الخميس 18 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

فصول سرقة التاريخ في "مدينة الشمس"

تراث الفراعنة فى أيدى اللصوص

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
قبل أسابيع قليلة اتجهت الأنظار صوب منطقة المطرية؛ حيث انشغل الرأى العام بتفاصيل قصة انفصال رأس تمثال رمسيس عن جسده، أثناء استخراج البعثة الألمانية التمثال من باطن أرض المسلة أو مدينة (أون القديمة)، فى هذه الأجواء، لم يكن غريبًا أن يتجدد الحديث عن تعرض تلك المنطقة لنهب كنوزها والعبث بمحتوياتها الأثرية والتاريخية، عبر الحفر خلسة تارة، والسطو عليها والبناء فوق المدينة الأثرية ومعابدها تارة أخرى.
«البوابة» التقطت الخيط وغاصت فى أعماق المنطقة المهملة بفعل فاعل، ورصدت بالصور حجم الكوارث التى تفوق قدرة العقل على التصور، فالعبث وصل مداه والوقائع تثبت عمليات النهب والسرقة، التى تعرضت لها المنطقة خلال عقود عدة دون أن يلتفت إليها أحد، كما أنها تفك شفرة لغز الآثار المنهوبة واستخراج المومياوات من التوابيت، بما يؤكد تعرض المنطقة لأعمال الحفر والتنقيب والوصول إلى المقابر الفرعونية.

الحكومة تبنى مدرسة ومركز شباب فوق مدينة فرعونية بالمخالفة للقانون
التوابيت المسروقة منتشرة فى شوارع «المطرية»
التوابيت الحجرية تحولت إلى معالف للماشية وبعضها ملقى فى المقابر .. «الآثار» تؤكد وجود معبد تحت منطقة «المسلة» بكامل محتوياته وكنوزه.. الأهالى يروون قصص بيع «المساخيط».. والتنقيب عن الآثار طريق الثراء السريع لأصحاب شركات العقارات
عندما تدخل منطقة المسلة، لا ترى من أول وهلة إلا مسلة واحدة، تقف شامخة على مر العصور شاهدة على عظمة تلك المدينة الفرعونية وحضارتها، لكن سرعان ما تختفى وسط الزحام والأدخنة المتصاعدة من وسائل المواصلات المتهالكة فى الحى الشعبى، وإذا سألت أحد المارة من قاطنى تلك المنطقة أين المسلة الفرعونية تجد الجميع بكل ثقة يقومون بوصف الطريق إليها، وإذا ترجلت حوالى ٤٠٠ متر تجد المنطقة التى خرج منها رأس تمثال الملك رمسيس الثانى أو بسماتيك مؤخرا تحظى بهالة وقدسية من الاحترام للمكان، وتجد منزلًا من الخوص والخشب والطوب الأحمر بجانب الموقع مخصص لأفراد البعثة الألمانية التى تشرف على عمليات التنقيب فى المنطقة منذ سنوات عدة.
المنطقة تعوم فوق مدينة تاريخية، اسمها «أون»، أى ذات العمدان، وتعنى بالمصرية القديمة مدينة الشمس، وبالإغريقية هليوبوليس، كما سمّاها اليونانيون، تقع فى ضاحية مصر الجديدة شمال شرق القاهرة، وبالتحديد بمنطقة المطرية؛ حيث تقف مسلة من الجرانيت الأحمر خلف المنازل، وهى المعلم الوحيد الظاهر من مدينة عمرها سبعة آلاف سنة.
هى كانت مركز عبادة الشمس وهى مدفونة تحت الأرض بضاحية عين شمس؛ حيث تقع معابد المدينة فى منطقة تبلغ مساحتها ٥٤ فدانًا، وتضم آثار معابد ومكتبات للفلسفة وعلوم الفلك والرياضيات.
ووفقًا للمعتقدات المصرية القديمة، المدينة هى الموقع الذى بدأت فيه الحياة، كما أنها تسجل عصور العديد من الأسر التى حكمت مصر وتعطى صورة أوضح لمدينة «أون» من الصورة التى أظهرتها المقابر التى عثر عليها فى شرق عين شمس، والتى لا تشير سوى إلى من أقاموها؛ حيث عثر على كنوز عدة يجرى ترميمها حاليًا مثل مقبرة أحد كهنة الأسرة السادسة والعشرين (ما بين عامى ٦٦٤ و٥٢٥ ق. م)، والموقع أرض غير مستوية تتناثر فوقها التوابيت الحجرية المحطمة ذات النقوش والرسومات الفرعونية.
التوابيت الحجرية هى البداية التى قادت لاكتشاف عمليات النهب، فالتوابيت الحجرية هى الغلاف الخارجى الذى اعتاد المصريون القدماء الاستعانة به لحماية التوابيت الخشبية التى توضع بها المومياوات، وتناثرها بالمنطقة يؤكد حقيقة سرقة محتويات التوابيت فى أوقات سابقة، فهذه التوابيت الحجرية تحولت على أيدى البعض من أهالى المنطقة إلى معالف للماشية «يوضع بها التبن والعلف»، فضلا عن أن بعضها تم تفريغه من محتوياته وإلقائه فى المقابر الملاصقة لأرض المدينة الفرعونية.
لا ينكر العقلاء من أبناء المنطقة عمليات النهب التى جرت فى العقود الماضية، فمنهم من روى لنا عن تجارة المساخيط والجعارين بقروش قليلة، حيث كان بعض الفقراء يجمعونها من المنطقة بعد عمليات حفر بسيطة ويجمعونها فى أجولة ويبيعونها للأطفال ممن لا يعرفون قيمتها وأهميتها، بالضبط مثل بائعيها.
لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، فالمغامرون زحفوا على المنطقة وأقاموا العمارات الشاهقة عليها بعد الحفر والتنقيب أسفلها، فحدثت طفرة من الثراء لكثيرين من أبناء المنطقة دفعت للتكهنات حول تورطهم فى نهب الآثار وسرقتها. التقينا طارق زنبوعة، أحد أبناء المطرية، الذى أكد ثراء تلك المنطقة بالآثار الفرعونية المتنوعة على مر العصور، مضيفا أنها منطقة مباركة بها العديد من الآثار والكنوز الشاهدة على عظمة مدينة الشمس الفرعونية أو مدينة أون، قائلا إن التمثال المكتشف مؤخرا من قبل البعثة الألمانية الذى يعتقد أنه يرجع إلى رمسيس الثانى أو الملك بسماتيك، هو ليس الأثر الوحيد الموجود بالمنطقة، بل هناك المئات من التوابيت والآثار القديمة النفيسة المتناثرة فى أرجاء المكان، ولم تجد حتى اللحظة أى اهتمام من قبل وزارة الآثار المصرية لحفظها وعرضها للعالم لتؤكد عظمة مصر والحضارة الفرعونية.
أما عن المنطقة ذاتها فحدّث ولا حرج، مساحتها ٥٤ فدانًا، هذه المساحة تعرضت عبر عقود عدة متتالية لأبشع أساليب العبث بداية من إهمال الجهات الحكومية وليس انتهاء بمحاولات السطو عليها واختطافها بأوراق مزورة، وادعاء ملكيتها لورثة وهميين لصاحب وقف أهلى، الأمر الذى كان مغريا ومشجعا للمغامرين ومافيا الاستيلاء على أراضى الدولة، الأرض مملوكة لهيئة الأوقاف المصرية، التى قامت بدورها قبل عقود عدة بتأجيرها كمزرعة لمصلحة السجون التابعة لوزارة الداخلية، لذا فهى مشهورة بين أهالى المنطقة بأرض المزرعة؛ حيث كان يعمل بها المساجين، ثم تركتها مصلحة السجون وأصبحت مرتعا لعمليات التنقيب والحفر خلسة، وقبل ٢٥ يناير ٢٠١١ تحولت بقدرة قادر إلى قبلة لمشاهير البيزنس وأصحاب شركات الاستثمار العقارى، وذلك فى الوقت نفسه الذى كانت فيه البعثة الألمانية تقوم بالتنقيب بالاشتراك مع خبراء الآثار المصريين، مما جعل وتيرة التكهنات تتنامى، حول إخلائها وتقسيمها وغير ذلك من الأحاديث المتداولة بين الأهالى، وعلى الرغم من أنها منطقة أثرية؛ فإن الحكومة وافقت على إنشاء مدرسة ومركز شباب، رغم أن القانون يمنع البناء على المناطق الأثرية.
بين هذا وذاك تظل قصة التوابيت هى اللغز فى جرائم سرقة آثار المنطقة أو مدينة أون، وبالرغم من أن عدد تلك التوابيت غير معلوم ولا توجد إحصائية رسمية أو غير رسمية بأعدادها؛ فإنها تؤكد حقيقة وقوع الكارثة، والشواهد على ذلك كثيرة، حيث يواصل طارق زنبوعة ومرافقوه القول، بأن الأهالى فى منطقة عرب الحصن وعزبة عاطف وعزبة شوقى المتاخمة لأرض المسلة، يقومون باستخدام التوابيت الحجرية الفرعونية كمخازن للعلف الحيوانى، ومسقى للمواشى، غير مقدرين أهمية تلك الآثار وقيمتها التى لا تقدر بثمن، مؤكدا أن وزارة الآثار لا تحرك ساكنًا لإنقاذ الآثار من الدمار، كما أن هناك العديد منها تشهد على عظمة الحضارة الفرعونية ملقاة فى وسط الحارات والشوارع بالمطرية ذات قيمة تاريخية كبيرة، كلوح الجرانيت الذى يصف معركة حربية لملك فرعونى وتمثال ذهبى اللون على شكل أسد رابض بجانب اللوح الجرانيتى، وأضاف قائلا: لماذا لا تجمع وزارة الآثار كل آثار المنطقة فى متحف يتم إنشاؤه فى المنطقة، خاصة أنه تم نهب وسرقة العديد منها فى الآونة الأخيرة، وبالتحديد فى أعقاب ثورة ٢٥ يناير لولا تدخلات وحماية أبناء المنطقة للحفاظ عليها قدر الإمكان آنذاك، مؤكدا أن البعثة الألمانية مكثت فى المطرية ما يقرب من ١٠ سنوات، واكتشفت العديد من الحفائر الأثرية بالمنطقة كمسلة الملك مرنبتاح بالإضافة إلى العديد من القطع الأثرية الأخرى.
من المواقف الطريفة التى شهدتها فى المنطقة هو اكتشاف مومياء تحت أحد المنازل بالمنطقة من قبل بعض الأهالى منذ حوالى ٦ سنوات فأصر أهل البيت على إقامة صلاة الجنازة على المومياء الفرعونية، الأمر الذى أثار سخرية الناس حول كيفية إقامة صلاة الجنازة على مومياء كافرة عمرها يعود إلى ما قبل الإسلام بآلاف السنين.
المعلومات الموثقة فى وزارة الآثار تؤكد حقيقة تاريخية، مفادها وجود معبد يقبع تحت المنطقة بكامل محتوياته وكنوزه، مشيرة إلى وجود دهليز فرعونى ضخم يؤدى إلى منطقة عين شمس ما زال مدفونا فى عمق الأرض، كما أن مئات الأفدنة والأراضى التابعة لوزارة الآثار بنيت عليها مساكن بشكل عشوائى بالرغم من التحذير بالمنع التام من البناء عليها، ولكن لا حياة لمن تنادى.
فيما قال أحمد البهتيمى، صاحب كشك: «الآثار هنا كتير جدا والناس عارفة ووزارة الآثار عارفة». وأكمل قائلا: «فيه مافيا لازم تتحارب عشان آثارنا بتتنهب وبتسافر بره البلد».
فيما أكد ياسر أحمد، سيطرة البعثة الألمانية بقيادة مستر «ألن» على المنطقة، ولكن هناك تباطؤًا غريبًا من جانب البعثة فى استكمال عمليات الحفر والاستخراج للآثار المدفونة فى مختلف أرجاء المنطقة قائلا: «بعثة ألمانية مش مصرية بقالها ١٠ سنين بتعمل إيه؟! متقنعنيش أنها موجودة ده كله واكتشفت بس راس التمثال ومش راضية تطلع الآثار اللى الأهالى أرشدوا عنها».

من تخصيب اليورانيوم إلى استحضار الجن
الزئبق الأحمر.. كذبة النصابين لاصطياد المغفلين
الأهالى: يشفى من كل الأمراض.. ويقهر الجن الحارس على مقابر الفراعنة
تنامى الحديث عن الزئبق الأحمر، هو اللغز الذى يقف وراء الهوس فى البحث عن التوابيت لاستخراج المومياوات بهدف الحصول على الزئبق الأحمر، هو مادة ذاع صيتها منذ عقد الثمانينيات من القرن العشرين، وما زال الكثير يؤمنون بوجودها رغم عدم تحديد ماهيتها أو تركيبتها على وجه اليقين، تعود شهرة هذهِ المادة إلى المزاعم الكثيرة التى راجت حول استخداماتها الكثيرة فى صناعة عدد من الأسلحة المختلفة، ما أثار المزيد من الشكوك حول صحة وجودها، فمثلًا يزعم مروجو الحديث عنها، أنها تدخل فى صناعة الأسلحة النووية، أو أنها توفر طريقة أسهل لصنع القنابل الاندماجية عبر تفجير مادة الزئبق الأحمر، موفرةً بذلك ضغطًا شديدًا يؤدى لبدء التفاعل النووى الاندماجى دون الحاجة لوقود انشطارى يتم تفجيره نوويًا.. أولًا لتوفير الضغط اللازم، كما أشارت مزاعم أخرى إلى أن الزئبق الأحمر يمثل مفتاح نظم توجيه الصواريخ البالستية السوفييتية أو حتى مزاعم بأنه البديل الروسى المستعمل لتقنية الطلاء المضاد للرادار فى طائرات الشبح.
ولقد ضبطت عينات من الزئبق الأحمر من قبل تبين فيما بعد أنها ليست سوى أصباغ حمراء أو مساحيق لا قيمة لها، ويعتقد البعض أن بعض عمليات بيع تلك المواد تمت بشكل متعمد من قبل أجهزة أمنية بهدف الإيقاع بمهربين للمعدات والمواد النووية؛ حيث ينسب البعض اختلاق قصة الزئبق الأحمر إلى وكالات مخابرات الاتحاد السوفييتى السابقة أو إلى وكالات حكومية أمريكية.
من بين أبرز المزاعم حول استخدامات الزئبق الأحمر، أنه يدخل فى صناعة القنابل الاندماجية، إذ يستعمل كمفجر ابتدائى بديل عن الوقود الانشطارى المستخدم فى القنابل الاندماجية، وقد أيد هذا الزعم الفيزيائى صامويل كوهين مخترع القنبلة النيوترونية، إلا أن هذا الزعم يتعذر تصديقه علميًا لأن أى تفجير تقليدى لمادة ما لن يقدم سوى طاقة غير كافية وضئيلة جدًا مقارنة بالطاقة التى يوفرها الوقود النووى الانشطارى.
وهناك زعم آخر انتشر فى عقد التسعينيات، هو أن الزئبق الأحمر يسهل عملية تخصيب اليورانيوم بدرجة عالية يتيح استعماله للأغراض العسكرية.
زعم ثالث شائع يقول إن الزئبق الأحمر ليس اسمًا حقيقيًا، وإنما اسم شيفرة code name يشير ببساطة إلى اليورانيوم أو البلوتونيوم، أو ربما إلى الليثيوم ٦، وهى مادة لها علاقة بالزئبق ولها لون يضرب إلى الحمرة بسبب بقايا المواد الزئبقية المختلطة بها، وهناك مزاعم أخرى عدة قدمتها صحيفة «برافدا» الروسية عام ١٩٩٣، كان من بينها استخدامات الزئبق الأحمر كطلاء للاختفاء من الرادار ومادة تدخل فى صناعة الرءوس الحربية الموجهة ذاتيًا.
فى عام ٢٠٠٩ راجت فى السعودية شائعة حول احتواء ماكينات الخياطة «سنجر» على مادة الزئبق الأحمر، ما أدى إلى تدافع البعض لشراء هذا النوع بأسعار هائلة، تراوحت مبررات الشراء بين مزاعم استخدام الزئبق الأحمر فى إنتاج الطاقة النووية، وحتى استحضار الجن واستخلاص الذهب واكتشاف مواقع الكنوز المدفونة، ونسبت شرطة الرياض إطلاق تلك الشائعات إلى عصابات نصب.
مزاعم كثيرة راجت حول دخول الزئبق الأحمر فى أعمال تحنيط جسد المومياء المصرية قديمًا. هذا الزعم يتبناه أبناء منطقة عين شمس، ويقولون، إن الزئبق الأحمر موجود وحقيقة واقعة ولا يوجد إلا فى مقابر الملوك والملكات، ويتم حفظه فى الجثة المحنطة، وله العديد من الاستخدامات كالشفاء من أى داء، وفتح ما يسمى بالرصد أو الجن الحارس على مقابر الملوك والشخصيات الفرعونية المهمة، إضافة إلى تزويد الجسم المحقون به بقوة جسدية وروحية هائلة.

لا تتعدى أعمارهم السبع سنوات
ذبح الأطفال إرضاءً لحارس الفرعون.. أبرز طقوس فتح المقابر
قال عادل شحاتة، أحد أهالى منطقة عين شمس، إن هناك ما يسمى الرصد أو الجن الحارس الذى يسخر من قبل الكهنة لحماية المقبرة الفرعونية الذى يستدعى قيام الشيخ باستدعاء ما يسمى الخدمة أو الجن الذى يسخره للتعامل مع الجن الحارس الذى يكون فى معظم الأحوال عاجزًا عن طرد الرصد، نظرًا لكونه جن مارد وهو أقوى أنواع الجن، ويصل الأمر فى بعض الأحيان لاستدعاء بعض السحرة ممن يقومون بأعمال سفلية للسيطرة وفتح الرصد، بل وصل الأمر إلى ذبح أطفال صغار لا تتعدى أعمارهم السبع سنوات على باب المقبرة إرضاءً للجن الحارس وحتى يتم طرده أو تنفيذ طلباته، وألا يعرض جميع لصوص المقبرة لأحداث يصفها البعض بأشياء غير مفهومة وغير منطقية، أو ما يسمى لعنة الفراعنة التى تصل كثيرا إلى الموت أو الانتحار.
مساخيط المقبرة
أكد حيدر العاصى، أحد الأفراد الذين شاركوا من قبل فى أعمال تنقيب أثرية، وجود ما يسمى بـ«المساخيط»، وهم عبارة عن خدم الملك أو الشخصية الفرعونية المهمة آنذاك، ويتواجدون بجانب المومياء المحنطة حول التابوت الحجرى لحمايته وخدمته بعد البعث والخلود مرة أخرى.
وأضاف العاصى: «يتراوح عدد المساخيط فى المقبرة الواحدة من ٥ إلى ٢٠ حسب أهمية الشخصية والعصر والمكان المدفونة فيه، ويتعدى أسعارهم عند التهريب فى حالة نهب وسرقة المقبرة من جانب اللصوص بملايين الجنيهات».
مهالك الفراعنة
هى الفخاخ التى نصبها من بنى المقبرة الفرعونية لحمايتها من السرقة والنهب على مر العصور، ويؤكد عادل شحاتة وجود فخاخ متنوعة ومختلفة منها الظاهر ومنها الخفى أو السحرى، وجميعها مميتة بشكل لا يرحم كمثل الوقوع فى بركة من حمض الكبريتيك السام أو هبوط سقف جرانيتى أو حجرى يزن بالأطنان على أحدهم أو خروج ثعابين سامة أو خنافس بالمئات دفعة واحدة تقضى على المتلصصين فى دقائق معدودة، ويسبق ذلك عبارات أو لعنات مكتوبة باللغة الهيروغليفية الفرعونية تحذر من الدخول وانتهاك حرمة المقبرة بأى شكل من الأشكال، فضلا عن الغازات شديدة السمية الموضوعة مسبقا أو نتيجة تكونها عبر الآلاف السنين.

للحفاظ على تاريخنا من الضياع
علماء وخبراء يضعون «روشتة حماية الآثار»
«الشماع»: ضرورة تنظيم محاضرات للمواطنين عن تاريخ البلد «ريحان»: عدم منح تراخيص بناء ملاصقة للمواقع الأثرية.. وتشديد عقوبة التنقيب عن الآثار
أكد المؤرخ المصرى بسام الشماع، أن الخطأ الأكبر الذى يرتكب مع الشعب فى ذلك الأمر هو عدم إعطائه الشعور الكامل أنه سليل تلك الحضارة، قائلًا: «إن المصرى يعامل كغريب فى آثاره غريب فى ماضيه وغريب فى حضارته». وأضاف الشماع: «أين دور الحكومة فى تثقيف أفراد المجتمع بأهمية وقيم الآثار بمختلف أنواعها وعصورها». مضيفًا أنه من الواجب على علماء الآثار إعطاء محاضرات مجانية لتثقيف كل أطياف الشعب، قائلًا: «يجب على وزير الآثار نفسه بتقديم محاضرات حول آثار بلدنا وعظمتها على غرار الدكتور زاهى حواس من قبل ذلك». مضيفا: «لماذا لا تقدم مثل تلك المحاضرات بشكل شهرى فى أماكن تتسع لأعداد كبيرة كاستاد القاهرة على سبيل المثال، ويجب التنويه دائما وبشكل مستمر على أهم الاكتشافات التى قامت بها وزارة الآثار والبعثات الأثرية بدلا من ترك مثل تلك الاكتشافات المهمة فى يد بعض وسائل الإعلام التى لا تعطيها حقها من حيث العرض المتكامل والسرد المفصل، وقدمت حتى الآن ١٣٩ محاضرة تطوعية فى ساقية الصاوى للشعب المصرى بمختلف أطيافه لتثقيفه وتوعيته بأهمية تلك الآثار»، مؤكدا ضرورة تشريع قوانين وتغليظها لمواجهة السلوكيات الخاطئة كالكتابة على الآثار واستخدامها بأشكال أخرى.
وطالب خبير الآثار الدكتور عبدالرحيم ريحان بمنهجية جديدة فى تعامل الدولة مع قضايا الآثار باعتبارها الأسس والركائز التى تستمد منها مصر هويتها، وهى مصدر اعتزاز المصريين بانتمائهم الوطنى والقومى، ومصدر فخرها وعزتها بين الأمم التى تعى جيدًا قيمة مصر بتاريخها وحضارتها العظيمة الخالدة.
وأوضح ريحان، أن المرحلة المقبلة تتطلب تبنى الدولة بكل مؤسساتها لقضايا الآثار باعتبار أن مسئولية حمايتها وتطويرها وتضمينها كمادة للتنمية، ومصدر رئيسى من مصادر الدخل القومى لا تقع فقط على عاتق وزارة الآثار، بل هى مسئولية وزارات عدة لها علاقة بذلك، وأولها وزارة الداخلية متمثلة فى شرطة السياحة والآثار، وهى فى حاجة إلى آليات جديدة ومعدات خاصة وتفويضات معينة لوقف أعمال التعدى وسرقات الآثار والحفر خلسة، وأن وزارة الإسكان منوط بها المساهمة فى إيجاد أماكن ومحلات بديلة للقاطنين بجوار المواقع الأثرية فى مبانٍ يزيد ارتفاعها عن الأثر نفسه وبشكل يشوه معالم الأثر ويهدد سلامته، وكذلك المحلات التى تمارس أنشطة تهدد الأثر بالحرائق أو السقوط.
وتابع ريحان: «المحليات عليها دور مهم فى حماية الآثار باستكمال شبكات المرافق بالمواقع الأثرية، وإصلاح الشبكات القائمة والمتسببة فى ارتفاع مناسيب المياه الجوفية ببعض المواقع الأثرية المحاطة بالسكان، وكذلك عدم منح تراخيص بناء ملاصقة للمواقع الأثرية ومراقبة تراخيص المبانى المرتفعة وإزالة المخالف.
وأشار ريحان إلى دور وزارة الثقافة المتمثل فى كيفية توظيف الآثار ثقافيًا لخدمة الحركة الثقافية والتوعية الأثرية وإنشاء متاحف تعليمية مع ضمان الحفاظ على الأثر، وكذلك حصر شامل لكل القصور التاريخية بمصر ووضع خطة لإعادة استغلالها كفنادق تاريخية تحقق أعلى الإيرادات كما هو معروف دوليًا، ويمكن لوزارة السياحة أن تسهم ممثلة فى هيئة التنمية وهيئة التنشيط فى تنمية المواقع الأثرية وتطويرها وإحياء طرق تاريخية مهمة لها زوارها دوليًا كطريق رحلة العائلة المقدسة ودرب الحج القديم إلى مكة المكرمة عبر وسط سيناء وقلاعه ومحطاته ما زالت باقية حتى الآن وإحياء السياحة الدينية الإسلامية والمسيحية، ولها مردود سريع داخليًا وخارجيًا، وهى ممثلة فى طريق الرحلة المقدسة للمسيحيين إلى القدس عبر سيناء وزيارات الأديرة ذات الشهرة العالمية كدير سانت كاترين ودير الأنبا أنطونيوس ودير المحرّق ودير العزب والآثار الإسلامية ممثلة فى القاهرة التاريخية.
وأكد ريحان أن الدولة مطالبة تنفيذيًا وتشريعيًا بمواجهة سرقات الآثار والحفر العشوائى بتعديل قانون حماية الآثار رقم ١١٧ لسنة ١٩٨٣ والمعدل بالقانون رقم ٣ لسنة ٢٠١٠، لتغليظ عقوبة تهريب وسرقة الآثار والتنقيب خارج نطاق وزارة الآثار لتصل إلى الإعدام مع تجريم حيازة الآثار، خصوصًا مع انتشار التنقيب العشوائى بشكل جنونى بغرض الحيازة ثم البيع للعصابات التى تقوم بتهريبها، ويطالب بتعاون وزارة الخارجية مع وزارة الآثار بالتقدم رسميًا عن طريق إدارة الملكية الفكرية والتنافسية بقطاع الشئون الاقتصادية بجامعة الدول العربية، وللمنظمة العالمية للملكية الفكرية (الويبو) بوضع الآثار كبند رئيسى ضمن الاتفاقيات الدولية لحماية الملكية الفكرية، والتى تتجاهل الآثار تمامًا فى تعريفها للملكية الفكرية بأنها خلاصة الإبداع الفكرى من اختراعات ومصنفات أدبية وفنية، ومن رموز وأسماء وصور وتصاميم مستخدمة فى التجارة، وبهذا فلا ينطبق على الآثار هذا التعريف إلا إذا اعترفت الدولة بأنه مصنف فنى مما يعطى لمصر الحق فى عودة آثارها بالخارج بصرف النظر عن طريقة خروجها شرعية كانت أم غير شرعية، كما يوفر لها حقوق مادية ومعنوية للملكية الفكرية ناتج عرض هذه الآثار بالمتاحف العالمية من وقت خروجها من مصر، وكذلك حقوق ملكية فكرية عن مستنسخات الآثار بالخارج مع حفظ حق مصر فى منع هذه المستنسخات ومقاضاة الدول التى تقوم بذلك.
ويضيف ريحان أن المادة ٣٢ من قانون حماية الآثار تنص على أن السلطة المختصة بأعمال التنقيب عن الآثار فوق الأرض وتحت الأرض والمياه الداخلية والإقليمية المصرية هى المجلس الأعلى للآثار، ويجوز للمجلس أن يرخص للهيئات العلمية المتخصصة والجامعات الوطنية منها والأجنبية بالبحث عن الآثار أو التنقيب فى مواقع معينة ولفترات محددة، وذلك بعد التحقق من توافر الكفاية العلمية والفنية والمالية والخبرة الأثرية، ويكون لهذه الهيئة حق النشر العلمى فقط للآثار المكتشفة، وتضمنت المادة ٣٥ أن تكون جميع الآثار المكتشفة التى تعثر عليها بعثات الحفائر العلمية الأجنبية والمصرية ملكًا لمصر.
ويتابع، أنه فى ضوء ذلك تقررت عقوبات للمخالف فى المادة ٤٤ من القانون بأن يعاقب بالسجن المشدد وبغرامة لا تقل عن خمسين ألف جنيه ولا تزيد على مائة ألف جنيه، كل من قام بأعمال حفر بقصد الحصول على الآثار دون ترخيص أو اشترك فى ذلك ويعاقب بالسجن المؤبد والغرامة التى لا تقل عن خمسين ألف جنيه ولا تزيد على مائة ألف جنيه، إذا كان الفاعل من العاملين بالمجلس الأعلى للآثار أو من مسئولى أو موظفى أو عمال بعثات الحفائر أو من المقاولين المتعاقدين مع المجلس أو من عمالهم.
ويطالب الدكتور عبدالرحيم ريحان بتشديد عقوبة التنقيب عن الآثار بشكل عشوائى وغير علمى ودون ترخيص من المجلس الأعلى للآثار لتصل إلى السجن المؤبد والإعدام لو كان من موظفى المجلس الأعلى للآثار، كما يطالب بتطبيق المادة ٤٣ من القانون نفسه التى تنص على أن يعاقب بالسجن المؤبد وبغرامة لا تقل عن ٥٠ ألف جنيه ولا تزيد على ٢٥٠ ألف جنيه كل من قام بسرقة أو حيازة أثر أو إخفائه أو جمع آثار بقصد التهريب أو اشترك فى ذلك مع علمه بالغرض؛ لأن كل المنقبين عن الآثار فى مصر يجمعونها بقصد التهريب.
كما طالب ريحان بعمل مسح شامل لكل آثار مصر المسجلة وخطوط التجميل الخاصة بها والأراضى الأثرية بقرارات ضم، وهى الأراضى التى تحوى آثار ثابتة ويضمها المجلس الأعلى للآثار لملكيته والأراضى الأثرية بقرار إخضاع، وهى الأرض التى تعتبر فى ملكية صاحبها لحين صدور قرار بنزع ملكيتها لصالح الآثار أو تسليمها لصاحبها بعد إخلائها من الآثار وعمل خرائط كاملة لهذه المواقع بإحداثيات، على أن لا يتم أى تخطيط عمرانى أو مشروعات جديدة دون العودة إلى خرائط الآثار وتكثيف الحراسات مع تسليح حراس الآثار، خصوصًا فى المناطق الصحراوية، وإدخال أحدث تقنيات فى مراقبة المواقع الأثرية المعرّضة للحفر خلسة بتزويدها بكاميرات مراقبة. وقال الدكتور محمد الكحلاوى، رئيس جمعية الأثريين العرب، إنه لا يجب وضع سور حول المناطق الأثرية أو القطع الأثرية المكتشفة فى مكانها الأصلى، معللا ذلك بأنه سيتحول من قبل بعض المواطنين إلى مقالب للقمامة، كما حدث من قبل عندما تم إنشاء سور حول مجرى العيون وتم استخدامه من بعض المواطنين لربط حيواناتهم كالأحصنة والحمير فيه، مضيفًا، بدلًا من التكاليف الباهظة فى بناء الأسوار الأخرى أن يتم تثقيف أهل كل منطقة أثرية التثقيف المتكامل وتوعيتهم بكيفية الحفاظ على آثارهم من عبث العابثين حتى يكون هناك نوع من الربط بين المجتمع والآثار.
وقال خبير الآثار ماجد الراهب: «يجب إدخال مسلة المطرية الفرعونية وشجرة السيدة مريم وباقى المنطقة فى الكردون الأثرى، ومنع أى عمليات بناء هناك، خصوصًا تلك المنطقة فهى كانت عاصمة أون الفرعونية، ولها شأن كبير فى العصر الفرعونى ويجب وضعها على الخريطة السياحية». وأكد الراهب أنه كان فى زيارة لمنطقة شجرة مريم، وقال: «الوضع هناك حاجة تكسف، المرافق معطلة والحمامات غرقانة بمياه الصرف وانعدام الصيانة نهائيًا، وتساءل: كيف نضع ذلك المكان على الخريطة السياحية لرحلة العائلة المقدسة وهو غير صالح؟!».
وأكد وجود بؤر واضحة تشهد السرقة والنهب بشكل كبير فى بعض المحافظات كالمنيا والبحيرة وقنا، مؤكدا أن الخطاب الدينى من بعض غير المتخصصين أو العارفين بحقائق الأشياء فى بعض مناطق الأرياف أو المحافظات يدعم تلك العمليات غير الشرعية، فبدلا من توجيه خطاب دينى يؤكد أهمية تلك الآثار وضرورة الاهتمام بها والحفاظ عليها وتسليمها إلى الجهات المختصة حال اكتشافها، نجد العكس، معللًا ذلك بأنه كنز أو ما يسمى مساخيط وأوثان يجب التخلص منها ببيعها والتكسب منها.
وقال الدكتور غريب سنبل، رئيس الإدارة المركزية للترميم، إن هناك توابيت جرانيتية فارغة بمنطقة المطرية غير مجمعة أو مخطط لنقلها إلى المتاحف أو المخازن، معللا ذلك أن تلك التوابيت ثقيلة للغاية وأحجامها كبيرة، ونقلها يعد كلفة باهظة، بالإضافة إلى أن مادة الجرانيت هى مادة صلبة للغاية، وتتحمل عوامل التعرية على مر السنين، فضلا عن تواجد حراسة أمنية من قبل شرطة السياحة والآثار للتل كله.
وأضاف: نمتلك ٣ مخازن كبرى للآثار، هى مفخرة لنا، وهى: المتحف المصرى الكبير، ومتحف الحضارات بمصر القديمة، وقصر المنيل. وأى اكتشاف أثرى يحتاج إلى الترميم أو الصيانة أو التخزين يتم حفظه فى أى مكان منها، مشيرا إلى أن أكثر فترة نُهبت فيها وسرقت متاحف وأماكن أثرية بشكل كبير هى فترة ثورة ٢٥ يناير. ونفى الدكتور محمود عفيفى، رئيس قطاع الآثار المصرية بوزارة الآثار، وجود آثار مهملة، وبالتحديد بمنطقة المطرية كالتوابيت الجرانيتية، مضيفًا أنه بالنسبة للتنقيب العشوائى من قبل الأهالى، فلا يمكن التصرف فى ذلك الأمر إلا بإذن أمنى، مؤكدًا، أن وزارة الآثار تقوم بدورها على أكمل وجه رغم العراقيل التى تجابهها فى الفترة الأخيرة. وأكد الدكتور جمال أحمد طه، الأستاذ بكلية الآداب قسم حضارة، ضرورة أن يعرف كل مواطن مصرى حضارة بلده العظيمة، سواء التراث الفرعونى أو القبطى أو الإسلامى أو الحديث أو غيرها، قائلا: «المعرفة بالشيء هى المفتاح الأول للحفاظ على الآثار من التلف والنهب، وعلى الرغم من مجهودات وزارة الآثار والمفتشين التابعين لها، فإن هناك بالتأكيد عمليات تنقيب غير عشوائية من بعض الأهالى طمعا فى المكسب».
وقال بهجت فانوس، المدير السابق للمتحف القبطى، إن وزارة الآثار أصبحت لا تلعب دورًا فعالًا كما كانت سابقا، وأضاف: «أنا كنت شغال قبل المعاش فى تل العمارنة ولم يكن يوجد إلا غفير واحد، ربك حارسها بس، وفى فترة الخمسينيات كانت هناك قوانين تسمح للبعثات الأثرية فى حالة اكتشاف آثار أو حفريات أن تأخذ النصف وتترك النصف، أما الآن فألغيت تلك القوانين، مؤكدا أن البعثات تترك خرائط كاملة بكل عمليات التنقيب بشكل مفصل».
وقال الدكتور محمد حمزة، وكيل كلية الآثار بجامعة القاهرة، إن ترك بعض الآثار مهملة دون حفظ فى المخازن أو إقامة سور لحمايتها تعد جريمة فى حق الوطن؛ لأنه من الممكن أن تكون النقوش المحفورة على التابوت أو الأثر تحتوى على نظريات أو علم غير موجود مسبقًا، مما يمكن أن يغير الكون وفكر العالم كله، مستنكرًا دور وزارة الآثار فى تلك الأمور.
وطالب حمزة بفصل شرطة السياحة عن الآثار، وتخصيص بعض من خريجى الآثار وتدريبهم لمدة عام فى أكاديمية الشرطة لزيادة الرقابة على المناطق الأثرية وحمايتها من النهب.

أثناء حكم الدولة العلوية والاحتلال
«البعثات الأوروبية».. طريق اللصوص للوصول إلى الكنوز
صموئيل بيرش: ٤٢ مليون مومياء مصرية خلال ٢٧٠٠ سنة.. عائلة «عبدالرسول» الأشهر فى تجارة الآثار.. محمد على يهدى مسلة إلى فرنسا وأخرى إلى بريطانيا
تتباهى الأمم بحضاراتها وتاريخها الذى يجسد مراحل التطور الثقافى للشعوب على مر التاريخ، إلا أن هذا الاعتقاد تبدد فى بلدنا وصار من المأثورات التى نرددها على ألسنتنا، دون أى جهد للحفاظ على تراثنا الإنسانى وآثار أجدادنا، فوجد اللصوص الفرصة سانحة أمامهم لسرقة المقابر والعبث بمحتوياتها.
السرقات بدأت مع نزول بعثات الكشف عن الحفائر القديمة، التى سمح بها حكام مصر من خلال أعمال التنقيب، وكان معظمهم من البريطانيين والفرنسيين وقت أن كانوا أصحاب سلطة الحماية على البلاد، فى أعقاب الاحتلال الفرنسى عام ١٧٩٨ وإبان الاحتلال البريطانى عام ١٨٨٢. فى تلك الأثناء وفدت إلى مصر جحافل من المغامرين واللصوص والمهربين والتجار، الذين صاحبوا بعثات التنقيب متخفين تحت عباءة قناصل الدول وعلماء للآثار، واتجه المغامرون الأوائل إلى سرقة المومياوات التى وجدوها أمرًا متاحًا، وبحسب المعلومات المتداولة فى وزارة الآثار ولدى العلماء المتخصصين فى هذا المجال، فقد أحصى بعض العلماء ومنهم «صموئيل بيرش»، الذى كان يشغل منصب، الأمين السابق للقسم الشرقى بالمتحف البريطانى عدد المومياوات بـ ٤٢ مليون مومياء، خلال ٢٧٠٠ سنة، من التاريخ المصرى. والمومياوات المصرية القديمة وجدت رواجًا فى أوروبا، أوائل القرن الماضى بعد أن نقلها المغامرون عبر الحدود وتم العبث بها.
كان أول ظهور للصوص الآثار أثناء تولى المماليك حكم مصر باسم السلطان العثمانى، أما اللص فهو أسقف بريطانى اسمه ريتشارد بوكوك الذى زار مصر عام ١٧٣٧، وذهب إلى مدينة الأقصر وكان ينزل المقابر بسلم من الحبال ويأخذ منها ما يريد. فى ذلك الوقت كان الأهالى يعتقدون أن الوافد الأوروبى ساحر ولديه قدرات خارقة فى التواصل مع الجن، كما أنه يستطيع بسحره أن يعثر على الكنوز ويرحل بها، دون أن يعترضه شىء، وعندما تأكدوا أنه ليس ساحرًا، بل مغامر ولص للآثار، هددوه بالقتل واضطروه إلى مغادرة البلاد.
لكن سرقة الآثار المصرية ونهبها تنامت على نطاق واسع بعد أن أصدر العالم والرسام الفرنسى دومينيك فيقان دينوف كتابه «وصف مصر» فى ٢٤ جزءًا، مما جعل العالم يهتم بمصر، فوجد اللصوص ضالتهم، وأصبحت مصر قبلة للمغامرين القادمين من البلدان الأوروبية فى عصر محمد على- بدأ عام ١٨٠٥- الذى كان حائرًا بين بريطانيا وفرنسا وخصومه فى الداخل وفتوحاته فى الخارج، لذا لم يكن لديه أدنى اهتمام بحماية الآثار، وذلك فى الوقت الذى انتهز فيه قنصلى بريطانيا وفرنسا الفرصة فأخذا يسرقان الآثار على نطاق واسع.
كما ظهر شخص يدعى بلزونى إيطالى الجنسية، جاء مع الحملة الفرنسية، لكن لم يعرف أحد حينها أنه أحد لصوص الآثار إلا بعد إصداره كتاب «حكاية» سنة ١٨٢٠، وروى فيه أنه أول شخص يدخل الهرم الثانى وينقل لمتحف فيزوليم بكامبردج جزءا من تابوت ضخم للملك رمسيس الثالث، كما روى قصته ومغامراته مع سرقة المسلات الفرعونية، ومنها أول مسلة سرقها ألقى بها فى النيل، ظنًا منه أن التيار سيجرفها إلى الإسكندرية، لكنها غرقت وسرعان ما أخرجها وهربها عن طريق البر.
وليس الأجانب فقط السارقين للآثار؛ فأشهر التجار المصريين المشهورين بسرقة الآثار هو محمد عبدالرسول الذى ساعد العديد من الأجانب للوصول إلى المقابر التى لم تكتشف، وظهر فى ذلك الوقت من هم يعيشون من كسب أرزاقهم على سرقة محتوياتها.
عرفت مصر إهدار آخر للآثار، يزيد من نزيفها، وهو الإهداء؛ حيث كانت توجد فى معبد الأقصر ١٣ مسلة، أهدى محمد على، مسلة إلى فرنسا نقلت عام ١٨٣١، وتوجد الآن فى ميدان الكونكورد فى باريس، وأهدى مسلة أخرى إلى ملك بريطانيا جورج الرابع عام ١٨٢١، لكنها لم تصل إلا عام ١٨٧٨ بعد رحلة طويلة، وقد رحبت مجلة «التايمز» بوصولها فى مقال طويل بتاريخ ٨ أكتوبر من ذلك العام، كما توجد مسلة ثالثة فى حديقة سنترال بارك فى نيويورك بالولايات المتحدة الأمريكية، وكل مسلة وزنها نحو مائتى طن، ولا توجد فى معبد الكرنك الآن سوى ٣ مسلات، أما التسع الباقية فيتوقع أنها هدمت أو سرقت.
ومن الهدايا للأجانب إلى الهدايا فى الداخل هناك حكايات كثيرة، فى عام ١٨٦٠، عثر الأهالى فى منطقة دراع أبوالنجا، بالأقصر على مومياء ملكة وعليها مجوهراتها، وأُبلغ النبأ إلى الخديو «سعيد باشا» و«مارييت باشا» مدير مصلحة الآثار وقتئذ، الذى أمر بحفظ الآثار، لكن مدير قنا نقلها إلى بيته، ولما جاء مفتش الآثار لم يجد إلا قليلًا من الحلى بينها سلسلة من الذهب يزيد طولها على متر أهداها الخديوى إلى إحدى نسائه.
وأول سرقة منظمة للآثار المصرية تعرضت لها آثار الملك توت عنخ آمون، وقام بها مكتشفها اللورد كارنافون ومساعده هوارد كارتر، عندما دخلا المقبرة بعد كشفها سرًا مساء يوم ٢٦ نوفمبر ١٩٢٢، وسرقا كل محتوياتها، وتوجد هذه القطع الآن فى متحف ميترو بوليتان بنيويورك، وذكر توماس هوفنج المدير السابق للمتحف، أن عدد القطع الأثرية المصرية الأصلية التى يضمها المتحف تبلغ حوالى ٣٥ ألف قطعة.
كانت مصلحة الآثار تتعامل مع المغامرين الوافدين للتنقيب، بطريقة القسمة، أى إعطائهم نصف ما يكتشفونه من آثار، وظل هذا النظام سائدًا طوال القرن التاسع عشر، حتى عام ١٩٥١ إلى أن ألغته الحكومة المصرية قبل الثورة.
كان اشتغال أسرة عبدالرسول بتجارة الآثار، وبخاصة الأخوين أحمد ومحمد عبدالرسول، اللذين كان لهما دور مهم فى الاكتشاف، فالصدفة البحتة وراء عثور الأسرة على مخبأ به موميات وأثاث جنائزى فى قاع صخرى عميق، ومنذ ذلك الوقت أخذ الأخوان فى نهب محتويات المخبأ بكميات محدودة، واستمرا على هذه الحال قرابة عشر سنوات متوالية، وقد هداهما ذكائهما الفطرى إلى هذا الأسلوب خشية أن يؤدى إغراق السوق بالآثار إلى هبوط حاد فى أسعار بيعها.
وكان السياح الإنجليز والأمريكيين على وجه الخصوص، يتهافتون على الآثار الصغيرة الثمينة التى تحمل شعارات ملكية، ونما إلى علم «ماسبيرو» عالم المصريات الشهير، نبأ هذه التجارة المريبة فأدرك أنها تعتمد على اكتشاف سرى كبير بوادى الملوك، وقد بنى ماسبيرو شكوكه على أساس أن بعض القطع المتداولة فريدة من نوعها كما أن بعضها مومياوات ملكية.