الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

نظرية معرفية للتعامل مع آيات القرآن الكريم

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
• حسب المفكر المغربى عبدالله العروى؛ فإن إعجاز التنزيل الحكيم، يتحقق ببساطة فى كون لغته عربية، لكنها فى الوقت نفسه لا تشبه أية لغة عربية أخرى على مر العصور.
• فاستخدام الله جلت قدرته للغة العربية كان مختلفًا ودقيقًا وبليغًا، وتوظيفه للألفاظ كان معجزًا ومغايرًا حصرًا. 
• وتحميله للألفاظ بمعان ومدلولات لم تألفها من قبل ولم تستخدم سلفا فى لسان العرب، واعتماده على سياقات متعددة وعديدة، ونظم مختلف ومغاير فى كل مرة يغير من خلاله معنى اللفظ الواحد ومدلولاته تماما، وهو ما لم يدركه المفسرون العرب وكل من تعاملوا مع كتاب الله معجزة الرسول الحصرية، دون الدقة المتناهية التى يتطلبها الكتاب، ووفق اللاترادف الذى أطاح بدقته، وضرب تمايزاته وتنوعات ألفاظه وتنوعات معانيها فى مقتل، فلم يدركوا المحكم والمتشابه والمحكم وتفصيله، كما لم يدركوا الفرق بين التاريخى والدينى فى كتاب الله، ولم يدركوا محتويات الكتاب ولم يعوا لماذا سمى الكتاب بالقرآن الذى هو آيات تصديق الذى بين يدى الرسول من آيات الرسالة؟
{وَمَا كَانَ هَٰذَا الْقُرْآنُ أَن يُفْتَرَىٰ مِن دُونِ اللَّهِ وَلَٰكِن تَصْدِيقَ الَّذِى بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِن رَّبِّ الْعَالَمِينَ} (٣٧) يونس. 
• وسوف نحاول اليوم أن نضع نظرية معرفية منضبطة وعلمية لأول مرة تاريخيًا للتعامل مع آيات الذكر الحكيم، مع أى آية يراد تفسيرها أو فهم مقصدها، وسوف نلزم أنفسنا بها ونأمل أن يلتزم بها غيرنا عندما يتعامل مع آيات التنزيل الحكيم وتتكون النظرية المقترحة من ١٢ خطوة ولكن قبل الولوج إلى تلك الخطوات علينا أن ندرك الآتى: 
• أولا: الإقرار بأن كتاب الله مختلف ولا يفسر من خارجه أبدا، وإنما من داخله فقط وحصرا، وأنه حجة على قواعد اللغة وعلى سيبويه وليس العكس. 
• ثانيا: إدراك الفرق بين استخدام البشر للغة العربية، واستخدام الله المعجز للغة، فمن الخطأ والخطر التعامل مع معانى الألفاظ فى التنزيل الحكيم وفقا لمقاصدنا نحن، أو وفقا لمعانيها فى المعجم أو فى لسان العرب، لأن توظيف الله (للفظ) مختلفا تماما ومعجز ودقيق ومبدع وثرى، ومتجاوز لمقاصد البشر، وهنا يجب إدراك فضل القرآن على اللغة العربية التى زاد ألفاظها ثراء وغنى وتوظيفًا واستخدامًا. 
• ثالثا: الإقرار بأن الله تعهد ببيانه أى (ذكره)، كما تعهد بتفصيل كل شىء فيه قال تعالى {ثم إنا علينا بيانه} (١٩) القيامة، وقال أيضًا {الر كتاب أحكمت آياته ثم فصلت} (١) هود، وقال كذلك {هو الذى أنزل لكم الكتاب مفصلًا} (١١٤) الأنعام، وأكد سبحانه {وكل شىء فصلناه تفصيلا} (١٢) الإسراء، وأشار إلى أنه {قد فصلنا الآيات لقوم يذكرون}(١٢٦) الأنعام، {وتفصيل كل شيء} (١١١) يوسف.
• ونأتى إلى خطوات النظرية التى نقترحها: 
١- لا بد أولا وقبلا من (ترتيل) جميع آيات الكتاب التى جاء بها اللفظ المراد فهم مقصده، أى جعلها (رتلا) أى (طابورا)، قال تعالى{ورتل القرآن ترتيلا}.
٢- قراءة السياق و(النظم) لمختلف الآيات التى رتلناها لمعرفة المعنى المخصوص الذى يقصده الله للفظ فى كل سياق، وليس معناه فى لسان العرب أو لغة المعجم، ويكون السياق والنظم ساعتها هو الفيصل والحكم الوحيد. 
٣- تحديد المتكلم والمخاطب فى الآية التى نحن بصددها، فهذا مهم للغاية فمثلا {إن كيدكن عظيم}، جاءت فى القرآن على لسان العزيز وليس الله بينما {إن كيد الشيطان كان ضعيفا} المتكلم فيها الله والسياق خاص بالمؤمنين فى مواجهة الشيطان. 
٤- تحديد (نوع) الآية؛ حيث إن الآيات (أنواع أربع) الآيات المحكمات/ الآيات المتشابهات/ آيات تفصيل الكتاب/ آيات وصف الكتاب/ بخلاف السبع المثانى، قال تعالى: {هو الذى أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات} (٧) آل عمران. 
٥- معرفة (مكان) الآية فى المصحف وهل جاءت ضمن الفرقان 
(الصراط المستقيم) أم القرآن أم الرسالة أم السبع المثانى أم قصة النبى وقومه، وهو ما يترتب عليه تاليا تحديد هل الآية من التاريخى أم من الدينى فى كتاب الله؛ حيث يقتصر الدينى على (الفرقان والرسالة) فقط. راجع كتاب (الكتاب والقرآن) للمفكر السورى محمد شحرور. 
٦- إدراك أهمية مواقع النجم أى مواقع (الفواصل) بين الآيات، فهى من معجزات الكتاب وإدراك أن تحريكها يمينا أو يسارا كلمة واحدة يفسد المعنى المراد ويغيره تماما. 
٧- عدم الوقوع فى (التعضية) أى قسمة ما لا تجوز قسمته أو قطع المعنى فيه فمثلا {ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربى}، وهنا لا يصح أن نقف، بل أن نكمل لنعرف الإجابة ولا نستقسم، وإلا فهم أن الله لم يجب، وعندما نكمل الآية {وما أوتيتم من العلم إلا قليلا} سنعلم أن الله أجاب بأن الروح هى علمه الواسع الذى أتأنا منه القليل وهكذا..
٨- الانطلاق من قاعدة (اللاترادف)، أى أن لكل لفظ فى القرآن معناه المخصوص؛ فالكتاب دقيق للغاية، فالإسلام غير الإيمان، والمسلم غير المؤمن، والنبى غير الرسول، والمشرك غير الكافر غير المجرم، والوالد غير الأب، والذنب غير السيئة، والقسط غير العدل، أى ضرورة إدراك أنه ليست هناك مترادفات. 
٩- إدراك أنه كلما زاد المبنى زاد المعنى، أى كلما زاد اللفظ حرفا تغير المعنى المقصود ودلالاته. 
١٠- إدراك أنه ليس فى القرآن حشو أو استعراض؛ فهذا سلوك المؤلف من البشر أمام الله.
١١- قراءة السياق التى جاءت فيه الآية كاملا، أى قراءة الآية أو الآيات السابقة عليها والتالية لها وتحديد الموضوع الذى جاءت الآية ضمن سياقه، فمثلا آية تعدد الزوجات جاءت ضمن تفصيل محكم وهو (الإقساط فى اليتامى)، وجاءت كرخصة لمن يريد الإقساط فى اليتامى فقط وهكذا. 
١٢- أن النسخ فى المقصود الإلهى معناه (إلغاء أو تطوير أو تكرار حكم من أحكامه التى جاءت فى الشرائع السابقة)، وأن هذا يكون من شريعة سماوية إلى شريعة سماوية أخرى من شريعة سيدنا موسى إلى شريعة سيدنا محمد مثلا.
• وهنا لا بد من الإلمام بالأحكام التى جاءت فى التوراة وحصرها، فالإعدامات فيها على سبيل المثال ١٦، بينما فى شريعة الرسول (صلى الله عليه وسلم) إعدام واحد فقط فى القصاص، فحد ‏الزنى فى التوراة الرجم حتى الموت، وفى القرآن الجلد (١٠٠) جلدة، واللواط وعقوق الوالدين إعدام فى شريعة سيدنا موسى ونسخها الله فى شريعة سيدنا محمد فألغى الإعدام فى عقوق الوالدين وجعل الإيذاء عقوبة اللواط وهكذا، لذلك قال النبى عن رسالته الخاتمة: (بُعثت رحمة مهداة) صدق رسول الله، وقال عيسى من قبله لقومه عن سبب بعثه.