الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

بوابة العرب

وزير الشئون الدينية والأوقاف الجزائرية لـ"البوابة نيوز": أدمجنا متورطين بأعمال إرهابية في المجتمع بقانون الوئام.. على الأزهر أن يبادر بنداء نحو الوسطية وتوحيد الخطاب الدعوي

وزير الشئون الدينية
وزير الشئون الدينية والأوقاف الجزائرى دكتور محمد عيسى
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
خلال زيارته الأخيرة لمصر، انتقد وزير الشئون الدينية والأوقاف الجزائرى دكتور محمد عيسى، البرامج والأعمال الفنية التى أبعدت الشباب عن دينهم، والتى ساعدت على تفكك الأسرة فى العالمين العربى والإسلامى، داعيًا إلى أن يقوم الأزهر الشريف بمبادرة لإطلاق نداء وسطى يقف العالم فيه من ورائه لاجتثاث التشدد.
كما دعا إلى التعرف والاستفادة من التجربة الجزائرية لمكافحة الإرهاب فى تسعينيات القرن الماضي، وتحويل المواجهات العنيفة وحصاد الدم والمعارك المسلحة إلى حوار وإصدار قوانين خاصة للمراجعة والمصالحة الوطنية بين الدولة، ومن لم يتورط فى جرائم يعاقب عليها القانون، كما وجه «عيسى» اللوم للمثقفين العرب الذين اكتفوا بالفرجة على مكافحة الدولة للإرهاب دون تدخل، واصفا هذا السلوك بالجبان.
عدد من الأسئلة والملفات فتحتها «البوابة» مع وزير الشئون الدينية والأوقاف، فإلى نص الحوار:

■ بداية اسمح لنا أن نستغل فرصة وجودكم فى القاهرة لنطمئن من خلالكم كمسؤول رسمى بالجمهورية، على صحة الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة بعد تزايد الأنباء عن تدهور صحته فى الفترة الأخيرة.
 - العالم كله يعرف أن فخامة الرئيس كان مريضًا وخضع للعلاج خارج الجزائر وعاد بعد أن تعافى من الوعكة الأشد، وهو الآن يتعافى شيئا فشيئا.
أما الآن ففخامة الرئيس مصاب بالتهاب رئوى منعه من استقبال ضيوفه، ونحن نتلقى الأوامر والقرارات من فخامة الرئيس، ويجتمع بنا فى مجلس الوزراء، ورغم هذا فهو يقود البلاد وفق مخطط ١٩٩٩ الذى بدأ به عهده لتحقيق السلام والأمن والمصالحة الوطنية واسترداد الجزائر لمكانتها الدولية.
وما يثار عن صحة الرئيس فى الصحف والمواقع الإخبارية لم يخرج عن نطاق الشائعات التى لم يسلم منها أى نظام وأى دولة.


■ نود إلقاء الضوء على التجربة الجزائرية فى مكافحة الإرهاب، كيف تحولت الحلول الأمنية إلى سياسية؟
- فى عام ١٩٩٢٢ بدأت بعض التنظيمات المتطرفة حمل السلاح ضد الدولة والمجتمع، وشهدت الجزائر مشاهد مأساوية جراء أعمال القتل والعنف خلفت مائة ألف قتيل جزائرى من جميع شرائح المجتمع من الرجال والنساء والشباب والأطفال ومن الجيش والإعلام، كما سقط فى تلك الأحداث أكثر من مائة إمام من فوق المنابر وهم يؤدون دعوتهم، وبعضهم قطعوا تقطيعًا.
وعندما تولى الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة مقاليد الحكم فى البلاد عام ١٩٩٢ بدأ ولايته الأولى بسن قانون عرف بـ«قانون الوئام»، وكانت فكرته أن يتم إدماج من تورطوا فى الانضمام إلى حركات أو تنظيمات إرهابية أو قاموا بأعمال إرهابية ويريدون التوقف عنها، ليتم اندماجهم فى المجتمع، وقد أراد بوتفليقة من هذا القانون إعادة النهوض بالبلاد وإنعاشها اقتصاديا بعد عشر سنوات عاشها الجزائريون فى الدماء والقتل أناء الليل وأطراف النهار.
أما فى عام ٢٠٠٥ فقد طرح الرئيس مشروع المصالحة الوطنية، وهى فكرة أشمل وأعم من «الوئام المدنى»، حيث طرحت فيها أفكار وأطروحات سياسية ليلتئم الشعب الجزائرى تحت مظلة الأمن والسلم، وقد قام الشعب بالاستفتاء على مشروع قانون المصالحة الوطنية والذى يعتبر المشروع التاريخى للرئيس عبدالعزيز بوتفليقة، وأقر الجزائريون القانون لأنهم لم يريدوا استمرار المواجهة سواء بين الجيش والإرهابيين أو مع الشعب، فاختاروا المصالحة لتكون الطريق للاندماج الاجتماعى ولتكون عوضًا عن الضرر.
 

■ شاركتم فى مؤتمر المجلس الأعلى للشئون الإسلامية فى مصر الذى عقد مؤخرا.. برأيكم ما دور القادة وصانعى القرار فى نشر السلام ومواجهة الإرهاب؟
 - للأسف الشديد، المثقفون والنخبة فى وطننا العربى يتسمون بالجُبن، وقد لاحظنا أن المثقف يأخذ وضع المتفرج على الصراع بين السلطة وهمجية الإرهاب، وطالما لم يتطوع المفكر بأن يكون طرفًا فى الصراع ويقوم بتحليل الظواهر ويقدم الحلول، فإن شيئا لن يتغير فى المجتمع.
فمثلا نرى أن المتشددين حاولوا اغتيال الأديب نجيب محفوظ لمجرد أنه قال رأيًا لم يعجبهم، وقس على ذلك فى بقية الدول، ففى الجزائر مثلا قتل أكثر من ١٥٠ إعلاميا كضحايا للإرهاب، وأنا هنا أحب أن أنوه بأن اندماج النخبة المثقفة فى الجزائر هو الذى أنجح المصالحة الوطنية، فقد قاموا بدور مهم فى توضيح الظاهرة وتحليلها عالميًا، كما أن السجال الذى حدث فى الإعلام وفى المساجد وفى الجامعات هو الذى دحض الأفعال الإرهابية، وكان السبب فى عودة حملة السلاح إلى المجتمع؛ لأن المثقف فضح الموضوع، ولكن اليوم نرى أن العالم العربى يشهد حالة انكفاء من المثقفين.
 

■ هل ترى أن مكافحة الإرهاب عصية على الحلول التقليدية فى ظل وسائل العصر المتطورة وانفتاح العالم بكونيته الجديدة؟
 - دعنى أذكر بأن الفضاء الكبير الذى يقدم الدعم المادى والدعم الفكرى هو الذي يقوم بفعل تجنيد الشباب وغيرهم للانضمام للتنظيمات الإرهابية.
ومن هنا فعلينا كحكومات وأنظمة أن نمنع وصول العناصر الجديدة من الشباب لتلك الحركات المسلحة والتنظيمات الإرهابية.
ولتحقيق ما سبق، ينبغى على الدول أن تسعى لتحسين أوضاعها الاقتصادية وتوفير فرص العمل للشباب وتشغيل الطاقات المعطلة فى المجتمعات، فنحن فى الجزائر أدركنا هذه الأبعاد وكانت موضوعة ضمن المصالحة الوطنية، والتى عدلت مسار أمور كثيرة لم تكن موجودة فى الحقبة الماضية، فقدمت الدولة قروضًا للشباب لمساعدتهم على إقامة المشروعات، كما ساهمت الدولة فى توفير فرص العمل والوظائف.


■ وسط غضب شعبى جزائرى طالعتنا مؤخرًا تقارير صحفية عن تغلغل المد الشيعى داخل الجزائر، وأن تقاربًا رسميًا بين الجزائر وإيران ربما يكون قد سهل ذلك.. ما حقيقة هذا الأمر؟
 - بداية أنفى أن هناك تقاربًا رسميًا بين الجزائر وإيران، وأن يكون هذا التقارب هو الذى ساعد على ما ذكرته من توغل شيعى داخل الجزائر، هذا بداية، ولك أن تعلم أن التبشير الشيعى لم ينقطع فى الجزائر منذ الثورة الإيرانية، ولكن قد يكون الطرح السياسى والرجولى ضد العدو الصهيونى من قبل الدولة الإيرانية وأذرعها من جماعات المقاومة، هو ما يدفع الشباب وبعض النخبة، لأن يؤيد توجهات إيرانية أو تنظيمات موالية لها هنا أو هناك، وشيئًا فشيئًا وقف الشباب بجانب المواقف التى تتقاطع فى أهدافها مع السياسات الإيرانية، فالأمر لا يعدو كونه أكثر من اقتناع سياسى وليس اقتناعًا عقديًا.
وأنا هنا أريد توضيح أن الأمر فى الجزائر ليس كما وضعه العراقى جعفر الصادق وادعى أن هناك تيارًا شيعيًا فى الجزائر.
ونحن فى الجزائر فى طريقنا لسن قانون يجرم من يعتقد عقيدة على غير التى عليها الجزائريون، كما يجرم القانون فعل استغلال الفقر لدى فئة معينة من فئات المجتمع لتغيير دينهم أو مذهبهم كما يحدث من قبل من يقومون بالتبشير المسيحى أو التبشير الشيعى.
وللأسف الشديد فإن هناك من يعمل على أن تكون الجزائر أرضًا للصراعات الطائفية.


■ وماذا عن الطائفة الأحمدية؟
 - الطائفة القاديانية الأحمدية موجودة فى الجزائر منذ السبعينيات، ولكن منذ أحداث ما عرف بـ«الربيع العربى» تسعى لأن تكون تنظيمًا عنقوديًا.
ولدينا مستندات رسمية تؤكد أنه فى عام ٢٠١١ قامت الطائفة بعقد مؤتمر سرى فى باكستان، وادعت أنه كان مؤتمرًا دينيًا، إلا أن أجهزة الدولة اكتشفت أن خلفية المؤتمر ليست دينية بل كان اختراقًا أمنيًا.
ونحن فى الجزائر منذ أسابيع لاحقنا عشرات من أتباع الطائفة وصل عددهم إلى ١٥٠ فردا، بعضهم سجنوا تمهيدا لمحاكمتهم، وذلك بتهمة الاختراق الأمنى ومحاولتهم الترويج لأفكار ضد الإسلام وجمع المال من المحسنين بدون ترخيص، ونشر وثائق بهدف زعزعة إيمان المسلمين والإساءة للرسول عليه الصلاة والسلام وإقامة شعائر دينية فى غير الأماكن المخصصة، وعلى خلفية ذلك أصدرت المحكمة قرارا بحق الموقوفين يقضى بوضعهم رهن الإقامة الجبرية.
 

■ تتعرض الجزائر خلال هذه الأيام لحملة هجوم غربية توحى بأن الجزائر ضمن «الدول غير الحرة» فى العالم بمؤشر الديمقراطية.. ترى ما مرجعية ذلك؟
 - هذه المنظمات لم تصدر يومًا عن الجزائر تقريرًا إيجابيًا، وبالتالى تقاريرها ليست مرجعًا بالنسبة لنا، ولكن التقارير التى تهمنا هى التى تصدر عن وزارة الخارجية الأمريكية.
وأذكر لك أنه فى الفترة التى عانى منها الجزائريون من الإرهاب كان يذبح فى القرية الواحدة ما بين ٣٠٠ إلى ٤٠٠ من الأطفال والنساء، وفى مشاهد بشعة كانت الجماعات الإرهابية تقوم بطهى الأطفال والأجنة فى الأفران وكانوا يبقرون بطون الحوامل والنساء ومشاهد أخرى لا يتحملها قلب، وبالرغم من ذلك كانت هذه المنظمات تكتب فى تقاريرها أن النظام الجزائرى هو من يغذى الإرهاب.


■ تعرض مسجد الجزائر الأعظم والذى يعد ثالث أكبر مساجد العالم وتتسع قاعة الصلاة فيه لـ ١٢٠٠ ألف مصلٍ وبه أكبر مئذنة فى العالم، لهجوم كبير بسبب تكلفته الباهظة، مليار دولار تقريبًا.. لماذا كان إصرار الجزائر على هذا المسجد؟
 - التسمية الرسمية هى «مسجد الجزائر»، فليس مقصودا أن يكون مسجد الجزائر الكبير، ولا مقصودا أن يكون أكبر ثالث مسجد بعد الحرمين الشريفين، ولا أنه يتسع لأكبر عدد من المصلين فى العالم كما ذكر البعض بأنه يتسع لـ ١٢٠ ألف مصلٍ، فكل هذه الأوصاف أوصاف كاريكاتورية.
كل ما فى الأمر أن الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة أراد أن يكون للجزائر معلم يؤرخ لفترة الاستقلال فكانت فكرة هذا المسجد، كما أن هناك من أرخ لفترات الخلافة العثمانية وفترات الاستعمار.
فهناك مساجد هدمت فى فترات الاستعمار وبنى مكانها كنائس، وهو ما فعله كاردينال لافيجريى، فأراد الرئيس أن يؤرخ المسجد للأجيال القادمة.
والمسجد يتكون من ١٥ طابقا ولا يتسع لأكثر من ٣٠ ألفا أو ربما ٦٠ ألف مصلٍ على الأكثر، وأهم ما يوجد فى هذا المسجد هو دار القرآن لتكون كلية علمية لدراسة القرآن وعلومه، والمركز الثقافى الإسلامى ليكون إشعاعًا ثقافيًا إفريقيًا، كذلك المكتبة المرجعية والتى تضم أكثر من مليون كتاب، وهناك ساحة للمسجد سيقام فيها حديقة يتجمع فيها الجزائريون، فالمسجد معلم للجزائر فى حقبة الاستقلال.
 

■ كان لك لقاء مع مرشح الرئاسة الفرنسية إيمانويل ماكرون، وأعلنت عقبه أن فرنسا يمكنها الاستفادة من خبرة الجزائر فى مكافحة الإرهاب.. نريد التوضيح وإطلاعنا على تفاصيل اللقاء، وما دار فى الغرف المغلقة؟.
 - ما دار فى الغرف المغلقة فلنتركه فيها، وعن لقائى بالمرشح الفرنسى إيمانويل ماكرون كانت زيارة طبيعية، إذ يعيش فى فرنسا ٥ ملايين جزائرى لهم حق التصويت فى الانتخابات الرئاسية الفرنسية، وكان من الطبيعى أن يتوجه المرشح الرئاسى إلى وزير الأوقاف الذى يؤثر فى هؤلاء الجزائريين، وقد ناقشنا طرق الوقاية من التشدد الدينى فى العواصم العالمية، وكيف يأتى الغرب إلى الجزائر للتعرف على تجربته فى مكافحة الإرهاب، وأن يكون هناك جسر مشترك لإصلاح منظومة الدعوة الدينية، كما أننا نقوم الآن على دراسة إرسال أئمة علي مستوي عالٍ يتم إيفادهم إلى فرنسا وغيرها من الدول.
 

■ لماذا لا يكون هناك مشروع موحد من قبل وزراء الأوقاف العرب أو وزراء أوقاف العالم الإسلامى لخطاب دعوى موحد تجاه القضايا والأزمات المشتركة التى يعانى منها المسلمون فى العالم؟
 - كانت هناك فكرة فى هذا الإطار فى دول اتحاد المغرب العربى، ولكن ما حدث فى دول ما عرفت بـ«الربيع العربى» عرقل هذا. ولكن أنا على قناعة أن يبادر الأزهر بنداء نحو الوسطية ويكون هو الرائد ليشد خلفه العالم كله من أجل توحيد الخطاب الدعوى لاجتثاث التشدد.


■ برأيك، إذا كنا فى حاجة إلى تجديد الخطاب الدينى، فعلى من تقع المسئولية؟
 - المسئولية تقع فى المقام الأول على وزارة الأوقاف، ولكن حين نتحمل مسئوليتنا جميعًا، فهناك مؤسسات أخرى تشترك فى المسئولية مثل الجامعة التى إذا سلكت مسلكًا سلبيًا نحو خطابها التعليمى والفكرى فمن المؤكد أنه سيكون سببًا رئيسيًا فى تراجع الخطاب الدعوى.