السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

محمد نبيل يكتب: عن الكتابة التي تقود ثورة.. "خطبة الشيخ" نموذجًا

محمد نبيل
محمد نبيل
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
تمرد «العميد» على الأشكال النمطية فى الفن الروائى بروايته المجهولة.. وسار على نهجه أديب نوبل فى «حديث الصباح والمساء» 
لا تأتى الثورات مصادفة، هناك دائما تمهيدات، حتى وإن لم يلحظها الجميع، كان الإعلان مؤخرا عن اكتشاف رواية مجهولة لعميد الأدب العربى طه حسين، حدثا شغل الرأى العام كثيرا، لعدة أسباب كان أبرزها الروح الحية التى يتمتع بها طه حسين، فكيف بعد كل هذا الاحتفاء والتقدير والمنجزات التى لا تقدر بثمن يتم اكتشاف عمل آخر قد يغير مسار الأبحاث التى تتناول تجربته وتضيف عليها بعدا آخر.
جاءت الرواية عبارة عن عدة رسائل تتبادل بين مجموعة أشخاص، هم: إحسان بطلة الرواية وصديقتها أسماء ووالد إحسان وخطيبها وصديق والدها، تدور الرواية حول معلمة تدعى إحسان، يرشح والدها لها زوجا هذا الزوج طالب فى الأزهر يختاره والدها القاضى بالمحكمة الشرعية بناء على عدة صفات يظن أنها حسنة، لكن إحسان تقع فى حيرة ما بين ترك وظيفتها كمعلمة وبين الوقوع فى شرك رجل مجهول لا تعلم عنه شيئا، فتبدأ بمراسلة أسماء زميلتها فى المدرسة لتطلعها على ما حدث وتطلب استشارتها ورأيها وهنا، تثار عدة قضايا مهمة، من بينها تحرر المرأة والتنوير، وهل الزواج بهذه الطريقة يعد مقبولا أو مرفوضا، وهل الأفضل الاستمرار فى تحقيق أحلام على المستوى الوظيفى أو أن المرأة تعيش لرجلها، كل ذلك كان ما قبل ثورة ١٩١٩ التى جاءت لتعزز من الفكر الليبرالى والديمقراطية والحريات والانتصار لحقوق المرأة والمساواة بينها وبين الرجل.
هناك جدل أثير حول تصنيف «خطبة الشيخ» أكانت رواية أو مجرد مجموعة رسائل صحفية، تستهدف إثارة قضايا تنويرية، لكن المتأمل لمجموعة الرسائل الـــ ١٥ يكتشف أن فى ترتيبها تسلسلا دراميا وحبكة رواية جيدة أو نوفيلا «رواية قصيرة»، فلا مانع أن تسرد الرواية على طريقة رسائل أو بأى طريقة أخرى ما دامت تشكل فى النهاية حبكة لحكاية ما، فمن الممكن اعتبارها رواية تتعدد بها أصوات الراوية، فعندما كتب نجيب محفوظ ملحمته الروائية حديث الصباح والمساء، كتبها بهذه الطريقة عبارة عن مجموعة قطع أدبية حول أشخاص، فمثلا فقرة عنوانها يزيد المصري، فيتحدث خلالها عن لمحة من حياة هذه الشخصية الفقرة التى تليها يتحدث عن شخصية أخرى، وتفاجأ فى نهاية الرواية بعد سرد حياة لعشرات الأشخاص أن جميع الحكايات تشكل نسيجا واحدا وترتبط ببعضها ارتباطا وثيقا.
كانت «خطبة الشيخ» خير آية على الكتابة التى تمهد لاندلاع ثورة، أو تعبر عن الحالة السائدة قبل اندلاعها، إذ اشتبكت مع السائد، وحاولت أن تكسر تابوهات سيطرت على الحياة المعيشة حينها من أخلاقيات صارمة ومحاولة حجب المرأة عن الحياة عموما، وانتصرت لمبادئ كان يجب أن تحل محل تلك الأخلاقيات البالية، الذى اعتبرها المفكرون أنها ضد التقدم والحياة المدنية، وقاد الإمام محمد عبده هذه الثورة الفكرية، ذلك الإمام الذى لم يخل ذكره من رواية طه حسين، فقد كان الخطيب الشيخ ووالد إحسان يحضران حلقاته ويروجان أفكاره ويتناقشان فيها.
من هذه النوفيلا يستطيع القارئ أن يحدد مجموعة أفكار وقضايا عامة شغلت بال عميد الأدب العربي، ومنها قضايا التنوير وحرية المرأة بالتحديد، عالج هذا أيضا فى روايته الخالدة «دعاء الكروان»، ومنها أيضا قضايا التراث وتجديد الخطاب، ومنها قضايا اللغة والأساليب الأدبية، فقد تضمنت الرواية مناقشة فى الأساليب الأدبية، حين طلب والد إحسان ذلك القاضى الشرعى من الشيخ خطيب ابنته أن يعذره إن كان أسلوبه ليس فريدا، ويتمتع بجماليات أدبية مثل أسلوبه، حيث إنه أزهرى والتعليم الأزهرى يعطى مساحة للجماليات الأسلوبية غير المعاهد الخاصة بتخريج القضاة الشرعيين، وبدءا يتنقاشان معا فى اختلاف مسارهما التعليمى الذى فرض اختلافات فى الأساليب. فى أسلوب طه حسين جماليات فريدة منها التشكيل بالصوت، أو رسم مشاهد جمالية عن طريق الأصوات فقط مثل غناء العصافير وخرير المياه ويشعر قارئه أن العميد يحاول فى أسلوبه وضعه فى نفس حالته والاستمتاع بالجمال ورؤيته وليس شريطة أن تكون الحصيلة البصرية مشاركة فى هذا فالأذن قد ترى الجمال أيضا.