الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

ركاكة حماس وأكاذيب طهران

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
وثيقة «حماس» تؤخذ عليها مآخذ كثيرة: على ركاكتها وتعثّرها وتناقضها الذاتيّ، وعلى ما تنويه قيادة «حماس» من ورائها، لا سيّما فى ما خصّ العلاقات الفلسطينيّة – الفلسطينيّة. شيء واحد ينبغى ألاّ تُنتقد عليه. هذا الشيء تحديدًا هو أكثر ما تعرّض للهجاء: إنّها تتراجع نحو القبول بدولة على حدود الـ ٦٧. إنّها تتكيّف مع التغيّرات الإقليميّة والدوليّة.
التكيّف مع المحيط والعالم والتغيّرات ليس عيبا. إنّه، من حيث المبدأ، فضيلة. الابتعاد عن «الإخوان المسلمين» هو أيضًا فضيلة أخرى، الشيء نفسه يصحّ فى اعتبار أنّ الصراع هو مع إسرائيل، لا مع اليهود.
صلب الموضوع هو التراجع إلى القبول بدولة على حدود الـ ٦٧، لا بأس بأن نراجع تاريخنا ووجهته قليلًا:
حين أغرت العروبة السوريّة جمال عبدالناصر، أقام دولة الوحدة بين «الإقليمين» بوصفها الكمّاشة التى ستخنق إسرائيل، تحرير فلسطين صار الرياضة الوطنيّة لدولة الوحدة، انفصال سوريّة فى ١٩٦١ لم يردع صاحب الكمّاشة عن التلويح بها، هزيمة ١٩٦٧ وحدها كان لديها أثر الصحوة عليه،عبدالناصر الذى خسر أرضه وهيبته لم يعد يريد أن يحرّر فلسطين. لقد وافق على مشروع روجرز والقرار ٢٤٢. ياسر عرفات بدأ، قبل ١٩٦٧، يصنع كمّاشته. هو أيضًا يريد أن يحرّر فلسطين من الداخل والخارج معا. سنوات وحروب وتجارب مرّت قبل أن يستقرّ على مطلب الدولة فى الضفّة الغربيّة وقطاع غزّة، بعد ذاك كانت مدريد وأوسلو.
«اليسار الفلسطينيّ» الذى ألحّ على إقامة «هانوى العرب» كى تكون قاعدة لتحرير فلسطين، باشر تراجعه المديد والتصاعديّ بعد هزيمته المُرّة فى الأردن عام ١٩٧٠، يومذاك، ولاستيفاء شروط التحرير، أراد «كلّ السلطة – فى الأردن – للمقاومة». لاحقا، صار الشعار «إقامة السلطة على أيّ شبر يُحرّر من فلسطين».
هل يُفهم من هذه التجارب أنّ جميع المذكورين تحوّلوا، فى لحظة ما، إلى «خونة»؟ طبعًا لا، ما يُفهم هو، ببساطة، أنّ الاحتكاك بالواقع الفعليّ ينضّج من يحتكّ ويتعلّم: يتخلّى عن أوهام، يتعرّف إلى القدرات والأكلاف والممكنات، يكبر عقله، تكبر سنّه.
هذا التكرار الدائم للتجارب، للسير من التطرّف إلى الاعتدال، ليس عديم الدلالة.
«حماس» الآن تفعل، بطريقتها، ما فعله السابقون؛ لقد عرفت أكثر ممّا كانت تعرف، طبيعة القدرات والاحتمالات، ومواقف العالم الخارجيّ المؤثّر، وفقدان القضيّة الفلسطينيّة كلّ مركزيّة تُنسب إليها، اليوم، وبغضّ النظر عمّا تنتهى إليه تلك القضيّة، لن يكون لذلك أيّ تأثير على العراق واليمن وليبيا، بل على سوريّة المجاورة، «القضيّة المركزيّة» فقدت التأثير فى محيطها، إنّها إذًا ليست مركزا، هذه ليست «مؤامرة»، إنّها واقع.
انهيار سلام أوسلو يشجّع السينيكيّة واليأس، هذا مفهوم، مضيّ إسرائيل فى سياسات الاستيطان والتطرّف والعجرفة يفعل الشيء نفسه، لكنّ الكلام عن صعوبة السلام لا يجيز الكلام عن سهولة الحرب.
لقد انتصب مجدّدا، فى مواجهة الوثيقة الجديدة، تحالف الأبله والكذّاب. الأبله ينطح الصخر، مرّة بعد مرّة، وينطحنا معه، لا يكبر ولا يتعلّم من التكرار الذى تقول الأمثلة إنّه يعلّم الحمار.
الكذّابون قضيّتهم أعقد وأخطر، فيهم البعثيّون، العراقيّون بالأمس والسوريّون دائمًا، الذين نعرف مدى إسهامهم فى الصراع مع إسرائيل. فيهم «حزب الله» الذى كلّما أرسل كتيبة أخرى إلى سوريّة زادت حماسته اللفظيّة لتحرير فلسطين شبرًا شبرًا، وفيهم، طبعا، المصالح والتنظيمات المنافسة، وأصحاب الأنا المتضخّمة فى عالمها السرّيّ.
أمّا عرّاب الكذّابين اليوم فليس سوى إيران ومشروعها فى المنطقة.
حصاد هذا التحالف بين الأبله والكذّاب تجارب تكسر القلب، ضحاياها الفلسطينيّون أوّلًا، والمجتمعات المحيطة بفلسطين ثانيا، وسويّة العقل والوعى دوما، من يحترم هذه المعاناة المديدة ويريد وقفها مُطالَب بقول الحقيقة الجارحة، مُطالَب بمصارحة سواه بأنّ فلسطين لن تعود، بأنّ المهمّ وقف الاستيطان وإحراز دولة فلسطينيّة، لكنْ حتّى هذا المطلب يزداد صعوبة، وسيزداد أكثر كلّما ارتفعت لدينا أصوات كصوت نعيم قاسم، نائب الأمين العامّ لـ «حزب الله»، الذى لا يريد أقلّ من فلسطين «من البحر إلى النهر»!.
نقلا ًعن الحياة اللندنية