؤساء الأديرة وسبعة من السفراء: منهم سفير ملك فرنسا- وسفير إنجلترا ونواب عشر مدن حرة وعدد آخر من الأمراء والشيوخ والبارونات العظماء ومندوبي البابا. وقد بلغ عددهم مئتين وأربعة شخصًا. 
كيف بدأ التحقيق؟
في موقف مهيب، حيث وقف مارتن لوثر أمام عرش شارل الخامس، وجو ساده الصمت. جاء كلمات مدية قطعت لحظات السكون، وبلغة لآتينية، وتكررت بلغة ألمانية من "إك" يقول:"يا مارتن لوثر، أن جلالة الأمبراطور المقدس الذي له الجبروت والسلطان قد أحضرك أمام عرشه بحسب مشورة رأي حكام الإمبراطورية الرومانية المقدسة لكي تجيب على هذين السؤالين: هل تعترف بأنك أنت الذي ألفت هذه الكتب؟ مشيرًا إلى ناحية المائد وعليها نحو عشرين كتابًا. وهل أنت على استعداد أن تتراجع عمّا كتبته، أم أنك مصر على التمسك بها؟". وقبل أن يفتح لوثر فاه لكي يجيب على السؤال الأول طلب ألياندر جيروم شورف، وهو المستشار القانوني، بأن تُقرأ على الأقل عناوين الكتب المشار إليها. فقرئت العناوين، وأجاب لوثر بأنه كاتب هذه الكتب التي قرئت عناوينها وكتب أخرى أيضًا لم تذكر. فكرر "إك" السؤال: "هل أنت مستعد أن تتراجع عما كتبته في هذه الكتب؟" فاجاب لوثر بأن هذا الأمر في غاية الخطورة ويحتاج إلى وقت للتفكير. ووجه لوثر كلامه إلى الإمبراطور قائلاً: "ألتمس من جلالتكم أن تمنحوني وقتًا للتأمل والتفكير" وبعد الاستشارة منحة الإمبراطور يومًا للتفكير. 
عاد لوثر إلى مكان إقامتة، وكان الليل طويلاً وقاسيًا مرًا، والصراع في الصلاة عنيفًا. لكنه في نهاية صراعة مع الله شعر بسلام تام يملأ قلبه ويغمر فؤاده. 
رجع لوثر في اليوم التالي وهو يوم 18 أبريل، ليمثل أمام المجمع. ثم قدم له "إك" السؤال ثانية قائلاً: "هل أنت مستعد بأن تتراجع عما في هذه الكتب التي قرئت عناوينها على مسمعك البارحة؟ فبدأ لوثر يخاطب الإمبراطور بالآتينية حيث أنه لم يكن يعرف الألمانية، مستعملًا كل عبارات الخضوع والتواضع، معتذرًا لهم عن جهله بالألقاب لأنه لم يتربّ في بيوت الملوك والعظماء بل في عائلة فقيرة وفي دير للرهبان، ثم استطرد كلامه قائلاً : أما فيما يختص بهذه الكتب التي ألفتها فهي تنقسم إلى ثلاثة أنواع:
1. النوع الأول: يبحث في الإيمان والأخلاق، ولقد قبلها الكثيرون لا من أصدقائي بل حتى من الذين يختلفون معي في الرأي فكيف يمكنني أن أنكر كتبًا أعترف بفائدتها العدو والصديق؟
2. النوع الثاني: هي الكتب التي هاجمت فيها البابوية والبابويين الذين أفسدوا المسيحية، ويعزبون الضمائر ويلتهمون موار شعبنا، وأن الكثيرين شهود لذلك بل ضحية لهم. فإن تراجعت عن هذه الكتب يعني إنني أشجع الظلم والطغيان وأوافق على استمراره. 
3. النوع الثالث: كتب موجهة ضد اشخاص يدافعون عن الطغيان الروماني ويريدون إسقاط ما أعلمة في الإيمان. وأنا اعترف بأني كنت شديدًا في أسلوبي قاسيًا في نقدي، فأرجوا معذرتي وأعتقد أني كنت أدافع عن عقيدة هامة. وعندما أدافع عن العقيدة فإنني لا أدافع عن نفسي بل عن الحق الإلهي. وأضاف لوثر انه مستعد للرجوع عن كلامه، إن تم إقناعه بأضاليله، استنادًا ألى كلمة الله. 
لم يكن جوابه واضح بما فيه الكفاية لدى "إك"، فطالبه بتحديد موقفه ما إذا سيرجع عن كلامه أم لا. 
فصرّح لوثر بصوت واضح وطريقة حاسمة قائلاً: "مالم أقتنع بشهادة الكتاب المقدس او بسبب واضح أو، فأنا ملتزم بالنصوص المقدسة التي اقتبستها وبما يمليه عليّ ضميري، فضميري أسير لكلمة الله لأني لا أثق فـي البـابا أو المجالس وحدها، فهؤلاء غالبًا ما يخطئون ويناقضـون أنفسهم. أنا لا أستطيع ولن أستطيع أن أرجع عن أي شيء، لأنه ليس صحيحًا ولا صدقًا أن يخالف الإنسان ضميره، أنا لا أستطيع أن أفعل غير ذلك." وكان شديد التاثر ، حتى أنه تخلى فجأة عن اللآتينية وصاح في بلغته الأم، " لا أستطيع أن أتراجع عمّا كَتَبت، فضميري أسيرُ كلمة الله. هنا أقِف، وليُعينَني الله. أمين" 
منشور " وورمس" وحياة لوثر
كانت مدينة وورمس ثائرة تغلي بين مؤيد ومعارض لقرار الإمبراطور، وأضحت حياة لوثر في خطر كبير بعد أن حرمه البابا، وأعلنه الإمبراطور خارجًا على القانون. أي أنه في استطاعة أي أحد أن يوقفه ويقتله، فور انتهاء مدة السماح له بالتنقل الإمبراطوري الذي يحمية نحو عشرين يومًا. 
أعد الكاردينال مرسومًا ملكيًا بحرمان مارتن لوثر ونصه كالآتي: " يجب أن يعتبر مارتن لوثر كل منا ومنكم ومن كل واحد، عضوًا مقطوعًا من الكنيسة ومن الله، ومنشقًا عنيدًا وهرطوقًا مجاهرًا." واعتبر الإمبراطور وكل اتباعه أن أي مساعدة أية مواساة للوثر تعتبر خيانه ضد الإمبراطور وبالمثل تجديفصا ضد الكنيسة. 
لوثر يُخطف إلى وارتبورج “Wartburg” 
كان مارتن لوثر تحت طائلة الإعدام، ومن يستطيع أن يمد يد العون له، إلا أن فريدريك الحكيم، أمير سكسونيا، قرر أن يضع لوثر في أمان. فأمر بخطفه وهو في طريق العودة إلى " ويتنبورج"، والذهاب به سرًا إلى قصر " وارتبورج". 
ترك لوثر مدينة وورمس عائدًا إلى فيتمبرج، ولكنه لم يصل إليها. ففي الطريق. وبالتحديد بالقرب من التنستاين في منطقة "تورنج "هجمت عليه ومن معه جماعة مكونة من خمسة فرسان، وقبضوا عليه ووضعوه على فرس واختفوا به في الغابات الكثيفة الضخمة، وعندما رجع بتزنستانير وامسدورن ويعقوب اخو لوثر وسائق العربة انتشر خبر اختفاء لوثر بسرعة البرق. وبكاه كثيرون بكاء مرًا. 
كتب الرسام "ألبرت دورر" في مذكراته اليومية قائلاً: "إن مات لوثر، فمن الذي يحسن أن يفسّر لنا الإنجيل بها الوضوح؟ ما أكثر ما كان قد كتبه، لو عاش أيضًا عشر سنوات أو عشرين سنة!" 
قطع الفرسان مسافة طويلة في وسط الغابات المظلمة الكثيفة حتى وصلوا إلى قلعة حصينة شامخة. وقبل أن يقرعوا الباب، فتحت أبواب هذه القلعة ودخل الفرسان ولوثر. فقادوه إلى شقة صغيرة تحتوي على حجرتين. وهناك قال له واحد من الفرسان، مرحبًا بك أيها الفرس جورج في هذه القلعة، فمن الآن اسمك جورج ومن الآن أيضًا ممنوع الخروج من هذا المكان إلا بعد أن تطول لحيتك وينبت شعر رأسك المحلوق مستديرًا ثم أعطى له ملابس فارس وسلسلة ذهبية التي كان يلبسها الفرسان في ذلك العصر. وخلع الراهب ثياب الرهبان ولبس ملابس الفرسان، وتركوه وحيدًا، وقضى في هذه القلعة عشرة شهور كاملة. 
لم تكن فترة العزلة فترة خمول واسترخاء، بل شهدت الشقة الصغيرة عملًا عظيمًا. فلم يذق قلم لوثر طعم الراحة وكان قلمًا مسنونًا دائمًا. بل كانت المدة التي قضاها لوثر في "وارتبرج" من أكثر الفترات إبداعًا وإنتاجًا في حياته، فهو كان مترجمًا موهوبًا وكاتبًا بارعًا على حد سواء.‏ 
فقد كتب في هذه الخلوة مجموعة من العظات تغطي أيام أحاد وأعياد ومواسم السنة كلها. لكي يستخدمها الرعاة الذين يرغبون في تقديم الإنجيل بطريقة جديدة وسهلة لإعلان كلمة الله. واجتهد أن يدرس اليونانية والعبرية مما ساعده على ترجمة العهد الجديد إلى اللغة التي يتكلمها الشعب أي إلى الألمانية.
لم يكن لوثر هو أول من قام بترجمة العهد الجديد إلى لغة الشعب، فعندما شرع لوثر في هذه الترجمة كان هناك أربع عشرة ترجمة ألمانية للعهد الجديد، لكن أغلب هذه الترجمات كانت مترجمة عن الفولجاتا اللآتينية. ولذلك فقد جاءت ركيكة في أسلوبها، صعبة في لغتها ومفرداتها، وكانت تحتوي على جمل وصيغ لآتينية. أما لوثر فقد قام بترجمة العهد الجديد من اللغة اليونانية مباشرة فى عام 1521. كانت مصادره للترجمة " الفولجاتا اللآتينية، وترجمة ألمانية أخرى، وترجمة إرازموس اليونانية. ولقد استمر في هذا العمل بعد خروجه من القلعة حتى أنهى ترجمة الكتاب المقدس كله في سنة 1534 على أنه كان يضيف في كل طبعة جديدة في كل سنة بعض التصحيحات للترجمة السابقة، وواظب على هذا العمل طيلة حياته. 
كان لوثر شخصية كاريزماتية، وشخصية ساحرة، ويقول عنه مؤرخ كاثوليكي: لقد امتدحت الطائفة العظمى لنبلاء الألمان محاولات لوثر وأيدتها، بل إن إلياندر " الكاردينال" نفسه كتب تقريرًا قال فيه: "إن ألمانيا بأسرها ترفع السلاح ضد روما، والعالم كله يصرخ مطالبًا بمجلس يجتمع على الأرض الألمانية. 
يقول كثير من الدارسين: "أن ما كتب عن لوثر أكثر مما كتب عن أي شخص آخر في التاريخ، باستثناء السيد المسيح نفسه." 
وشهادة عالم كاثوليكي من علماء القرن التاسع عشر عن تقديره للوثر فقال: " حقيقة، إن عظمة عقلية لوثر القاهرة، وتعدد جوانبه العجيبة، هي التي جعلته رجل عصره وشعبه. لا يوجد قط ألماني كان لديه مثل هذه المعرفة الوجدانية لأهل وطنه، ومرة أخرى كانت تمتلكه. ولا نقول تمتصه العاطفة القومية كراهب أوغسطيني من رهبان "ويتنبرج". عقل وروح الألمان كانا في يده مثل قيثارة في يد عازف ماهر. فقد أعطى قومه أكثر مما قدم أي إنسان في الزمن المسيحي لشعبه. أعطاهم اللغة ـ الكتاب المقدس ـ الكنيسة ـ التسبيح. كل ما استطاع معارضوه أن يقدموا بدلًا منها، وكل الإجابة التي أمكنهم أن يأتوا بها إليه، كانت غثة لا طعم لها ولا لون. هو وحده الذي دفع بصمة عقله التي لا تنطمس على اللغة الألمانية والعقل الألماني، ابن الفلاح يجب أن يحسب ضمن العظماء، نعم ضمن أعاظم الرجال." 
علاوة على كل ماسبق عن لوثر، فإنني بجرأة اختم هذا الجزء عن حياة لوثر بما كتبه الأسقف البولوني “دانتسكس “Dantiscus يشهد قائلًا: "دعاني لوثر للجلوس معه، جلسنا وتحدثنا أربع ساعات حتى المساء. وجدته رجلًا ذكيًا وعالمًا مقتدرًا. يشبه لوثر من جميع الوجوه "شخصًا مرحًا". وفي استقامة حياته، التي يشاد بها عندنا، لا يختلف عنّا".