الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة لايت

إنجي أفلاطون.. "بنت الأكابر" التي نامت على "البُرش"

مناضلة يسارية من بيت أرستقراطى

إنجى أفلاطون
إنجى أفلاطون
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
ما إن تقع عيناك على هذا المبنى الصامت، ينتابك شعور بأن عقارب الساعة عادت إلى الزمن الذى كان جميلًا.
هذا قصر «إنجى أفلاطون»، تحفة المعمار فى قرية المنشأة الكبرى التابعة لمدينة كفر شكر بالقليوبية، وهنا عاشت الفنانة التشكيلية، التى ولدت عام ١٩٢٤ ورحلت عام ١٩٨٩، بعد تاريخ إبداعى ونضالى طويل.
جدها الأكبر كان وزير الجهادية والبحرية فى عهد الخديو إسماعيل، وسماه محمد على الكبير بأفلاطون، نظرًا لنقاشاته الفلسفية، ووالدها درس فى سويسرا وأصبح عميد كلية العلوم بجامعة القاهرة، أما والدتها فكانت أول مصممة أزياء مصرية، وعلى يديها تدربت الفنانة رجاء الجداوي.. لكن أصولها الأرستقراطية لم تمنعها من أن تكون من أبرز رموز اليسار المصري.
إنها الإرادة الصادقة.. فالفتاة التى بلغت السابعة عشرة، ولم تكن تتقن حتى لغتها الأم، قررت فجأة الانحياز إلى جذورها الثقافية، فشرعت تتعلم العربية، وتتمرد على الثقافة الفرنسية التى نشأت فيها.
فى بداية الأربعينيات من القرن الماضي، درست الفن.. وتدربت على يد الرسام والمخرج السينمائى كامل التلمسانى (١٩١٧ ـ ١٩٧٢)، المعروف بأعماله الفنية الاحتجاجية والساخرة من الأعراف الاجتماعية، الذى عرفها على فنون التراث واتجاهات الفن الحديث.
ومنذ تلك اللحظة تأثرت أفلاطون بالسريالية الفنية بقوة وهذا ما يمكن رؤيته فى أول أعمالها الفنية «الفتاة والوحش» عام ١٩٤١.
وفى عام ١٩٤٢ انضمت إلى المنظمة الشيوعية الشرارة (إيسكرا)، وفى عام ١٩٤٥ كانت من مؤسسى «رابطة فتيات الجامعة والمعاهد»، ونشرت خلال عامى ١٩٤٨ و١٩٤٩ العديد من الكتب منها، «٨٠ مليون امرأة معنا» و«نحن النساء المصريات».
فى عام ١٩٥٠ تعرفت على المثقفة والمناضلة النسائية سيزا نبراوي، التحقت بـ «لجنة الشابات بالاتحاد النسائى المصري» ثم ساهمت مع سيزا نبراوى وعدد من المناضلات فى تنظيم «اللجنة النسائية للمقاومة الشعبية».
وكانت إنجى تزوجت من أحد القضاة التقدميين فى عام ١٩٤٨، وعاشت معه أسعد أيام حياتها، ولكنها لم تدم طويلًا، فقد توفى عام١٩٥٧ إثر ضرب ضباط المباحث له ضربًا وحشيًا، وفقدت إنجى الحبيب ورفيق الدرب.
آمنت بالبرجوازية، وهو الأمر الذى سجلته فى مذكراتها حين قالت: «الحل لم يكن كما ظننت فى ترك دولاب ملابسى على أحدث الموضات الفرنسية وارتداء أزياء متواضعة، ولا فى التخلّى عن سيارتى «ستروين» لصالح واحدة من طراز الفيات ١٢٨، لكن بطرح مطالب وقضايا المرأة العاملة والفقيرة والمعيلة كأولوية وليس فقط بالتركيز على هموم وحقوق المرأة بشكل عام».
وفى ٨ يناير ١٩٥٨ أصبحت أفلاطون عضوًا قياديًا بالحزب الشيوعى المصري، ما نتج عنه اعتقالها فى مارس ١٩٥٩، مع خمس وعشرين امرأة من المناضلات، بهدف تصفية الحركة الشيوعية والتقدمية والوطنية، كما أطلقت عليها فى مذكرتها.
سجنت أفلاطون لمدة أربع سنوات ونصف السنة، وكانت تمارس الرسم طوال فترة سجنها، التى تقول عنها: عندما دخلت السجن شعرت برغبة جامحة فى الرسم وعدم الاستسلام للواقع.
وأفرج عن إنجى فى يوليو من عام ١٩٦٣ وبعد خروجها من السجن، أصبح الرسم نشاطها الرئيسي، وقد أصبح أسلوبها أكثر خفة ومرحًا، واستعملت الألوان الحية فى رسم الريف وحياة الكادحين المصريين اليومي، واستمرت فى نضالها فى حق المقهورين فى حياة كريمة، فتم استبعادها من التكريم فى الوقت الذى كرمتها فيه فرنسا وأعطتها وسام الفارس.
تقول: «منذ عام ١٩٧٤ استجمعت شجاعتى لمعايشة مغامرة جديدة وتركت بعض الفراغ الأبيض بين خطوط الفرشاة لاستدعاء التذبذب. وعرفت شيئًا فشيئًا أن ترك مساحة بيضاء يساعد فى ذلك».
عندما اقتربت إنجى من الستين ابتعدت عن الحياة كناشطة، وفضلت الفن عن النشاط السياسي، إلى أن وقع السادات معاهدة الصلح مع إسرائيل فعادت وشاركت فى تأسيس لجنة الدفاع عن الثقافة القومية، التى كان لها دور بارز فى مواجهة التطبيع مع الكيان الصهيونى، وشاركت كما لو كانت شابة فى العشرين فى توزيع بيان ضد مشاركة إسرائيل فى معرض الكتاب، وظلت محتفظة بروحها الناقدة والمتمردة حتى النهاية، رحلت إنجى عن عالمنا فى ١٧ إبريل ١٩٨٩ عن ٦٩ عاما.
يوجد أكثر من ثمانين عملًا من أعمالها ومجموعة من مقتنياتها الشخصية فى قصر الأمير طاز بالقاهرة القديمة، وكذلك المتحف العربى للفن الحديث فى الدوحة يضم عددًا من أعمالها، ومتحف الفن الحديث بالقاهرة، وأخيرًا خصَّصت قاعة سفر خان فى القاهرة معرضًا لها فى يناير وفبراير ٢٠١٤ بعنوان «عالم إنجي».
وتحكى «فيلا أفلاطون» المشوار الفنى لصاحبته إنجى التى شقت طريقها نحو الإبداع الفنى تلقائيًا قبل أن تدرس فن الرسم دراسة أكاديمية، فقد استقدم لها والدها معلمًا حين لمس نزوعها نحو الفن، وبعد فترة التقت بأحد الفنانين الذين أثروا فى الحركة الفنية آنذاك وهو كامل التلمسانى الذى أخذ يشرح لها الفن، ويوجهها نحو تاريخ الفنون وفلسفة الجمال وقدم لها فنون التراث واتجاهات الفن الحديث من خلال المراجع والصور، فانفتحت أمامها نافذة أطلت منها على عالم الفنون الحافل بالجمال وكان ذلك من عام ١٩٤٢ حتى ١٩٤٥.
ويعكس تصميم الفيلا روح تذوق الجمال الممزوج بالفن.. فعلى مدخل الفيلا ستجد أشجار الكافور لتسير فى ممر طويل، وعلى جانبيك أشجار البرتقال وأنواع الفاكهة المختلفة لتصل فى نهاية الممر إلى مبنى فى جهة اليسار وهو الاستراحة.
أما جهة اليمين سنجد مبنى الفيلا المكون من دورين من الخشب، ويتكون الدور الأرضى من مطبخ وحمام وسفرة وصالون بالطابق القديم، أما العلوى ٤ غرف نوم ذات ملمح قديم تلك الغرف مكونة من أسرّة التى تحيطها العمدان.
وأكد حارس الفيلا رضا سعد أن المهندس حسن جلال ابن اخت الراحلة ووريثها تبرع بجزء من اللوحات لوزارة الثقافة، ثم رفع قضية لاستردادها لما رأى أن الوزارة تهمل تراث خالته.