الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

"داعش" وإسرائيل.. والدعم الأمريكي الغربي المريب

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
بصرت وبحثت كثيرًا لكني لم أجد تفسيرًا يوضح سبب انزعاج بعض النخب السياسية والإستراتيجية من نبأ قبول إسرائيل لاعتذار عصابة داعش الإرهابية من وصول بعض صواريخها بالخطأ لمرتفعات الجولان السورية التي ما زالت تحت نيران الاستعمار الإسرائيلي.
ولعل سبب توتر وقلق بعض هذه النخب، يرجع إلى أن هذا القبول الإسرائيلي لاعتذار عصابة داعش الإرهابية يعطي غطاء واعترافًا بوجود كائن أو كيان في المنطقة العربية يسمى داعش. 
في الوقت الذى أعتبره أمرًا طبيعيًا يحدث بين عصابتين متطابقتين، لأن طبيعة الأمور الجغرافية والتاريخية تعكس مدى تطابق وتوافق العصابتين من حيث الخصائص والصفات والنشأة والأحلام المريضة بكلتا العصابتين الإسرائيلية والداعشية.
فقد قام الغرب بزرع الكيان الإسرائيلي عام ١٩٤٧ بقرار من الأمم المتحدة واعترف بوجودها كدولة وأيضًا الاعتراف بوجود الدولة الفلسطينية وانقسمت القدس بين الطرفين، الشرقية تتبع دولة فلسطين والقدس الغربية تتبع دولة إسرائيل.
وعلى الجانب الآخر قامت الولايات المتحدة وبعض الدول الغربية وبالتحديد بريطانيا بزرع ودعم جماعات الإرهاب وأهمها الجماعة الأم وهي جماعة الإخوان الإرهابية في مصر، وبعض الدول العربية التي خرج من رحمها كل الجماعات الإرهابية بأسماء مختلفة، وكان من أهمها داعش. التي نالت كل الدعم والمساندة المادية والمعنوية من الرئيس الأمريكي أوباما خلال ثورات الخراب العربي ٢٠١١ وانضمت معه بريطانيا الاستعمارية التي ترعى وتستقبل على أراضيها كل جماعات الإرهاب والمجرمين وتجار السموم والدعارة والسلاح وغسيل الأموال.
وتعيش المنطقة العربية الآن حالة من الصراعات العسكرية والفوضى والخراب، وما زالت بعض الدول الغربية تعمل على تقسيم الدول العربية وتحويلها إلى دويلات صغيرة، لتصبح إسرائيل هي القوة الكبيرة المهيمنة على الشرق الأوسط، بما يساعدها على تحقيق حلمها المتخلف في تكوين إسرائيل الكبرى من النيل إلى الفرات. تمامًا كما تسعى عصابة داعش والجماعات الإرهابية في تحقيق حلمهم المريض المتخلف في تكوين دولتهم الكبرى وسيطرتهم على دول العالم.
وفي هذا الإطار نجد تطابق فلسفة وأهداف جماعة داعش الإرهابية وجماعة إسرائيل الإرهابية، ويصبح قلق النخبة السياسية من قبول إسرائيل لاعتذار داعش ليس له محل في الاهتمام، لأنه أمر متوقع ولا غرابة في هذا بتاتًا.
إن السياسة الإسرائيلية التي تستهدف التوسع والاستيطان ما زالت تقدم على بناء المستوطنات في الضفة الغربية المحتلة، والاستمرار بدأب وإصرار على تنفيذ مخطط تهويد الكيان الإسرائيلي، بما يهدد عملية السلام في المنطقة ويعمل على نشر الفوضى والإرهاب، كما يؤكد بوضوح أن نواياها تجاه السلام في المنطقة غير خالصة.
 وأن سياستها الحقيقية تتمثل في زرع حقائق على الأرض من شأنها عرقلة أية مفاوضات مستقبلية بين الفلسطينيين والإسرائيليين.
وكما تكتوى الآن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بنار الإرهاب الذي زرعته في المنطقة العربية، لنشر الفوضى والخراب وتقسيم دولها، ستكتوي هذه الدول نفسها من الإرهاب الإسرائيلي الذي ما زال يعمل على تطوير قدراته النووية بعلم ومساندة ودعم فني وتقني من الغرب.
فعندما انقلب السحر على الساحر، طال الإرهاب العديد من الدول الغربية، وباتت تحاربه بكل قوة كرد فعل خائب وضعيف، وليس من موقع القوة والفعل والهيبة.
 والغريب أن الدول الغربية على علم بالدول الإرهابية التى تمول الإرهاب، وتقوم بدعمه ماديًا وعسكريًا، وإمداده بأحدث أنواع الأسلحة والمعدات، ويمكن الإشارة هنا إلى مثلث الشر في العالم بريطانيا وإسرائيل وقطر.
إن الحقبة الإرهابية التى يعيش فيها العالم سواء الإسرائيلية أو الداعشية سوف تكون مختلفة عن غيرها من الحقب الإرهابية، فبالنسبة لإسرائيل فهي لا تملك أساسًا يمكنها من إعطاء شىء إنسانى أو حضاري لمن حولها أو للتاريخ. 
فإسرائيل لا تملك أى واحدة من مقومات نشوء قوة إمبراطورية، إنها هي نفسها لا تملك الإحساس بأمنها، وهي لا تملك قوة إنتاج حقيقية، ثم إنها كيان عصبي بالطبيعة ليس أمامه غير سلاحين لبسط سيطرته الابتزاز، والإرهاب ورد الفعل الوحيد له هو الإرهاب المضاد أو تدمير الذات. وينسحب هذا الوضع على داعش والجماعات الإرهابية ولذلك سعت إسرائيل إلى امتلاك السلاح النووى.
ويعتبر جهاز المخابرات الإسرائيلية بتكوينه الأخطبوطى الخطير، قمة هذا الإرهاب الذى لم يكن دوره قاصرًا على مجرد جمع المعلومات من منطلق دفاعى لتحقيق الأمن القومى الإسرائيلى، وإنما تعدى ليعكس طبيعة وفلسفة الكيان الصهيونى فى التوسع والعدوان والإرهاب، مستخدمًا فى ذلك أقذر الوسائل وأبشعها لتحقيق أهدافه فى التخريب والإرهاب، والتصفية الجسدية للشعب الفلسطينى، والقيادات العربية، وخلق التوترات وإعداد المؤامرات داخل البلاد العربية وغيرها من بلدان العالم الثالث، والتحريض على أعمال العنف والتطرف، وارتكاب أفظع الأعمال داخل الدول الغربية والولايات المتحدة، وإلصاق التهم لمنظمة التحرير الفلسطينية أو لأى نظام عربى، بغية تحقيق الوقيعة وتدهور العلاقات بين الدولة، والعالم يرصد الآن الدور الخفى الذى تقوم به إسرائيل فى دعم ومساندة جماعة داعش والجماعات الإرهابية التى تهدد الأمن القومى العربى بالتنسيق والتعاون مع قطر وبريطانيا وتركيا.
ولقد كان من أخطر مهام جهاز المخابرات الإسرائيلية هو المساعدة فى بدء النشاط النووى الإسرائيلى فى مرحلة مبكرة للغاية بإنشاء القسم العلمى فى الهاجاناة برئاسة العميد يوحنان ديتنير، ثم بدأ عام ١٩٤٧ بتجنيد المئات من علماء الطبيعة والكيمياء ومهندسى الكهرباء والآلاف فى الشعبة العلمية، ثم انطلقت إسرائيل بخطوات واسعة نحو تطوير وزيادة قدرتها النووية حتى أصبحت سادس قوة نووية فى العالم.
وكان على إسرائيل أن تضمن عدم قيام أى دولة عربية بتبنى الخيار النووى حتى ولو كان مكرسًا للأغراض المدنية. فقامت إسرائيل بضرب المفاعل النووى العراقى، وتهدد بضرب المنشآت النووية الإيرانية التى كانت إيران تحاول إنشاءها للأغراض السلمية، ولذلك لم يتورعوا عن القيام بضرب أى منشأة نووية أو اغتيال أى عالم ذرة عربى، وهنا فإن الإجابة على سؤال من اغتال علماء الذرة العرب؟ تصبح مجرد تحصيل حاصل. فقد قام الموساد باغتيال علماء الذرة سميرة موسى، سمير نجيب، يحيى المشد، سعيد بدير، وآخرين تجمعهم صفة واحدة أنهم علماء ذرة عرب نبغوا فى هذا التخصص، واغتيلوا فى ظروف غامضة وعلى مدى حقب زمنية متفاوتة.
وفى إطار مفهوم القومية الإسرائيلية وفلسفة النظام الإسرائيلى المبنى على الاستيطان، فإن السلام لن يتحقق، ولن تحل القضية الفلسطينية وستستمر كلمة السلام تحدث إرتيكاريا لصقور أعضاء حزب الليكود بل لجميع الأحزاب الإسرائيلية الذين يتشبهون بالحمائم ويقنعون العالم بذلك، إلى الحد الذى يبدو معه أن البعض ينظر إلى الصراع العربى الإسرائيلى عن طريق عدسات النظارات الملونة، وذلك فإن هناك عناصر خطيرة فى الوضع القائم فى فلسطين أهمها قضية السلاح النووى الإسرائيلى، وإصرار إسرائيل على تطوير قدرتها النووية.
ففى كتاب «دقيقتان فوق بغداد» لمؤلفه عاموس بيرلمانز، قال ما نصه لقد اعتبر ديان الوضع فى ٨ أكتوبر ١٩٧٣ حرجًا بالنسبة لوجود إسرائيل وأمنها، ومن ثم قدم استقالته وحذر مائير رئيس مجلس الوزراء آنذاك بقوله «إننا نوشك أن نفقد المعبد الثالث» لكن مائير ذكرته بالورقة الأخيرة واتخذت قرارًا بوضع الأسلحة النووية الإسرائيلية فى حالة تأهب قصوى.
وقد شجع هذا القرار ديان مما جعله يعطى لأول مرة أمرًا سريًا بأن توضع الصواريخ الإسرائيلية الصنع طراز «أريحا» التى تحمل رؤوسًا نووية وكذا المقاتلات من طراز «كفير» المزودة بشحنات نووية فى حالة الاستعداد القتالى. ومن المنطقى اعتبار هذا الإجراء بمثابة إشارة واضحة لكل من الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتى آنذاك. لقد كان ديان واثقًا من أن للقوى العظمى أقمارًا صناعية استطلاعية خاصة تدور فوق الشرق الأوسط، وأنها سوف تلتقط على الفور هذا النشاط الإسرائيلى وتفهم مغزاه، فبالنسبة للاتحاد السوفييتى آنذاك سيكون بمثابة تحذير بالاشتراك فى الحرب اشتراكًا مباشرًا، كما كان من المفترض أن تفهم الولايات المتحدة أن إسرائيل تتعرض لضغط شديد وهزيمة مريرة، إنها فى وضع يدفعها إلى استخدام قدرتها الأخيرة، وتفجير المعركة النووية الفاصلة فى الشرق الأوسط، وكان تزويد إسرائيل بشحنات ضخمة من الأسلحة التقليدية، هو السبيل الوحيد لإقناع زعمائها بعدم اللجوء للقدرة النووية الإسرائيلية وهذا ما فعلته الولايات المتحدة لإنقاذ المنطقة من دمار الحرب النووية. واستمرت فى عمل جسر جوى لتدفق السلاح والمعدات الأمريكية المتطورة إلى إسرائيل لإنقاذها من الهلاك والدمار.