الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

مقام سيدي الصابون أبوريحة

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
عندما يُصدق مئات أو حتى عشرات المواطنين أن الرمال التى تهب منها رائحة طيبة، هى رمال مباركة، وتستحق الصراع من أجلها والسعى نحوها والتزاحم حفرًا وتعبئة ونقلًا لتلك الرمال فى أكياس قد يستخدمونها كهدايا ثمينة للأقارب والأصدقاء، عندما نقرأ عن تلك الواقعة بينما يبحث غيرنا عن حقيقة وجود حياة على كوكب المريخ، سوف نعرف حجمنا الحقيقى كمجتمعات عاشت ولا تزال على الخرافة، تبحث عن الوهم ليعوضها عن صعوبة الواقع، تكره العلم وتستسهل البركة والمعجزات.
تصرف المواطنين فى العاشر من رمضان لم يكن خروجًا عن القاعدة التى يؤسس لها تعليمنا وإعلامنا وثقافتنا بشكل عام، فتصرف الأفراد هو انعكاس لما تبثه نُخبتنا من شاشات الفضائيات إلى المنابر إلى فصول الدرس، الرمال ذات الرائحة التى ظهرت فى المجاورة ٦٦ بالعاشر من رمضان هى مجرد عنوان فرعى يقع أسفل عنوان عريض ترسخ منذ أربعين عامًا مع عودة المغتربين من سفرهم للعمل بالسعودية وتشبعهم بصوت البادية، وتزامن ذلك مع الرئيس الذى سمى نفسه بالرئيس المؤمن، مع خدعة برنامج العلم والإيمان الذى رعاه الإعلام الرسمى، وكان درة التاج زغلول النجار وهلاوسه بجريدة الأهرام فى زمن مبارك.
المدهش فى حكاية رمال مصنع العاشر من رمضان، هو أن المهندس أحمد عبدالمولى نائب رئيس جهاز مدينة العاشر من رمضان، قد أعلن أنه تم أخذ عينة من الأرض وتحليلها بمعرفة الجهاز وتبين أنها مشبعة بمواد منظفات لوجود مصنع للشامبو ومستحضرات التجميل فى المنطقة الصناعية B٢، وأن المصنع قد قام بإلقاء بعض المواد فى تلك المنطقة مما سبب انبعاث تلك الروائح الطيبة، ومثار الدهشة هنا هو أن جهاز مدينة العاشر المحترم لم يعلن لنا أنه تم اتخاذ الإجراءات القانونية ضد المصنع الذى اعتدى على الأرض واستخدمها مكبًا لنفاياته مهما كان رائحة تلك النفايات معطرة، فالمعروف عن أن ألف باء الصناعة هو التخلص الآمن من المخلفات، وذلك لوجود كيماويات قادرة على سرطنة مجتمع بأكمله بدنيًا بعد أن نجحت سياسات الأنظمة المتعاقبة فى سرطنة المجتمع روحيًا ومعرفيًا، لدرجة أنه اندفع ليتبرك بحفنة رمال معتقة بمركبات الصابون.
الموضوع لا يرتبط ببساطة الواقعة ولكن بتداعياتها، الواقعة التى استمرت لساعات دفعت بعض المتشددين هناك إلى اللعب فى الماء العكر، حيث قال أحدهم لموقع إلكترونى إن تلك الأرض الطاهرة من وجهة نظره كان يتم تجهيزها لإقامة مسجد بالجهود الذاتية على مساحة ٣٠٠ متر منها، ولكن جهاز العاشر من رمضان لم يوافق على إصدار تراخيص البناء اللازمة للمسجد تحت دعوى أن الأرض سبق تخصيصها لإنشاء باركنج للسيارات، فضلًا عن وجود مسجد آخر قريب من تلك الأرض، وهنا يتجلى المتشدد ويقول إن إرادة الله أظهرت طهر هذه الأرض وبركتها وأحقيتها فى بناء المسجد.
هكذا معظم النار من مستصغر الشرر، وهكذا تدور الأحداث فى طول مصر وعرضها، يتراجع التقدم لحساب الفهلوة، يتراجع العلم لحساب الخرافة، نحتاج لا أقل من أربعين عامًا لتفكيك تلك الذهنية التى آمنت بالتراب المُعطر، نحتاج إلى بناء نسق علمى معرفى دون وجود نائب رئيس جهاز العاشر من رمضان الذى فسر الظاهرة ولم يعاقب المصنع المخالف، فالجريمة المركبة هى الإهمال متعدد الأوجه، الجريمة هى أن نخاف من المواجهة وأن نستسلم للواقع والقول بأنه ليس فى الإمكان أبدع مما كان.
مولد سيدى الصابون أبوريحة يحتاج إلى وقفة من علماء الاجتماع، ومن علماء الاقتصاد ومن خبراء الثقافة وأساطين الإعلام، ما حدث ليس نكتة نسمعها ونضحك وننصرف، ما حدث ضحكة مريرة يتبعها دموع.