الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

إسلام البحيري.. من الأسد إلى الطفل!

الباحث إسلام بحيري
الباحث إسلام بحيري
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
• الشاب الباحث إسلام البحيري تاعب نفسه جدا، وتاعبنا معاه، بنقد مستمر وثورة دائمة ومعركة ضروس منذ سنوات مع جزئية من جزئيات التراث، مع سطر من سطور التفاسير القديمة، مع فقرة من فقرات الكتب القديمة، مع رأى من آراء علماء القرن الثانى الهجري، مع فتوى فقهية من فتاوى التراث، مع مروية من المرويات التى قالوا بروايتها عن النبي «صل الله عليه وسلم».
• وهذا الطريق ليس له أول وليس له آخر، وليس له فائدة أيضًا وأفنى أناس كثيرون قبل البحيري عمرهم وسوف يفنيه ويفنى من هو أكبر منه وسوف تبتلعه رماله الناعمة وتفاصيله اللانهائية، التي غرق وسيغرق فيها مجددا بالإضافة إلى أنه طريق يثير حساس المتدينين بشدة ويخدش إيمانهم ويصطدم بالأزهريين ويثير حنقهم ضده وهجومهم عليه.
• ثم ما قيمة تأكيدك لي طوال الوقت أن لباسي قديم، وموضة قديمة، وراحت عليه ومتهالك ومتداعٍ، وتأمرني بالكف عن ارتدائه معايبًا ومبكتًا، دون أن تقدم لي لباسًا جديدًا مبهرًا يسيل لعابي ويخطف عقلي ويولد لدى الشبق والولع بالجديد الوافد ويجعلني أتخلى عن القديم وأطرحه جانبًا وفورا؟ 
• لا جدوى من نقد القديم والثورة الدائمة عليه، دونما أن نقدم جديدًا للناس، لا جدوى من أن نظل نقول لهم ما لديكم لا يصلح ويجب أن تغيروه وتستبدلوه وتتخلوا عنه.
• كما أننا لا نرى أبدا أن التقليل من قيمة السابقين حل، ومحاولة الحط من قيمتهم وازدرائهم حل منجز لمصيبتنا، ولا نرى في الاكتفاء بنقد آرائهم علاجًا ناجزًا لكارثتنا التى تسبب كل هذا الإرهاب والذبح والتفجير. 
• نحن نرى ونلح ونطالب بالانقطاع التام مع آرائهم مع قراءة علماء القرن الثاني، ونشكرهم جدًا على ما اجتهدوا فيه وما قدموا من آراء وما بذلوا من جهد جهيد فى حدود علم وثقافة وحدود عصرهم البسيط. 
• ونطالب علماءنا ومفكرينا الأجلاء بأن يتحملوا مسئوليتهم التاريخية كما تحملها السلف، وأن يتحملوا عبء تقديم قراءة جديدة وتفسير جديد معاصر، وأن يتحملوا مسئوليتهم التاريخية كما تحمل السابقون وقالوا رأيهم وأدلوا بدلوهم ورحلوا عن دنيانا.
• قراءة تكف عن ترديد آراء السابقين، وتقديس آرائهم، قراءة معاصرة تفك أسر الدين من القالب العربى المحلى الذى وضعوا الدين فيه وألبسوه لباسًا عربيًا، وفرضوا عليه تصوراتهم وثقافتهم المحلية، فحولوا عاداتهم وتقاليدهم إلى دين، قراءة تطلق الدين الإسلامي إلى العالمية وتقدمه من جديد إلى العالم في قالب عصري. 
• وإياكم أن تظنوا أن تجديد الدين ممكن بعيدا عن الأزهر الشريف، حيث سيظل الأزهر هو الرافعة العالمية لذلك، وسيظل هو وحده أداة الأمة التى نملكها حصرا كى نصل إلى مرادنا، فمن يملك الأزهر الشريف بوزنه وتاريخه يملك الكثير، صدقونا يا أولى الألباب.
• لا تكتفوا بنقد التراث أو مراجعته. تجاوزوا ذلك وادخلوا إلى عمل جاد يتجاوز وصف الذات إلى الوعي بها، اتركوا نقد التراث للشباب وعلى مفكرينا أن يجتهدوا ويتحملوا عبء تقديم قراءة جديدة معاصرة، فعيب علينا أن نظل نردد آراء علماء قالوها منذ ١٢٠٠ عام مضت.
• يقسم الفيلسوف الألماني الكبير نيتشه، مراحل حياة الإنسان إلى ثلاث مراحل مختلفة: الجمل، الأسد، الطفل. 
• الأولى وهي التي يشبهها بالجمل، وهي المرحلة التي يحمل فيها الفرد آراء من قبله، ويظل يرددها دونما أن تكون له أي آراء تخصه أو أي آراء متولدة عن قناعاته هو فهو لم يوجد من بعد. 
• ثم ينتقل الإنسان إلى مرحلة يطلق عليها نيتشه مرحلة الأسد، وفيها وعبرها وخلالها يتمرد الفرد بشدة على كل ما ورثه من آراء وما وجده حوله من معتقدات وتقاليد وعادات، وما وجده حوله من أفكار وهى مرحلة مطلوبة ومهمة للغاية تتصف باستخدام العقل وإعماله طوال الوقت، لكنها لا يجب أن تطول وتستمر وتمتد، بل يجب أن ينتج عنها على الفور أن يدخل الفرد ويصل إلى رحابها للمرحلة الثالثة والأخيرة، مرحلة الولادة الحقيقية للذات والتي يخرج علينا فيها الفرد بآرائه هو، ومعتقداته هو، لا بآراء أجداده ومن سبقوه ومن علموه، وآراء الموتى وهي المرحلة التي يسميها نيتشه مرحلة الطفل، وهى المرحلة التى يولد فيها للفرد قناعاته هو وآراؤه هو ويكون فيها معبرا عن نفسه هو لا حاملًا لآراء الآخرين. 
• وإنى أرى أن الباحث البحيرى لم يصلها بعد، ولم يدخل إلى رحابتها بعد، فهو لا يزال قابعًا يتمرد وثائرا منفعلًا يتشنج، ومختنقًا يتألم ويؤلمنا معه، تسيطر عليه مرحلة الأسد التى طالت معه وتسببت فى سجنه وحنقه وانفعاله الدائم وضيقه المستمر. 
• وأنا هنا لا أقلل من قيمة النقد للتراث أبدا ولا أقلل من أهمية تكوين وعي علمي به أبدأ، فهذه مرحلة مهمة يعمل فيها الفرد عقله ويتمرد على سابقيه لكن إن لم ينتج عنها ميلاد جديد وآراء جديدة ورؤى جديدة ومشروع متكاملًا لتقديم قراءة معاصرة حديثة وبديلة لقراءة علماء القرن الثاني، فسنظل في حلقة مفرغة بين من يحرسون التراث ومن ينتقدون وينبشون فيه. 
• هذا ونرى أن الشاب الباحث إسلام البحيرى قد دخل إلى أتون هذه المعركة مع التراث دون جدوى، ونراه يحارب طواحين الهواء، ولن يفيد القضية التى يحلم هو وغيره بها وهى تجديد الخطاب الدينى إنقاذًا للدين ونصرة له وإنقاذًا للناس وحقن دمائهم. 
• إن الولوج لقضية كهذه يحتاج لكى تؤتي ثمارها وأكلها إلى استراتيجية حكيمة واضحة وثابتة ومدروسة، وتكتيكات تقدمني خطوات باتجاه الأهداف المرجوة. 
• فلا قذف الإمام البخارى والإمام مسلم والأئمة الأربعة وتسفيه آرائهم هو ما سيجدد الدين وما سيوقف الإرهاب والذبح إنما هى قراءة جديدة معاصرة علمية متمكنة تتعامل مع النص، وكأن الرسول صلى الله عليه وسلم ترك لنا القرآن أمس، وعلينا أن نفسره وأن نفك طلاسمه وفق نظرية معرفية علمية منضبطة وخطوات محسوبة، وعلم قدير وتعامل حاذق يصل لمعنى كل لفظ فى الاستخدام والمقصود الإلهى، لا يحمل النصوص ما لا تحتمل ولا يفسرها بناء على لسان العرب ومعجمهم وعاداتهم وتقاليدهم وثقافتهم. 
• فالنص وإن كان عربيًا ونزل على العرب أولًا وقبلًا، إلا أنه يجب إدراك أن العالم هو المخاطب وليس العرب حصرا، وأن النص معجز وأنه جاء على قاعدة اللا ترادف وأنه كلما زاد المبنى زاد المعنى، وأن تعامل الله مع الألفاظ واستخدامه وتوظيفه لها مغاير ومختلف عن استخدام العرب للغة.
• إن الإصرار على نقد القديم وتفنيده وازدرائه والاكتفاء بذلك ودون تقديم الجديد، مراهقة فكرية يجب أن يتجاوزها الباحث الرصين ليتحول إلى مفكر ومنتج.