الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

نقولا حداد.. ألف.. باء الاشتراكية المصرية «4»

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
نبدأ مع نقولا حداد عبر كتابه «الاشتراكية» محاولين قدر الإمكان أن نقدم للقارئ كتابا تعلم منه الاشتراكيون المصريون الأوائل مبادئ الاشتراكية، والنسخة التى بين أيدينا هى الطبعة الأولى، الصادرة عن دار الهلال عام ١٩٢٠ «طبع بمطبعة الهلال بشارع نوبار نمرة/٤ بمصر». 
وفى البداية نقرأ كلمة من إدارة الهلال، تقول «لقد أصبح للاشتراكية شأن عظيم فى حياة الشعوب الغربية، لا سيما بعد الحرب العظمى، فجدير بقراء العربية أن يطلعوا على حقيقة هذا المذهب، وقضاياه، ومراميه، إلى غير ذلك من المباحث الخطيرة الدائرة على إصلاح المجتمع العمرانى، ولما كانت اللغة العربية مفتقرة إلى كُتاب فى هذا الموضوع، فقد طلبنا من الكاتب الاجتماعى نقولا أفندى الحداد، وضع مؤلف وجيز لسد هذا النقص، وها هو ذلك المؤلف نقدمه إلى القراء، ويقيننا أنه يقع لديهم موقعا حسنا، ويعينهم على فهم دقائق المشكلة الاجتماعية الكبرى سواء وافقوا على العقيدة الاشتراكية أو لم يوافقوا، فإن غاية هذا الكتاب هى شرح تلك العقيدة اعتمادا على كتابات زعمائها، وبيان حججهم ونظرياتهم وطرق تطبيقها، وليست غايته نشر الدعوة الاشتراكية أو الحث على الانخراط فى سلك الأحزاب الاشتراكية - دار الهلال». ونلاحظ أن الهلال حرصت على أن تتبرأ من الدعاية للاشتراكية أو الحث على الانتظام فى الأحزاب الاشتراكية.
ونبدأ مع نقولا فى مقدمة تقول «ليس فى هذا الكتاب متسع لتفصيل تاريخ العقيدة الاشتراكية، وتطوراتها وشرح مبادئ الاشتراكيين ومذاهبهم المختلفة، لأن الغرض الأساسى منه بيان روح العقيدة الاشتراكية الحديثة التى أجمع عليها السواد الأعظم من أصحاب الحركة الاشتراكية فى أوروبا وأمريكا». ويقول «نعم إن برامج الأحزاب السياسية الاشتراكية فى الممالك الديمقراطية تختلف اختلافات متعددة، وبعض هذه الاختلافات جوهرى، على أن روح العقيدة التى تحيى أبدان هذه الأحزاب واحدة» ثم يمضى نقولا، مفسرا أسباب هذه الاختلافات قائلا «وما تضاربت الآراء والأقوال فى أدوار نشوئها إلا لأن النظام الإفرادى الحاضر قد أصبح على التمادى راسخا فى العقل الاجتماعى، وإحلال الدخيل مهما كان صوابا مكان الأصيل، مهما كان خاطئا لا ينسى بسهولة، ولهذا تعذر على العقل الاجتماعى جحود عقيدة الإفرادية، واعتناق عقيدة الاشتراكية دفعة واحدة، وهذا هو سر تدرج الحركة الاشتراكية وتطورها، وسبب التضارب فى آراء أهل الحركة واختلال مذاهبهم»، ثم يفسر لنا نقولا كلمة «الإفرادى» فيقول وردت فيما تقدم عبارتان قد تغمضان على بعض القراء، وهما النظام الإفرادى، والعقيدة الإفرادية، فلا بد من تفسيرهما لأننا نتوخى البساطة فى الكتابة وتقريبها إلى الإفهام فالمراد من «الإفرادية» «النظام الحاضر الذى يطلق العنان لألسنة التنازع بين الأفراد، بحيث يمكن للقوى أن يتمتع بقيمة تعب الضعيف، أو على الأقل يمكنه من مقاسمته قيمة عمله وبعبارة أخرى يسمح للقوى أن يعيش عالة على الضعيف، وهذا نقيض الاشتراكية التى تقضى بأن يتمتع كل فرد بقيمة تعبه كلها على اعتبار أن الناس وهم مشتركون فى الأعمال يجب أن يتقاسموا ثمراتها كل على قدر قيمة عمله» ثم يمضى نقولا موضحا «ولا بد من استدراك أمر قبل أن يغرس فى ذهن القارئ تفاديا لما يوهمه البعض لتشويه روح الاشتراكية، إذ يزعمون أن روح الاشتراكية منافية للحق الفردى وقاتلة لحرية الفرد، وماحقة للأعمال الكبيرة التى لا تقوم إلا باشتراك مستثمرين واستخدام عمال، فالحقيقة عكس ذلك، وسوف يرى القارئ أن النظام الاشتراكى هو اشتراكى فى ثمراتها، وسيتضح له أن المستثمرين أنفسهم أصبحوا ضحية النظام الإفرادى مثل العمال، وأن نوائب النظام الحاضر تنقض على الرؤوس العالية قبل الرؤوس السفلى، وأن النظام الاشتراكى يكفل سعادة الضعفاء من غير إنقاص شيء من سعادة الأقوياء، مادامت الكرة الأرضية رحبه أمام أهلها وفى مواردها الطبيعية ما يكفى أضعاف عدد الجنس البشرى الحاضر»، ثم يفسر نقولا سر كتابته البسيطة وغير المعقدة، فيقول: «ولما كنا نعتقد أن هذا الكتاب هو أول كتاب ينشر فى العربية عن الاشتراكية، رأينا أن يكون غاية فى البساطة حتى يفمهه أى قارئ ولا سيما أن الحركة الاشتراكية لم تنتشر بعد فى أقطارنا الشرقية بعد، وأن العالمين بها وبمبادئها من العامة قليلون، ذلك لأن الاشتراكية تلى سيادة الديمقراطية، وأن الديمقراطية تسبق، بينما الاشتراكية سائرة وراءها، ولكن الديمقراطية معدومة فى الشرق الأدنى أو أنها لم تزل فى فجرها وشمسها لم تشرق بعد، ولهذا السبب اضطررنا أن نبدأ كتابنا عن الموضوع بالإشارة إلى بعض المباحث الاقتصادية كنشوء قيمة الأرض ورأس المال والفائدة حتى يفهم القارئ سر خروج المجتمع البشرى عن صراط العدالة والإنصاف فى المجال الاقتصادى، ويعلم سبب الظلم الذى طرأ على فريق من البشر فقاموا بسببه ينادون بالاشتراكية»، ولما كان مجال هذا الكتيب محدودا ولا متسع فيه للإسهاب فقد اضطررنا إلى عدم التفصيل فى كثير من الأبحاث، ثم يقول فما هذا الكتاب الصغير إلا مقدمة لمؤلف أو مؤلفات مطولة لهذا الموضوع الخطير الشأن، والمتسع المجال لمن هو أكفأ من المؤلف وأوسع علما واطلاعا، وهو الأمر الذى حققه نقولا عبر كتابات أخرى متعددة، وإن لم تستمتع بعنوان الاشتراكية، وإنما ضمنها كتابات ومقالات وكتاب ضخم من جزأين هو كتاب «علم الاجتماع» والذى تحدث فيه طويلا عن أفكار كارل ماركس وشرح عديدا من مقولاته، لكن نقولا يعتبر أن معركته الأساسية هى «الحرية»، ألم يقل من البداية إن الحرية تأتى ثم تتلوها الاشتراكية، وقد قاده هذا الاعتقاد إلى هجوم عنيف أيضا على قادة الاتحاد السوفيتى لأنهم لم يحترموا الحرية.
ولكن لنبدأ أولا بالتعرف ولو بإيجاز شديد على كتاب الاشتراكية.. ثم نأتى إلى ما بعده.
ونواصل.