الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

سنابل القمح تحكي معاناة الفلاحين

بعد انخفاض معدلات التوريد..

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
السوق السوداء تنافس الحكومة فى جمع القمح لانخفاض أسعاره 
بالورقة والقلم.. 250 جنيهًا خسارة الأردب الواحد للفلاح.. 10 آلاف تكلفة إنتاج فدان القمح و12 ألفًا ثمن بيعه
الفلاحون: الحكومة اشترته بثمن بخس الأسعار ترتفع عالميًا.. و«الزراعة» تسعره بـ3500 جنيه
نقيب الفلاحين: تخبط السياسات وتدنى الأسعار بسبب عزوف المزارعين عن زراعته

«القمح الليلة الليلة عيده.. يا رب تبارك تبارك وتزيده.. لولى وسُنبل على عوده.. والدنيا وجودها من وجوده، عمره ما يخلف مواعيده.. يا رب تبارك وتزيده.....» لا تستغرب فهذه كلمات كان يتغنى بها الموسيقار محمد عبدالوهاب للمحصول ذى الطبيعة الاستراتيجية، لأنه كان بالماضى مصدر سعادة للفلاح وكل المصريين، ولكن الآن لو كان لحباته أن تتكلم، ما استطعتم أن تسمعوا عن حال زارعيه من الخسارة والمعاناة التى يمرون بها. 
حيث لم تبق للفلاحين سوى الذكريات، فهم كغيرهم من فئات المجتمع يتحملون تبعات التغيرات الاقتصادية فى غلاء أسعار فى كل مدخلات الإنتاج، وعندما يأتى وقت الحصاد يُعرض عليه أبخس الأثمان ليدفع الثمن مرتين، أو يرفض البيع إلا لمن يدفع نقودًا أعلى بقليل من ما تسعره الحكومة، فتنشط تجار السوق السوداء والقطاع الخاص والفلاح عبدالمأمور، فلا حيلة له وقد وقع بين مطرقة الحكومة التى تسعى لشراء المحصول بأبخس الأسعار وسندان غلاء مُدخلات الإنتاج التى تكوى جيوبهم.
«البوابة» تناقش الملف، وتطرح تساؤلات وتخوفات تكرار هدر ملايين الجنيهات التى هى فى الأصل لدعم الفلاح، وبالأخير تستقر فى جيوب وحافظات تجار السوق السوداء، وتتربح منها مافيا استيراد الأقماح كما حدث العام الماضى وأهدر 1.7 مليار جنيه.


القمح لهم.. والتبن للفلاح
يرصد إبراهيم السيد، أحد مزارعى القمح، تكلفة إنتاج القمح، فيشير إلى أن تكلفة مساحة فدان الأرض المزروع قمحًا تصل إلى ١٠ آلاف جنيه، بواقع ٤ آلاف جنيه إيجار الأرض لموسم القمح الذى يستغرق فترة تقارب ٦ شهور، إضافة إلى أسعار البذور والتقاوى والأسمدة، التى تضاعفت بعد قرار تحرير سعر الصرف للضعف، حيث وصل ثمن طن الأسمدة إلى ٣٥٠٠ جنيه، بواقع ٢٠٠ جنيه لجوال السماد وزن ٥٠ كجم فقط، وقد يحتاج الفدان من ١٥ إلى ١٨ جوالًا على مدى فترة الزراعة، لتصل تكلفة السماد فقط إلى سعر ٢٥٠٠ جنيه، فى حين تكتفى الجمعيات الزراعية بتسليم ٤ أجولة سماد فقط فى الموسمين «شتاء وصيف» بأسعار ١٥٠ جنيها للجوال.
يواصل «إبراهيم» الحديث قائلًا: تضاف أيضًا أجور العمالة، التى تصل إلى ١٠٠ جنيه للعامل فى اليوم الواحد، حيث يحتاج الفدان حوالى ٢٠ «نفرًا» ما بين التخضير، وهى عملية زراعة الأرض، وأنفار الرى والحصاد، أى ما يصل ٢٠ نفرًا مضروبًا فى ١٠٠ جنيه، ليكون الإجمالى ألفى جنيه، علاوة على ثمن ٣ أجولة تقاوى فئة ١٥ كجم بثمن ١٥٠ جنيها للجوال، ناهيك عن ٣٥٠ جنيها ضريبة الرى طوال العام، سواء ماكينة رى على مياه نهر النيل، ويسمونها «بحاري»، أو من باطن الأرض ويسمونها «ارتوازى أو مياه جوفية»، إضافة إلى ٣٥٠ جنيها ثمن السولار وقود هذه الآلات، وألف جنيه آلات زراعية بين تجهيزات وحرث الأرض وأجرة الجرار الزراعية والدارسة.
كما تبلغ إنتاجية الفدان من ١٥ إلى ١٦ إردبًا، بتكلفة ٨٠٠ جنيه للإردب، ليكون الناتج الرقم نفسه، ولم يبق للفلاح سوى أسعار «التبن» التى لا تتجاوز ألفى جنيه فقط طوال الموسم، ليختم لنا عم «إبراهيم»: «القمح للحكومة والتبن لنا» إحنا الغلابة».
السوق السوداء
مقارنة بالأسعار التى تعلنها وزارة الزراعة لشراء الإردب، لا تجاوز ٥٥٠ جنيها فقط، الأمر الذى يكشف خسارة ٢٥٠ جنيها بالورقة والقلم، ويسبب عزوف الفلاحين عن تسليم القمح للحكومة أو الشون الحكومية.
وانتشر تجار السوق السوداء من القطاع الخاص فى القرى والمحافظات لجمع المحصول من الفلاحين، بسبب ارتفاع أسعار القمح عالميًا، ويسرع القطاع الخاص الآن لجمع المحصول من الفلاحين قبل الحكومة لانخفاض سعره وتوفير العملات الصعبة، ما ينذر بتراجع أرقام موسم التوريد، ووقوع الدولة تحت قبضة التجار أو حيتان الاستيراد، وبالأخير ترضح الدولة لضغوط التجار، وترفع الأسعار فى نهاية موسم التوريد، ويربح القطاع الخاص ثمار شقاء الفلاح.


تخبط السياسات
فى السياق نفسه، يقول فريد واصل، نقيب الفلاحين،: بالنسبة للمحاصيل الرئيسية والمهمة مثل «القمح والأرز والذرة وقصب وبنجر السكر»، فكل دول العالم تدعمها من النواحى الفنية والاقتصادية والتسويقية، حتى يستطيع الفلاح تحقيق هامش ربح، وفى حالة غياب الدعم يُمنّى الفلاح بالخسائر، مما يؤدى إلى تراجع المساحات المزروعة قمحًا.
ويضيف «واصل»: يتراوح استهلاك المصريين من ١٦ إلى ١٧ مليون طن قمح سنويًا، وما ينتج فعليًا لا يتجاوز ٧ ملايين طن، ويتم استيراد الباقى، حيث يستهلك رغيف الخبز الذى تدعمه الدولة ٩ ملايين طن، وما يتم توريده من الزراعة المحلية من ٤ إلى ٥ ملايين طن، بما يعادل ٥٠٪ فقط لرغيف الخبز، و٣٠ ٪ من الاستهلاك الفعلى فقط، ما يعنى استيراد الدولة ضعف الإنتاج المحلى، ويعمل القطاع الخاص على استيراد قرابة ٩ ملايين طنًا للحلويات والفينو والخبز السياحى.
وأشار «واصل» إلى أن أسعار القمح عالميًا تصل إلى ٢٢٠ دولارًا للطن، أى تقارب ٤٥٠٠ جنيه، فى حين أن ما يعلن من قبل وزارة الزراعة هو ٥٥٠ جنيها أى ٣٥٠٠ جنيه، أى أقل من الأسعار العالمية، كما أن ارتباط الفلاح بهذا المحصول لاحتياجاته فقط ولحيوانه، لكن هامش الربح لا يمثل أى حافز تحثهم على الزراعة، ما يؤدى إلى تراجع المساحات المنزرعة أقل من ٢ مليون فدان، رغم أن الأرقام المسجلة فى السنوات الخمسة الأخيرة بحسب بيانات الحكومة التى تزعمها ٣.٢ مليون فدان، فى حين أن ما يتم زراعته فعليًا لا يتجاوز ٢.٢ مليون فدان على مستوى الجمهورية.
وأرجع «واصل» تراجع المساحات المنزرعة قمحًا إلى عدم إعلان الحكومة أسعار القمح قبل الزراعة فى أواخر نوفمبر من كل عام، على عكس العرف المعمول به فى كل عام، ولم تعلن تسعيرة الحكومة لشراء القمح إلا فى نهاية الموسم، أى بعد إنهاء عمليات الزراعة بشهرين، وحذر من أن تضارب تخبط سياسات الحكومة قد يؤدى إلى عزوف الفلاحين عن زراعة القمح والاتجاه للمحاصيل التى تعود بالنفع عليه.
مضيفًا، بحسبة الفلاح الاقتصادية، القمح لا جدوى منه، حيث إن تربية الحيوانات يشترى لها الأعلاف، ويصل سعر طن «الرَّدَّة»، وهى مستخرجة وبقايا القمح بعد طحنه، إلى ٤ آلاف جنيه، ليكون طحن القمح أوفر من بيعه للحكومة، فنجد هذا المحصول لا يمثل سوى احتياجاته إلى الطعام للبيت والحيوانات، وليس له أى هامش ربح.
واختتم «واصل»، الفلاح فى النهاية مواطن يعانى عشرات المشكلات الاجتماعية والاقتصادية، ناهيك أن يعيش بمفرده، ولا توجد أية مظلة تحميه مثل التأمين الصحى أو المعاش.. وإذا لم تهتم الدولة بوضع مصلحة الفلاحين ضمن أولويات سياساتها، فمن حق الفلاح أن يتجه إلى الزراعات ذات المنفعة الفردية، ولا تدير على الاقتصاد المصرى مثل: زراعات اللب والخرشوف.


انخفاض مخزون القمح
يؤكد الدكتور نادر نور الدين، مستشار وزير التموين سابقًا، أن موسم توريد القمح يبدأ كل عام فى الفترة من منتصف شهر إبريل حتى دخول الأسبوع الأول من شهر مايو، ولكن قد يتأخر التوريد هذا العام بسبب هطول الأمطار الغزيرة على جميع محافظات مصر، حيث يبدأ التوريد من الأراضى الصحراوية فى شرق العوينات وباقى أراضى الاستصلاح، ثم محافظات الصعيد الحارة، وأخيرا محافظات الدلتا.
ويحذر «نور الدين» من انخفاض مخزون القمح الاستراتيجى لمصر، وعدم وجود مخزون لديهم يكفى لمدة شهرين ونصف الشهر حتى نهاية التوريد أواخر مايو المقبل، وهو السبب نفسه وراء ضغوط التجار بشأن إلغاء القرار الخاص بوقف قرار غلق ومنع الاستيراد القمح من الخارج أثناء التوريد المحلى، وبخاصة أن القطاع الخاص مسئول عن قمح المكرونة والدقيق الحر ورغيف الرصيف ورغيف السوبر ماركت والحلويات والمخبوزات الإفرنجية.
واستبعد «نور الدين» احتمالات خلط المحلى بالمستورد، كما كان الحال العام الماضى، وأرجع ذلك إلى ارتفاع سعر القمح المستورد مقارنة بالقمح المصرى، حيث وصل قمح الدرجة الثانية الذى نستورده إلى ٦٥٠ جنيها للإردب، بينما الدولة تشترى القمح المصرى الفاخر من الفلاح بسعر ٥٥٥ فقط للإردب، وهو قمح درجة أولى، وبالتالى لا خوف من خلط القمح المستورد بالمصرى هذا العام.
وأبدى «نور الدين» مخاوفه من التجار عن طريق شراء القمح من الفلاحين، كما فعلوا فى الأرز، لأنه أصبح أقل سعرًا من المستورد، وبالتالى سيوفروا تدبير الدولارات وتكاليف الاستيراد، بالإضافة إلى أن القمح المصرى درجة أولى وليس ثانية، وبدأوا فعلا فى الوصول إلى أغلب القرى والاتفاق مع الفلاحين على شراء القمح منهم وعدم توريده إلى الدولة، وهذا سيوفر للفلاح تكاليف نقل المحصول إلى الشون أو الصوامع والطوابير الطويلة، التى يدفع عنها من السيارة ليومين أو ثلاثة، بالإضافة إلى أن التجار يدفعون للفلاح سعرًا بين ٥٦٠ و٥٧٥ جنيها للإردب الواحد، ما يعنى أعلى من سعر الدولة، وفى الوقت نفسه يحقق التجار أرباحًا بهذا السعر، لأن المستورد يصرف عليهم بسعر ٦٥٠، وبالتالى ستتكرر مأساة استيلاء التجار على الأرز، وسيقل القمح المورد إلى الدولة هذا العام.
وأكد «نور الدين» أن هذا العام لا يوجد أى دعم من الدولة للفلاح، بعد أن تضاعفت أسعار المنتجات الزراعية بسبب مضاعفة أسعار الدولار.


الصافى.. خسارة
وفى السياق نفسه، يقول الدكتور زكريا حداد، أستاذ الهندسة الزراعية والثروة السمكية بجامعة بنها: إن متوسط إنتاج فدان القمح لا يتجاوز ١٨ إردبًا، وبقسمة المصروفات الداخلة فى الإنتاج يكون الصافى خسارة للفلاح، ويمكن لتجار السوق السوداء أن تجمع القمح وتورده على كونه مستوردًا ويستفيد التاجر بفرق السعر، أو توجهه لمطاحن القطاع الخاص التى يعمل به البسبوسة والحلويات.
ومن جهة أخرى، يرفض الدكتور علاء السبع، أستاذ الاقتصاد الزراعى، الأسعار المعلنة من وزارة الزراعة، مؤكدا أنها منخفضة جدًا وفقًا للأسعار العالمية للقمح، ناهيك أن تحرير أسعار الصرف تحمل الفلاح تبعاته من ارتفاع أسعار كل مدخلات الإنتاج من «عمالة وبذور وأسمدة وتكلفة الري»، الأمر الذى بدوره يصب لصالح السوق السوداء التى تستغل عزوف الأهالى عن تسليم قمحهم، وتبدأ فى الاتفاق على شراء المحصول من الفلاحين ما يتسبب بالأخير فى انخفاض معدلات التوريد والوقوع تحت وقبضة تجار السوق السوداء، أو تبديد المخزون من النقد الأجنبى فى استيراد القمح من الخارج، وفى كل الحالات الفلاح لا يتربح شيئًا بعد ارتفاع.


فاتورة استیراد القمح
ويقول الدكتور عادل عامر، الخبير الاقتصادي: بلغ إنتاج القمح العام الماضى ٨ ملايين طن، ووصل سعر توريده إلى ٤٢٠ جنيها للإدرب، كما نستورد نحو ٩ ملايين طن من القمح من إجمالى استهلاكها البالغ نحو ١٤ إلى ١٧ مليون طن سنويًا، وتعتبر الحكومة شراء القمح خاصة من دول روسيا وأوكرانيا وأستراليا أرخص سعرًا من شرائه من فلاحيها، والفلاحون هنا مكبلون بأعباء ارتفاع أسعار مستلزمات الزراعة من بذور وأسمدة ومبيدات وماكينة زراعية، لذلك ترتفع أسعار القمح لدى الفلاحين.
ويضيف أن أسعار استيراد من الخارج ارتفعت بنسبة ١٠٠٪ بين عامى ٢٠٠٥ و٢٠١٠، على الرغم من أن نوعية القمح المصرى، حسب تصنيفات الجودة العالمية، تعد أفضل من نظيره الروسى مثلا، ومع الأزمة المناخية الأخيرة التى مُنعت موسكو من تصدير قمحها، زادت الأسعار العالمية حسب تقدير منظمة الأغذية العالمية «الفاو»، بنسبة ٥٠٪، كما يتم استيراد حوالى ٦٠٪ من إجمالى القمح الذى يتم استهلاكه سنويًا، أى حوالى ٨ إلى ٩ ملايين طن، يأتى أغلبيتها من دول آسيا وروسيا وأوكرانيا، فضلًا عن دول أوروبا كفرنسا، والولايات المتحدة.
وعن أسباب أزمة زراعة القمح يقول «عامر»: إنها ترجع إلى ندرة الأراضى الزراعية وتفتيت المساحات الزراعية وعدم القدرة على استخدام الآلات الزراعية فيها، وتآكل الأراضى الزراعية بسبب الزحف العمرانى أو عن طريق التجريف، والتعدى على الأراضى الزراعية وتجريفها جريمة فى حق البلد، وينبغى على الحكومة ألا تتهاون مع مرتكبيها، ناهيك عن محدودية المياه، خاصة أن حصة مصر تسجل ٥٥.٥ بليون متر مكعب تتأمن من خارج أراضيها، فهى دولة مصب، وليس دولة منبع، إلى جانب تفتيت المساحة المزروعة، ما يضع البلد فى مواجهة أزمة استراتيجية.
تلف المحصول
يضاف إلى جملة المعوقات ضد محاصيل القمح تعرض حوالى ٢٠ فى المئة من القمح المخزن فى الصوامع للتلف، خصوصًا أنها مكشوفة، ولا بد من مراعاة طرق التخزين السليمة، ونخسر ١.٣ مليون طن قمح خلال المراحل الإنتاجية المختلفة، كما أن الطاقة الاستيعابية للصوامع فى مصر، لا تكفى حاليا لتخزين أكثر من ٣ ملايين طن قمح، وهو ما يمثل مشكلة لزيادة الاحتياطى الاستراتيجى من القمح، خاصة أنه من المحاصيل التى يمكن تخزينها لمدد طويلة باستخدام تكنولوجيات حديثة تحافظ على سلامة المحصول خلال عمليات التخزين حتى مراحل التصنيع.
ويضيف «عامر»: إذا افترضنا أن سعر ٣٠٠ دولار للطن، حسب متوسط الأسعار العالمية، فإن فاتورة استهلاك المصريين «للقمح فقط» تصل إلى نحو ٤.٥ مليار دولار، أى أكثر من ٨٠ مليار جنيه، وهذا يعنى أن الحكومة المصرية ملزمة بتوفير نحو ٤٠ مليار دولار سنويًا من أجل فاتورة واردات القمح فقط، فى الوقت الذى يعانى الفلاح توريد محصوله، وخصوصًا القمح الذى يمثل الغذاء الأساسى للمصريين.
وأكد «عامر»: كما تقدر احتياجاتنا السنوية من القمح بحوالى ١١ مليون طن نستورد منها ما بين ٥ و٦ ملايين طن سنويا، كما أن مصر تحقق ٥٧ فى المئة من الاكتفاء الذاتى ويتزايد تبعًا للزيادة السكانية.
حلول واقتراحات
عن أبرز الحلول قال «عامر» إن الحلول هو نقل الناس إلى أراضى جديدة وتوسع الرقعة العمرانية فى الصحراء، كما أن الفلاح المصرى محروم حتى من الدعم البسيط الذى كان يحصل عليه ولا وجه للمقارنة بينه وبين المزارع الأمريكى أو الأوروبى، لأن هذه الدول تدعم المزارع فى كل الاتجاهات سواء فى الإنتاج المباشر أو فى التصدير أو عن طريق شراء المنتجات، يجب أن توفر الدولة للفلاح كل ما يلزمه من مبيدات جيدة وصالحة وتقاوى وبأسعار معقولة، ويجب أن تحل الدولة محل الوسيط أو التاجر الذى يستغل الفلاح ويأخذ نتيجة عمل الفلاح لنفسه، وأن تحول الدولة دون وجود حلقات وسط بينها وبين الفلاح وتشترى من الفلاح مباشرة، فضلًا عن مضاعفة المساحة المخصصة لزرع القمح بالتوافق مع الزيادة السنوية المطردة فى عدد السكان، علمًا أن استهلاك الفرد منه يتراوح من ١٨٠ إلى ٢٠٠ كيلوجرام فى السنة، بحيث تحتاج مصر إلى زيادة المساحة المخصصة لزراعته بمعدل ٧٠ ألف فدان سنويًا.
وأشار إلى عجز سياسات التصنيع عن المساهمة الجادة فى تطوير الزراعة وتحديثها وتوفير مستلزمات الإنتاج الزراعى بكلفة مناسبة، فهى لا تزال تمثل عبئًا ثقيلًا على الإنتاج من ناحية وانخفاض إيراد المزارع من ناحية أخرى، التصنيع الزراعى هو الملجأ الوحيد لرفع القيمة المضافة للإنتاج الزراعى.
من المعروف أن دولًا عدة كانت تستورد القمح، أصبحت مصدرة له بعد أن حققت اكتفاءها الذاتى، مثل الهند والصين وروسيا، والآن تحولت مصر إلى أكبر دولة مستوردة فى العالم، ما يمثل خطورة اقتصادية لها، لأن القمح محصول استراتيجى يستخدم كورقة ضغط للتأثير فى القرار السياسى وتهديد الأمن القومى، ويقدّر محللون اقتصاديون وجود مخطط لعدم تحقيق الاكتفاء الذاتى منه، ويوضحون أن اتفاقات المنح والقروض التى تقدمها واشنطن، تنص على ألا تستخدم فى كل ما من شأنه تحقيق الاكتفاء الذاتى لمصر من القمح،
واختتم «عامر» أن أهم الأسباب أننا أهملنا إفريقيا تماما، وبالذات دول حوض النيل، والذى أدى إلى الانتقاص من الدور الريادى فى مصر، وإلى تسلل بعض القوى الإقليمية الأخرى إلى هذه الدول متبنية أجنداتها الخاصة، والتى فى كثير من الأحوال تتعارض مع مصالح مصر العليا، بل فى كثير من الأحيان تتبنى استراتيجية عدائية لمصر، مثل ما يقوم به العدو الصهيونى فى هذه الدول.