الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

أحمد عبدالرازق أبو العلا يكتب: "خطبة الشيخ" كتابة صحفية بلغة الأدب

أحمد عبدالرازق أبو
أحمد عبدالرازق أبو العلا
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
أود- فى البداية- أن أتحدث عن القضية التى طرحت نفسها، وجاءت على هامش معركة اكتشاف رواية جديدة للدكتور طه حسين، وأعنى بها قضية «الريادة فى الرواية العربية»، مشيرًا إلى مجموعة من المُفارقات التى أوضحتها بعض كتابات د. جابر عصفور، وحلمى النمنم فى هذا الشأن، وهما– معًا– من المهتمين بموضوع البحث عن تلك الريادة، تاريخيًّا.
الدكتور جابر عصفور ذكر فى مقدمته لرواية «غابة الحق» التى كتبها «فرانسيس فتح الله مراش»، ونُشرت فى حلب سنة 1865- حين طُبعت مؤخرًا فى مصر- أنها تُعد الرواية العربية الأولى. فى حين أن «حلمى النمنم» رأى– وكما جاء فى مقدمة كتابه «الرائدة المجهولة» زينب فواز، الصادر فى عام 1998- أن رواية زينب فواز «حُسن العواقب»، الصادرة فى عام 1899، هى الرواية العربية الأولى، ثم هو نفسه، حين تُعاد طباعة روايتها «غادة الزاهرة» يذكر فى مقدمتها أنها الرواية العربية الأولى.. ويجيء د. سيد البحراوى ليُصرح بأن هناك نصًا اسمه «وى. إذن لست بإفرنجي» كتبه «خليل الخوري»، وصدر فى سنة 1856، ويعتبره هو الرواية العربية الأولى، وذلك فى مقدمته لرواية «قلب الرجل» التى كتبتها «لبيبة هاشم»- حين أُعيد طبعها فى مصر- وكما هو واضح فإنه ليس هناك اتفاق بين من يهتمون بهذا الموضوع، ويبحثونه تاريخيًّا، للوصول إلى رأى واحد يخص موضوع الريادة.. ولذلك فإن كل ما يثار بشأنها الآن مجرد اجتهادات لم تصل إلى الحقيقة المطلقة بعد! ولم يكن أيضًا هناك أى مبرِّر لغضب د. جابر عصفور المُعلن، فيما يتعلق بموضوع اكتشاف رواية جديدة لطه حسين، هنا نراه يدافع عن حقه وحده فى الاكتشاف، ويريد نفيه عن الآخرين حتى.. وإن اجتهدوا!
أما فيما يتعلق بالرسائل التى جاءت فى رواية طه حسين «خطبة الشيخ»، والتى قامت «البوابة» بنشر خمس رسائل منها، باعتبارها رواية- كما ذهب إلى قول ذلك د. جابر عصفور نفسه- فإنها وبعد أن قرأت الرسائل الخمس التى كُتبت مع عشر رسائل أخرى فى عام 1913، ونُشرت فى مجلة «السفور» سنة 1916، أقول: إنه من خلال القراءة الأولية لتلك الرسائل الخمس، يتبين لنا أنها كتابة صحفية، اعتمدت على لغة الأدب، وكانت تلك هى وسيلة الدكتور طه حسين، فى كل ما كتبه من كتابات أطلق عليها روايات مثل: «المعذبون فى الأرض، وما وراء النهر، والحب الضائع، وشجرة البؤس».. وطه حسين نفسه يعترف بذلك حين يؤكد أنه ليس مسئولًا عن تسمية النقاد لتلك الأعمال، حين يتعاملون معها بوصفها كتابات قصصية أو روائية، لأنه لا يدعي ذلك لنفسه.. هو إذن يعلم أن تلك الكتابة لا تنتمى انتماء أصيلًا للكتابات القصصية، أو الروائية.. وهى- من وجهة نظرى- بما فى ذلك الرسائل التى جاءت فى كتاب «خطبة الشيخ» مجرد كتابات إصلاحية– إذا صح التعبير– هدفها التعبير عن قضايا اجتماعية أو اقتصادية تؤرق الناس، فالأديب من وجهة نظره «كائن اجتماعى لا يستطيع أن ينفرد، ولا أن يستقل بحياته الأدبية مهما يكن أمره، ولا يستقيم له أمر إلا إذا اشتدت الصلة بينه وبين الناس، فكان صدى لحياتهم، وكانوا صدى لإنتاجه، وكان مرآة لما يذيع فيهم من رأى وخاطر».
تلك الرسائل بين الابنة التى جاءها خطيب هو شاب أزهرى، تعبر فيها لوالدها عن رغبتها فى إبداء رأيها فى ذلك الرجل قبل أن تتزوجه، والأب يُبين لها أنه يحترم رغبتها، وعليها أن تقوم بذلك، ويتحدث معها من خلال الرسائل المرسَلة إليها عن ذلك الشاب، وكأنه يقدمه لها، ثم رسالتها للشاب نفسه، والتى تخبره فيها عن رغبتها أن يتيح لها حرية التعرف عليه، ثم رسالته هو إليها، مُرحبًا بذلك، وهكذا يبدو الحوار بين الشخوص مستعرضًا قضايا اجتماعية تتعلق بموضوع الزواج والميراث، وغيرها من القضايا النسوية يتناولها طه حسين، مؤكدًا بها قيمة الحرية، وقيمة التفكير،
القيمتان اللتان تعرضت لهما حين كتبت من قبل عن رواياته أثناء تناولى لموضوع العدل الاجتماعى عنده فى كتابى «طه حسين والبحث عن العدل الاجتماعي».
المُهم فى الأمر أن طه حسين نفسه كان دائمًا ما يؤكد إخراج تلك الكتابات من دائرة الكتابات القصصية أو الروائية؛ حتى لا يكون الحكم عليها خاطئًا من قِبل النقاد، وتلك الرسائل تُذكرنى بالمقطوعات التى جاءت فى كتابه «جنة الشوك»، دارت بين شخصين، الأول منهما هو الفتى، والثانى هو الأستاذ الشيخ حين يقول كل واحد منهما جملته الشهيرة: «قال الطالب الفتى لأستاذه الشيخ»، ثم «قال الأستاذ الشيخ لتلميذه الفتي»، المقطوعات الحوارية بين الاثنين تدخل فى نطاق ما يسمى «الحكم والمواعظ»، وهو يعتبرها لونًا من ألوان الشعر الهجائى، ويقصد به هنا كما يقول «النقد الاجتماعي».. وهذا الذى حدث– من الناحية الفنية– فى «جنة الشوك»، حدث أيضًا مع «خطبة الشيخ»، الاختلاف فقط فى الأداة الفنية، فى «جنة الشوك» اعتمد على الحوار بين شخصيتين، وفى «خطبة الشيخ» اعتمد على الرسائل، وكلها بين أطراف متعددة.