الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

نكسر حصار السرية وننشر فصولًا من رواية "خطبة الشيخ" لـ"طه حسين"

أطاحت بقيادتين من وزارة الثقافة.. و«عصفور»: تسرُع وعدم أمانة

 الدكتور طه حسين
الدكتور طه حسين
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
عميد الأدب العربى ناقش قضية الديمقراطية والحرية في المجتمع المصري
الشيخ فى الرواية لابنته: كنا نرهب آباءنا في الماضى.. أما الآن فقد تغير العرف
تصدَر اكتشاف رواية «خطبة الشيخ» لعميد الأدب العربى الدكتور طه حسين، الأيام الأخيرة الماضية، اهتمام الوسط الأدبى والثقافى، ودارت على إثرها معركة تكسير عظام بين فريقين من المثقفين، تمت خلالها الإطاحة بقيادتين من قيادات وزارة الثقافة؛ وهما الدكتور محمود الضبع ناقد أدبى مرموق ورئيس الهيئة القومية لدار الكتب والوثائق القومية السابق، والكاتب الصحفى سيد محمود رئيس تحرير جريدة القاهرة، وهى الجريدة الناطقة باسم وزارة الثقافة، بعد أن فضل الأخير نشر الانفراد باكتشاف الرواية المجهولة فى جريدة الحياة اللندنية على الجريدة التى يرأس تحريرها.
ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل تعهد الدكتور أحمد الشوكى، رئيس دار الكتب والوثائق الجديد بطباعة الرواية محل الجدل، مؤكدا أن دار الكتب لم تتلق أوامر بوقف طباعة الرواية، وأن مجلة «السفور» التى ستصدر قريبا تتضمن أجزاء الرواية أيضا.
وبدأت فصول الحكاية يوم ٢٣ مارس الماضى، عندما نشر رئيس تحرير جريدة القاهرة السابق تحقيقا صحفيا بعنوان «اكتشاف رواية مجهولة لطه حسين»، أكد خلاله أنها رواية تنتقد الأزهريين، وأنها من جانب آخر تحيى السجال حول الريادة، وتدور حول مناقشة قضايا تنمية المرأة وحقوقها فى التعليم وحرية الفكر والحياة والزواج، مشيرا إلى أن الرواية تعتمد فى بنائها على ١٥ رسالة متبادلة بين شخصياتها، وهي: الابنة المعلمة إحسان، وصديقتها أسماء والأب سيد رحمى والخطيب الشيخ علام وقاضى المحاكم الشرعية الشيخ زهران، وتضمن التحقيق رأى الدكتور صلاح فضل، والدكتور محمود الضبع، والدكتور كمال مغيث.

الدكتور جابر عصفور، وزير الثقافة الأسبق، دخل على خط الاكتشاف الجديد، فإذا به يقلب الأمور رأسًا على عقب، وبدلا من أن يتم الاحتفاء برئيس دار الكتب الذى اكتشف الرواية والصحفى صاحب الانفراد، إذا بالوزارة تقيل الإثنين دفعة واحدة وبفارق أيام قليلة.
حيث كتب «عصفور» مقالا ناريا فى جريدة الأهرام حمل عنوان «عن ريادة الروايات العربية وعدم الأمانة»، مبديا صدمته من تحقيق سيد محمود بالحياة، حيث قال: «لقد أصابتنى الدهشة مما قرأت، ومضيت فى قراءة الخبر أو الاكتشاف (المهول) الذى سوف يعدل الموازين والمعلومات التى نعرفها عن الرواية العربية الأولى أو عن قضية الريادة العربية فى كتابة الرواية بشكل عام»، مشيرا إلى أن رواية «زينب» لـ«محمد حسين هيكل» ليست الأولى عربيا لأن هناك روايتى «الفتى الريفي» لمحمود خيرت ١٩٠٤، و«عذراء دنشواي» لمحمود طاهر حقى ١٩٠٧، وقد سبقتا نشر الرواية.
ولم يكتف المقال بهذا الحد من النقد اللاذع، وإنما تضمن اتهامات واضحة وصريحة بـ«عدم الأمانة»، مضيفا: «وما إن عدت من السفر حتى هاتفنى صديقى الأستاذ حلمى النمنم، وزير الثقافة، ولم أندهش عندما وجدته غاضبا مثلى، فنقلت له مشاعرى التى أحسست بها عندما قرأت الخبر، وطلب منى- مشكورا- أن أكتب تقديما لما سوف تطبعه دار الكتب المصرية من هذا الاكتشاف الذى لا يدخل فى باب الاكتشافات إلا على سبيل التزوير، وأخبرنى أن صديقنا المشترك الدكتور أنور مغيث أشار إلى الموضوع نفسه فى مقال بالأهرام».
ومن جانبه، قال الدكتور محمود الضبع، رئيس دار الكتب والوثائق السابق، فى تصريحات خاصة لـ«البوابة»: «بعد أن قررنا فى دار الكتب إعادة طباعة مجلة «السفور» التى كان يصدرها عبدالحميد حمدى ما بين عامى ١٩١٥: ١٩٢٣، لم نجد منها نسخة مكتملة فى الوطن العربى نتيجة ضياع جزء من أعدادها، ولكننا نجحنا فى تجميع أعدادها من الميكروفيلم، وبعض الأعداد التى وجدناها فى الجامعات الغربية، واستطعنا أن نجمع نسخة إلكترونية من المجلة، وسيصدر المجلد الأول منها خلال الأيام المقبلة.
وأضاف الضبع: «أثناء قراءة المجلة وكتابة تحليل حول محتواها، وجدنا رواية «خطبة الشيخ»، نشرت على مدار ١٥ حلقة لعميد الأدب العربى، صدرت عام ١٩١٦؛ وهى عبارة عن ١٥ رسالة نشرت مسلسلة فى أعداد المجلة، وهى رسائل بين معلمة ووالدها، وما بينها وبين خطيبها، وبين خطيبها والقاضى الشرعى، وهى رواية تحكى قصة الفتاة وتناقش قضية حرية المرأة فى التعليم واختيار الزوج ومفهوم الزواج الشرعى، وميراث المرأة والرجل، وغيرها من قضايا التنمية تحت مفهوم النسوية».
وأكمل الضبع: «كان طه حسين ينهى كل رواية بالتاريخ الذى كتب فيه الرسالة، وقد كتبت فى عام ١٩١٣، ولم ينشر هذا النص منذ صدوره فى مجلة «السفور» من قبل ولم ينتبه إليه أحد، وسوف ننشره فى إصدار خاص خلال الأيام المقبلة».
وبعيدا عن المعركة التى دارت على شرف الرواية المجهولة، فإن «خطبة الشيخ» تعد من الروايات التى نسجت بعناية فائقة من عميد الأدب العربى وشفافية خاصة، وناقشت قضية فى غاية الحساسية وقت نشرها على حلقات فى مجلة «السفور»، فإذا كان ظاهر النص يعالج ظاهرة «النسوية»، فإن رمزية الرواية يمكن أن تروى قضية أهم وأعمق، وهى قضية الديمقراطية والحرية فى المجتمع المصرى.
فإذا اعتبرنا أن الرواية التى تدور فصولها ورسائلها بين أب وابنته وخطيبها وصديقتها حدوتة تهدف إلى ترسيخ مبدأ حرية الاختيار والقرار، والتركيز على أن الابنة تدرك فى نهاية الأمر أنها ولو تمت خطبتها لشخص ليس به عيب يذكر فإن لها حق القبول والرفض وليس مجرد الإذعان دون رأي، فإن المدلول والرمز اللذين تتركهما الرواية يعدان طوبة فى طريق الثورة الليبرالية عام ١٩١٩ التى اندلعت بعد سنوات من نشر الرواية المثيرة للجدل.
«البوابة» نجحت فى كسر حصار السرية المفروض على نص الرواية المثيرة للجدل وحصلت على رسائل من الرواية، تنشرها للمرة الأولى؛ خلال السطور المقبلة، قبل أن تنشر وزارة الثقافة النص كاملا فى إصدار جديد تستعد له. 

الرسالة الأولى
«من إحسان إلى أسماء»
لك العتبى أيتها الأخت العزيزة، فقد أخلفت موعدك، أمس، وتركتك نهب الانتظار من غير أن أقدم لك معذرة واضحة أو حجة بينة على أنى أشهد الله أني لم أفعل ذلك راضية به أو مختارة له وإنما اضطررت إليه اضطرارا.
ستعذريننى لا أشك فى ذلك حين تعرفين ما حرمنى زيارتك أمس بعد طول الفرقة، وبعد مشقة وشدة ظمئنا إلى اللقاء.
أسماء، لا تجدى عليَ فأنا إلى العزاء والنصيحة أحوج منى إلى الجفاء والقطيعة وستألمين حين تعلمين.
إحسان
القاهرة فى ١٠ إبريل سنة ١٩١٣
خطبة الشيخ
الرسالة الثانية:
«من أسماء إلى إحسان»
دعى ذكر الخطأ والاعتذار، فما أعلم أن بينى وبينك من الكلفة ما يحملك هذه المشقة، ولكن افتحى لى قلبك وأظهرينى على دخيلة نفسك فقد عرفتك فرحة مستبشرة، وأراك منذ اليوم محزونة آسفة، ولقد قرأت كتابك وقرأته فما اهتديت منه إلى شيء.
أنت فى حاجة إلى العزاء والنصيحة، ولو أنى ملكت يدى ونفسى لأظلنى صباح الغد فى القاهرة حتى أستطيع أن أراك وأسمع نجواك وأمدك بما أملك من حنان وعطف، ولكن لنا رئيسًا ثقيل الظل، أبغض شيء إليه طلب الإجازة وأحب شيء إليه عسف المعلمات.
أطيلى كتابك وأوضحيه، وثقى بأن قلبى خالص لك طول الحياة.
أسماء
الفيوم فى ١٥ إبريل سنة ١٩١٣
الرسالة الثالثة
«من إحسان إلى أبيها» 
والدى العزيز ستنكر كتابى وستتهمه بالفجة والجرأة، ولكنى أتوسل إليك أن تضطلع الأناة فى حكمك، وأن لا تظن بى الخروج عليك أو الخلاف عن أمرك، إنما أريد أن أطيعك عن رأى البصيرة لا عن مخافة وخضوع.
خطبنى إليك هذا الشيخ فقبلت خطبته لأنك ترضاه لى بعلا، وقد كان من الحق عليَّ أن أمضى أمرك من غير مناقشة ولا جدال، ولكنك علمتنى حين أرسلتنى إلى المدرسة أن الزواج يمس الزوجين قبل أن يمس الأسرة، فلا جرم كان من حقهما ألا يقدما عليه إلا بعد روية لا تستحثها العجلة ورضى لا يشوبه الإكراه.
لا أرد قضاءك ولا أعصى أمرك، ولكنى أتمنى عليك أن تسمح لى ولمن اخترته لى زوجًا أن نتعرف.
دعه يكتب لى ودعنى أكتب إليه، وراقب إن شئت رسائلنا من كثب فما أحب أنا نستهدف بذلك إلى مكروه.
وتقبل تحية ابنتك الطائشة.
إحسان
القاهرة ١٤ إبريل سنة ١٩١٣
الرسالة الرابعة
«من الشيخ علام الجيزاوى إلى إحسان»
سيدتى الآنسة 
لو أن ما فى الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفد شرفى بخطبتك، وفرحى بمكانتك، فقد زف إليَ سيدى والدك حفظه الله رغبتك فى مكاتبتى فملأ قلبى سرورا ونفسى غبطة، وأنا منذ ذلك اليوم أعيش من المنى فى روضة فيحاء ومن الآمال فى حديقة غناء قد التقت أشجارها، وتفتحت أزهارها، وقد غردت فيها الأطيار، وجرت من تحتها الأنهار، يتأرجح نسيمها بعبير المسك، ويلقى فيها الرجل الصالح جزاء ما قدم بين يديه من النسك، وكيف لا وأنا منذ ذلك اليوم أعلل النفس بقراءة كتاب سطرته عقيلة العفاف وربيبة الصون، فبارك الله على والدك الكريم، وأطال حياته فى النعيم المقيم.
وقد اخترت مشروعية الزواج موضوعا للمراسلة، فإذا تفضلت بالقبول فتكرمى بتسطير رأيك الثاقب فى هذا الموضوع، أجبك إن شاء الله بما تسمح به القريحة الكليلة، والله يوفقنا جميعا إلى الصالحات.
علام الجيزاوي
طالب بمدرسة القضاء الشرعى قسم عال 
القاهرة ١٧ إبريل سنة ١٩١٣
خطبة الشيخ
الرسالة الخامسة
«من أبى إحسان إلى ابنته»
معاذ الله يا بنتى أن أنكر كتابك أو أصفه بالفجة والجرأة، فما أرى أنك تجاوزت فيه القصد أو تعديت الحد، وإنما تطلبين حقًا ضمنته لك الفطرة وعرفه لك الدين.
ليس عليك أمر ولا نهى وليس عليك لى سمع ولا طاعة، وإنما جعل الله بينى وبينك سببا ملاكه من قبلى النصح والحنان، ومن قبلك البر والوداد، وأخلق بكلينا أن يعرف ماله وما عليه.
لست يا بنتى من هذا الجيل، ولست أرضى لنفسى ما نشأ فيه من البدع، ولو أن لى أن استأنفت الحياة لما رضيت بذلك العهد القديم بدلا، ولكنى على ذلك لم أصل من ضيق الفكر، وخطل الرأى إلى حيث أعترض حركة الرقى الحديث، أو أجعل حياتى الماضية مثالا لحياتك المقبلة، فإن الأيام دول، ولكل جيل لون من ألوان الحياة، مقدور له ومقصور عليه.
أرأيت النيل جرى من الشمال إلى الجنوب، أم رأيت الشمس سارت من المغرب إلى المشرق، أو ليس جعل الله آية فساد الكون وانتقاص ما فى العالم من النظام، كذلك يمضى الزمان فى سبيله قدما لا تقف حركته، ولا يكر سابقه على لاحقه، سنة الله ولن تجدى لسنة الله تبديلا.
كنا فى أيامنا الماضية نرهب آباءنا، ونرى لهم علينا الطاعة المطلقة، لأنهم «زعم لنا العرف» قد منحونا الحياة، وأسدوا إلينا نعمة الوجود، فلا جرم كان من العقوق، وكفر النعمة أن ننكر عليهم أمرًا أو نرد لهم قضاء، أما الآن فقد تغير العرف واستحالت الحال، وأصبح ابن العصر يرى أباه ميدنًا له بكل ما يحتاج إليه طفلا وشابًا، حتى إذا بلغ أشده واستقل بأمره حيا أباه شاكرًا وانصرف عنه راضيا مسرورًا.
ليكن هذا الرأى حقًا أو باطلًا، فلن أومن به ولن أرى لى رأيا، وإن كنت قد أخذت نفسى بالإذعان له، لأنه صاحب الدولة والسلطان، ولقد بعثتك يا ابنتى إلى المدرسة، وإن أعلم أنها ستبعد مسافة الخلاف بينى وبينك فى فهم الحياة وتدبيرها، فأنا أجنى الآن ما غرست يداى غير آسف له ولا نادم عليه.
خطبك إليَ فقبلت خطبته، لا لأنى أرقب نفعه أو أرهب ضره، فقد تعلمين أنى والحمد لله بنجوة من الحاجة إلى الناس، بل لأنى رضيته لك زوجا حين عرفت فيه إباء النفس وذكاء القلب إلى حسن السيرة وطهارة الضمير.
تريدين أن تعرفى زوجك، فقد أذنت له أن يكتب إليك، وأذنت لك أن تكتبى إليه، وسأراقب رسائلكما من كثب، لا لأنى أخشى عليكما الطيش والزلل، فإنما عندى أزكى من ذلك نفسًا وأطهر قلبا، بل لأنى أحب أن أؤثر نفسى بما عسى أن يكون فى رسائلكما من صائب الرأى، وطريف الفكر، على أن ذلك لا يمنعنى أن أحدثك بما أعلم من حياة علام الخاصة، ومن منزلته الاجتماعية، فهو فى الثامنة والعشرين من عمره، نشأ فى أسرة ميسورة تسكن ريف الجيزة، وتعيش من فلح الأرض ورعاية الشاء، وقد حفظ القرآن حتى بلغ الثانية عشرة من عمره، فأرسله أبوه إلى القاهرة ليدرس علوم الدين فى الأزهر الشريف، وأخذ يختلف فى هذا المعهد إلى الأساتذة، ولم تمض عليه سنون حتى عرف بين إخوانه بالتفوق والذكاء، وقد عرف فيه الأستاذ الإمام محمد عبده رحمه الله حدة الذهن وحضور الخاطر، فآثره وقربه وأجرى عليه من أوقاف الحنفية خمسة أرغفة فى كل يوم، وخمسة وأربعين قرشًا فى كل شهر، وذلك رزق لا يناله من طلاب الأزهر إلا نفر قليل، ثم كانت مدرسة القضاء، فانتظم فى طلابها، وسيتم الدرس فيها بعد أشهر، ليكون قاضيا أو أستاذا.
ستقولين إنه شيخ، ولكن لا تنسى أنه شيخ حديث، قد جمع إلى درس الدين ورواية اللغة الإلمام بأطراف العلم الحديث، وظهرت آثار ذلك فى سيرته، فهو يصغر العمة، ويقصر الكم، ويذهب إلى القهوة، ويحسن لعب النرد والشطرنج، وقد غالبنى فيهما فغلبنى غير قليل.
لك يا إحسان أن تقبلى هذا الزواج أو ترفضيه، ولكن عليك ألا تقدمى على رفض أو قبول حتى تجيدى الفكر، وتنعمى النظر، وتطيلى الروية، وأن أرجو أن يسدد الله خطواتك، ويهديك إلى قصد السبيل، وتقبلى تحية والدك الشقيق.
سيد رحمي
القاهرة إبريل سنة ١٩١٣.