الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

طلعت الشايب.. حكاية مثقف رحل بعد صراع مرير مع الحضارات

المترجم والمثقف الكبير
المترجم والمثقف الكبير طلعت الشايب
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
تكمن أهمية المترجم والمثقف الكبير طلعت الشايب في اختياراته، فرغم أسلوبه الشيق والمختلف في نقل الأعمال إلى من لغتها الأصلية إلى العربية، إلا أن موضوعات هذه الأعمال حققت ما يشبه الطفرة في الفكر العربي، فله ما يزيد على العشرين كتابا أشهرها كتاب "صراع الحضارات" لصمويل هنتنجتون و"الحرب الثقافية الباردة والاستشراق الأمريكي" لدوجلاس ليتل، و"أصوات الضمير" ذلك الكتاب الذى يضم خمسين قصيدة من أعظم ما كتب من الشعر العالمي وغيرها.
تستعرض "البوابة نيوز" في هذا الملف رحلة طلعت الشايب الذي رحل مساء أمس عن عمر يناهز الــ 75 عاما مخلفا إرثا ثقافيا ضخما وأبرز أعماله التي أكسبته تلك الشهرة ودورها في إثراء المكتبة العربية، كما تستعرض عدة زوايا من حياته.

صدام الحضارات
"صدام الحضارات وإعادة تشكيل النظام العالمي"، هو مؤلف لكاتبه صامويل هنتنجتون بنظرية صراع الحضارات، التي تقول ان صراعات ما بعد الحرب الباردة لن تكون بين الدول القومية وإختلافاتها السياسية والإقتصادية، بل ستكون الاختلافات الثقافية المحرك الرئيسي للنزاعات بين البشر في السنين القادمة، خلال الحرب الباردة، كان النزاع أيديولوجيًا بين الرأسمالية والشيوعية ولكن النزاع القادم سيتخذ شكلًا مختلفًا ويكون بين حضارات محتملة الغربية واللاتينية واليابانية والصينية والهندية والإسلامية والأرثوذكسية والأفريقية والبوذية.
ركز هنتجتون على الإسلام، وقال: إن "حدوده دموية وكذا مناطقه الداخلية"، مشيرًا لصراعات المسلمين مع الأديان الأخرى مثل الصراع في السودان وجنوبه، بين الهند وباكستان والصراعات داخل الهند نفسها بين المسلمين والهندوس وتسائل هنتجتون ما إذا كانت الهند ستبقى دولة ديمقراطية علمانية أو تتحول إلى دولة هندوسية على صعيد سياسي، ومشاكل الهجرة في أوروبا وتنامي العنصرية في ألمانيا وإيطاليا ضد المهاجرين من شمال أفريقيا وتركيا، مشاكل المسلمين التركمان في الصين، صراعات المسلمين الآذريين مع الأرمن، صراعات المسلمين في آسيا الوسطى مع الروس، صراعات المسلمين الأتراك في بلغاريا، ولكنه حدد الصراع بأنه بين "العالم المسيحي" بقيمه العلمانية من جهة، و"العالم الإسلامي" من جهة أخرى.
كما استشهد هنتجتون بالغزو العراقي للكويت عام 1990، فشعبية صدام حسين كانت مرتفعة في أوساط الشعوب العربية والإسلامية برغم أن معظم الأنظمة العربية لم تؤيد موقفه وانضمت لتحالف دولي بقيادة الولايات المتحدة لتحرير الكويت؛ فجماعات الإسلام السياسي عن بكرة أبيها كانت تعارض التحالف الدولي، واستعمل صدام حسين خطابًا شعبويًا صور فيه الحرب بأنها حرب بين حضارات، والجماعات الإسلامية نفت أنه "تحالف دولي ضد العراق" بل "تحالف غربي ضد الإسلام".حتى الملك الحسين بن طلال ملك الأردن وهي دولة محسوبة على "محور الإعتدال" المتصالح مع الغرب، قال أنها ليست حربًا على العراق بل "حرب ضد كل العرب والمسلمين".
أثار هذا الكتاب جدلا كبيرا عندما ترجمه الشايب إلى العربية وحمل انتقادات عدة لهنجتون من قبل النخب الثقافية العربية ومن بين هذه الانتقادات أن هنتجتون قد قدم الإسلام باعتباره كيانًا جيوسياسيًا موحدًا، ولكن مفاهيم "حاكمية الله" و"سيادة الإسلام" ترجع إلى جماعة الإخوان المسلمين وروادها الأوائل حسن البنا وسيد قطب الذي أعاد تعريف الجهاد بأنه "ثورة إسلامية عالمية" حيث أن جذور الإخوان المسلمين تعود إلى حركة حديثة نسبيًا في تاريخ الإسلام تُعرف بالسلفية، وكانت حركة مختلفة عن طبيعتها الحالية، وصفت بالتقدمية الداعية لمراجعة التراث وانتقاد ما اعتبره محمد عبده وجمال الدين الأفغاني جمودًا فكريًا في الأزهر؛ فبعد سقوط الدولة العثمانية، رأى الإخوان أن المجتمع المصري وعموم المسلمين حول العالم خسروا الإحساس بالـ"أمة" وفقد الإسلام مكانته على الصعيد السياسي والإجتماعي. فكان لزامًا عليهم إعادة تشكيل المجتمع من جديد الذي وبرغم أغلبيته المسلمة لم يُعرف عن نفسه وفق سرديات الجماعات الإسلامية تلقائيًا. بدلالة كثرة التيارات الفكرية التي قدمت فرضياتها المختلفة عن هوية وثقافة مصر في النصف الأول من القرن العشرين، مثل الليبراليين الدستوريين كطه حسين الذي يعد أبرز القوميين المصريين وعلي عبد الرازق الذي انتقد منصب الخليفة في كتابه الإسلام وأصول الحكم، وحزب الوفد الذي لعب دور رئيسياَ في كتابة دستور 1923 وحول مملكة مصر إلى ملكية دستورية. بالإضافة إلى القوميين العرب الذين اقتبسوا الكثير من حركات أقصى اليمين الأوروبية؛ قمع جمال عبد الناصر للإخوان المسلمين حولهم من حركة إجتماعية إلى ثورية، ووجدوا في السعودية ملجئًا لهم حيث اكتشفوا نسخة أكثر "محافظة" من الإسلام تسمى بالوهابية؛ تبنى الملك فيصل العالمية الإسلامية لمقاومة القومية العربية؛ وبعد الثورة الإسلامية في إيران عام 1979، بدأت السعودية بنشر الوهابية كجزء من سياستها الخارجية لممارسة النفوذ ومواجهة أي خطر سياسي محتمل.

الحرب الباردة الثقافية 
يكشف هذا الكتاب الخطير الذي ألفته الباحثة البريطانية ف. إس. سوندرز أنه على مدى اكثر من عشرين عاما كانت وكالة المخابرات الأمريكية تنظم وتدير جبهة ثقافية عريضة في معركة ضارية بدعوى حرية التعبير، وبتعريفها للحرب الباردة بأنها معركة من أجل "الاستيلاء على عقول البشر". وبعد ان سكت هدير المدافع وازيز الطائرات ودوي القصف أخرجت الترسانة أثقالها الثقافية: الصحف والمجلات والإذاعات والمؤتمرات ومعارض الفن التشكيلي والمهرجانات الفنية والمنح والجوائز...إلخ، وتكونت شبكة محكمة من البشر الذين يعملون بالتوازي مع الـ"CIA" لتمحو من الأذهان فكرة أن "أمريكا صحراء ثقافية" وتزرع فيها فكرة جديدة مؤداها أن العالم في حاجة إلى سلام أمريكي وإلى عصر تنوير جديد، وأن ذلك كله سيكون اسمه "القرن الأمريكي".
قاد الحرب راديكاليون سابقون ومثقفون يساريون ممن تحطم إيمانهم بالماركسية والشيوعية، ومؤسسات وهمية وتمويل سري ضخم وحملة إقناع هائلة في حرب دعاية ضارية تخطط لها وتديرها "منظمة الحرية الثقافية، التي كانت بمثابة وزارة غير رسمية للثقافة الأمريكية، أو لتكون "الزمار" الذي تدفع له CIA ثمن ما تطلبه من ألحان.
وتضيء الباحثة البريطانية سوندرز جانبا مظلما في تاريخ أمريكا الثقافي معتمدة على عدد كبير من المقابلات الشخصية، وفحص عدد كبير من الوثائق الرسمية التي أفرج عنها مؤخرا، وهنا تظهر أسماء عدد كبير من ابرز مفكري وفناني المرحلة: أشعيا برلين وكليمنت جرينبيرج وسيدني هوك وآرثر كويستلر وأندريه مالرو وجورج أورويل وبرتراند راسل وسارتر وآرثر شليزنجر الابن وغيرهم؛ إنها القصة الكاملة للدور الذي قامت به CIA في الحرب الباردة الثقافية، الأمر الذي يجعل من هذا الكتاب "عملا مهما من أعمال البحث التاريخي" كما وصفه الراحل المفكر إدوارد سعيد.

عاريا أمام الآلهة 
عاريا أمام الآلهة رواية هندية يمزج الكاتب" شيف كومار" داخلها موضوعات عن تناسخ الأرواح وعن الموت والعلاقات الإنسانية المعقدة وعن العلاقة بين الهندوس والمسلمين والعلاقة بين الإنسان وربه والحقيقة، ويتحدث أيضًا عن طقوس الموت ومحارق الجثث وأحلام الخلود، وأعتمد الكاتب فى الرواية على فكرة الكشف أمام الله وأمام الآخرين داخل أفكار فلسفية ودينية وخاصة العقيدة الهندوسية، وتغوص الرواية داخل النفس البشرية، وبطل الرواية يقارن بين وفاء كلبة وبين خيانة زوجته.

المترجم يوفق راسين في الحلال
كانت أزمة الترجمة وإيجاد مفاهيم جديدة لها أبرز ما شغل فكر "الشايب"، فمن أبرز ما يتذكره قرائه ومحبيه له ؛ تلك الكلمات التي قالها أثناء مشاركته في الملتقى الدولي للترجمة أواخر العام المنصرم، حيق قال خلاله المترجم طلعت الشايب: المترجم أشبه بمن يوفق راسين في الحلال ولكنهما ينتميان لعالم مختلف فهو يفهم لكي يفهم ومقيد بعمل سبق انتاجه والمترجم مسئول عن الولادة الثانية للنص يجب أن تكون طبيعية وليست قيصرية.
مضيفا أن المترجم ليس حرا حرية مطلقة بينما الكاتب يتمتع بدرجة كبيرة من الحرية الإبداعية، فالأفكار أفكاره وهو الذي يختار من الألفاظ ما يراه مناسبا وكافيا للتعبير عنه كما انه حر تماما في عملية انتاجه يغير ويبدل ويعدل، بينما المترجم محروم من هذا الترف محكوم بعقد ضمني مع المؤلف عن لغته ويتنازل هو فيه عن أفكاره، ففي النص المترجم اذن غياب لغة المؤلف وغياب لأفكار المترجم. من أبرع من يترجم العناوين كان يأتي محمد عناني وهو يستلهم من روح النص ما يلائمه ولا يترجم العنوان بشكل حرفي لأنه يؤدي الى اختلاف المعنى، مؤكدا أن الجهل وراء اختلاف معاني الكثير من الأدباء التي تمت ترجمتها من الإنجليزية حيث كان أبناء رفاعة يطلقون الكثير من العناوين المضحكة للكتب الفرنسية على طريقة العصر الذي كان سائدا.
واختتم كلامه قائلا: "اذا كان ما يحدث في العصر القديم يثير الضحك فقد وقع عدد من الأكاديميين في جرائم حقيقية ومنها إصدارات نشرت بكبرى المؤسسات التابعة لوزارة الثقافة المصرية؛ وهناك الكثير من المصطلحات الخاطئة وقع بها أدونيس في ترجمته لبعض القصائد".