الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

الأقصر للسينما الأفريقية.. آمال وطموحات

 حسن غزالى
حسن غزالى
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
مهرجان الأقصر للسينما الأفريقية مولود الثقافة السينمائية المصري بعمر يقترب من الــ6 سنوات وهى السنوات التي شهدت نجاحات وانكسارات عدة لذلك الفضاء السينمائي الهام والتي سنحاول سردها بالأرقام في السطور القادمة متناولين بعض دورات المهرجان والتي بدأت عام 2012 بمشاركة 175 ضيفا من30 دولة افريقية بإسهامات 137 فيلما تتراوح تصنيفهم بين الروائي الطويل والقصير بمجموع جوائز مالية 37 ألف دولار أمريكي مضاف إليها الجوائز الخاصة، وأضف إلى ذلك تكريم المخرج الكبير داوود عبد السيد بعرض فيلمه "ارض الخوف" للراحل أحمد زكي وموسيقي المبدع راجح داوود في ختام الدورة الأولى وتكريم اسم المخرج الكبير رضوان الكاشف بجانب الممثل البوركيني الراحل "سوتيجى كواتيه " وهو الدمج الجيد لربط الثقافة السينمائية الافريقية جيل بجيل، وكانت المفاجأة لمحبي السينما حضور ومشاركة كل من المخرج الاثيوبي العالمي "هايلي جريما" وعرض فيلمه "تيزا" في الافتتاح وتكريمه ايضا في حفل الختام وهنا أود أن اشير إلى مدى شهرة هذا المخرج الأثيوبي داخل مسقط رأسه على الرغم من استقراره فى هوليوود واعتزازه بجذوره الافريقية فقد لمست مدي شعبيته عندما تجاذبت اطراف الحديث مع إحدى السائقين المرافقين لى خلال احدي اجتماعات القمة الافريقية الاخيرة فى العاصمة الاثيوبية اديس ابابا، وكان ظني فى بداية سؤالي للسائق أنني لن سأحصل على إجابة شافية لكني وجدت أن السائق الشاب يعرفه جد المعرفة وكان في رد فعله على سؤالي نبرة زهو وفخر بهذا المخرج الحامل للقضية الأفريقية والتي دائما ما تكون المعبر لأفلامه التي حازت أهم الجوائز العالمية كفيلم "سانكوفا" الذى حصل على جائزتي مهرجان فينسيا وبرلين، وهو ما يظهر خلال ورشة السينمائية التي دائما ما يؤكد فيها على زعامة جمال عبد الناصر كمنادي بوحده القارة.
وقد صاحبت دورة المهرجان الاولى عدة إصدارات ومطبوعات منها "صناع الأفلام في المغرب" للناقد السنيمائي سمير فريد وكتاب “سينما إفريقيا السوداء" تأليف فريدريك أوكاديك، وترجمة المصري محمود على هذا بجانب الإصدارات الورقية الخاصة بفاعليات المهرجان.
الاقصر للسينما عقد الزينة الافريقي في عنق البيت الثقافي المصري وفهو بلا شك تجربة اضافية تزداد يوما بعد يوم توهج ونضوج فمقارنة بسيطة بين الدورة الأولي والدورة الثانية سنجد كيف قفز المهرجان نحو استقبال المزيد من الافلام والمشاركات ويرجع ذلك نسبيا إلى الاستقرار النسبي الذى أخلف الانتخابات الرئاسية المصرية الاولى بعد ثورة يناير 2011 وتقول هنا مديرة المهرجان الفنانة عزة الحسيني "ن تحديات ظروف مصر بعد ثورتين ومحاولات تغيير جذري نجحت احيانا واخفقت أحيانا اخري نحن نحاول أن نبني الي الامام حدث يتجدد وينمو في نفس الوقت " وبالفعل هو ما قد حدث فقد شارك في الدورة الثانية 346 ناشط سينمائي من 42 دولة افريقية من أصل 54 دولة عضو بالاتحاد الافريقي ولو قمنا بمقارنة سريعة سنجد مشاركة واسعة جدا وهو ما يعكس كيف ان المهرجان بدأ يتطور طبيعيا ليكون مهرجان بحجم وثقل مصر ثقافيا فقد شارك فيه 310 فيلم يساوي ضعف عدد الافلام التي شاركت في دورة المهرجان الاولي هذا بالإضافة إلى تكريم كل من المخرج مالي "سليمان سيسيه"، المفكر السينمائي الطاهر شريعة تونسو رائد أفلام الرسوم المتحركة مصطفى الحسن من النيجر بالإضافة الى نجوم السينما المصرية يسرا، عاطف الطيب، سمير فريد، شويكار خليفه.
وقد كان لي شرف الاشتراك في دورتين له وهم 2015 و2016 وهو الدور الذى لم يقتصر فقط على حضور شخصي كمشاهد ولكن عمدت من خلال مكتب الشباب الافريقي بوزارة الشباب والرياضة المصرية إلى اشراك القيادات الطلابية الافريقية التي تدرس في مصر للحضور، وما تلمسه من تلك الفاعلية أنها تخمد بعضا من لهيب الشوق لهؤلاء الطلبة تجاه بلدانهم عن طريق ربطهم بأوطانهم من خلال عروض سينمائية تمثل دولة كل طالب فيهم، وهو ما نجحنا فيه بشكل جيد حيث استطعنا ان نقيم حلقات نقاشية حرة غير مرتب لها يديرها طلاب جنوب السودان انفسهم بعد عرض احدي الافلام الجنوب سودانية، بالإضافة مناقشة عرض فيلم " لومومبا " والذى اعقبة تعقيب شديد الثراء للمفكر "حلمي شعراوي" والذى أشار إلى اخطاء تاريخية في الفيلم ذو الإنتاج الفرنسي واضاف حقائق تاريخية لأحداث كان لمصر فيها دورا مشهود بقيادة الفريق سعد الدين الشاذلي وسفارة مصر في الكونجو الديمقراطية من خلال السيد عبد العزيز اسحاق هذا بالإضافة الى ندوة تكريم الراحل عمر الشريف والتي حضرها نجم هوليوود الافرو-اميركي الشهير "داني جلوفر" وادارها الناقد على ابوشادي بجانب ندوة رؤساء المهرجان الافريقية وهي الندوة الاهم لحضور حوالي 16 مدير ورئيس مهرجان ومؤسسات ثقافية افريقية معنية بالسينما الافريقية تنافس.
واستنادا على الدور الذى يلعبه المهرجان على الساحة السينمائية الافريقية يجب ان تسعي وزارة الثقافة المصرية بتشبيك القائمين على المهرجان من خلال وزارة الخارجية لتفعيل توصيات الاتحاد الافريقي الثقافية، انعقاد اجتماع الخبراء المعنين بالثقافة في يونيو 2016 في العاصمة الاثيوبية اديس ابابا من الدول الاعضاء بمراجعة مشروع النظام الاساسي "للمفوضية الافريقية للمواد السمعية والبصرية والسينما" باعتبارها وكالة متخصصة تابعة للاتحاد الافريقي وهي المفوضية التي صدر بحقها قرار الانشاء في العام 2003 والتي من الممكن أن تلعب الثقافة السينمائية المصرية دورا هاما داخلها خاصة أنها في طور التكوين والاعداد، وعلى مستوي الميزانية تري مديرة المهرجان أن الدولة يجب ان تعتبره مهرجانا قوميا لنتلافى ازمة الميزانية لأنها غير ثابته حتي لا يتم طلب تمويل ودعم المهرجان مجددا بشكل سنوي وهو التمويل الذى يعتمد بشكل اساسي على دعم وزارتي الثقافة والسياحة، ومن المؤكد أن مجهود البحث عن التمويل يقتطع من المجهود الفعلي الذي من المفترض ان يبذل فى الشق الفني ولهذا تطالب ادارة المهرجان بميزانية ثابتة ومقننة، وهو ما ينقلنا لما حدث خلال الدورة الحالية للمهرجان عندما اضطرت إدارة المهرجان الي تقليل اعداد الضيوف نظرا لعجز ميزانية تذاكر الطيران وهو ما أكده أحمد حلبة والذى بدورة أشار الى ان تقليل الضيوف سيؤثر على حضور الأفلام المشاركة، وهنا يجب الإشارة الى اسهام الفنان الراحل خالد صالح الذى طالما كان المتبرع الأساسي في مثل تلك الحالات فرئيس المهرجان السيناريست سيد فؤاد في إحدى تغريداته الأخيرة على موقع التواصل الاجتماعي قبل انطلاق تلك الدورة ذكر ان الفنان الراحل تبرع للمهرجان وهو على فراش الموت.
الأقصر للسينما والشراكات
ويسعي المهرجان الأن من خلال إدارته بتطوير الشراكات ومد جسور التعاون مع المهرجانات الدولية المختلفة وقد قام في سابقة من نوعها بتوقيع بروتوكول تعاون مع مهرجان روما للسينما الافريقية وقد استطاعت مدير المهرجان الفنانة عزه الحسيني تضمين بنود ترسخ للمهرجان كقناة ومسار للسينما الافريقية للوصول الى اوروبا فقد تضمن الاتفاق ترشيح اهم الافلام التي شاركت في مهرجان الاقصر للسينما الافريقية لعرضها بروما وهو بالفعل ما حدث مع الفيلمين "العفو" و"ايام سوداء" من رواندا، وهذا العام ايضا تم ابرام الشراكة مع ثاني اهم مهرجانات وهو قرطاج ويعمل المهرجان بشكل جيد في نسج شراكات وبروتوكولات تعاون فيعد هذا الاتفاق الــ49 في قائمة الشراكات التي وقعت من جانب المهرجان داخل وخارج القارة متضمنه المغرب، الكاميرون، شرق افريقيا، اريتريا والسودان وساحل العاج. وتعقيبا على ذلك قالت "دائما ما نحاول بناء تلك الشراكات لأنها في النهاية تصب لصالح صناعة السينما والفن السابع عموما ونحن مهتمون بدعم وتطوير صناعة السينما الافريقية الي جانب تشجيع الانتاج المشترك الافريقي وتوزيع الفيلم المصري بأفريقيا والعكس".

مبادرة نوافذ
كانت أحدي اهم طموحات النشطاء في المجال الافريقي داخل مصر وانا فرد منهم هو إطلاق منبر مرئي لنشر الثقافة الافريقية من خلال السينما على مستوي القواعد الشعبية المصرية من خلال مراكز الشباب التابعة لوزارة الشباب والرياضة، فالسينما هي الطريق الايسر والاعمق لتناول القضايا المختلفة على مستوي العامة من الناس، وهو ما يجعلنا ننظر بشكل مختلف الى السينما كرافعة للوعي في مرحلة ما ثم تصبح أداة تحريضية للتطوير المجتمعي في مرحلة تالية، وبناءا عليه فتم طرح مبادرة نوافذ بالتعاون بين مهرجان الاقصر للسينما ووزارة الشباب والرياضة. 
تعد نوافذ من الثمار التي انبثقت عن الشراكة بين المجتمع المدني والقطاع العام لإقامة عروض سينمائية افريقية على مستوي الجمهورية محطمين هيمنه المركزية الثقافية مستغلين مراكز الشباب وهي المساحات التي تستطيع ان توصلنا الى اكبر مساحة من القواعد الشبابية داخل القري والنجوع ومن المنتظر خروج المرحلة الثانية من المبادرة. 
وعلى مستوي الغير متخصصين سينمائيا قامت إدارة مهرجان الأقصر للسينما الافريقية من خلال مشروع نوافذ الفني بالتعاون مع وزارة الشباب بتنظيم 32 ورشة فنية خلال أسبوعين هي مدة الدورة الخامسة من مهرجان الأقصر للسينما الإفريقية والتي أقيمت في الفترة من 17 إلى 23 مارس 2016 لدعم المهارات والقدرات الفنية للأطفال والشباب بمحافظات الصعيد واستغلالًا لوجود الفنانين والمدربين المتميزين بالمهرجان بهدف تنمية أبناء المجتمع المحلى بالأقصر والمحافظات المجاورة لها والتي سنشير اليها تفصيليا في السطور المقبلة، وهي الشراكة التكاملية التي نطمح إليها بين قطاع الدولة ممثلة فى الشباب والرياضة ومؤسسات المجتمع المدني ممثلة في مهرجان الاقصر فالدولة تمتلك البنية التحتية ممثلة فى مراكز الشباب في حالة وزارة الشباب والرياضة والمجتمع المدني يمتلك القدرات والكفاءات الفنية المتخصصة ممثلة في الاقصر للسينما.
الأقصر للسينما والمسئولية المجتمعية
يوفر مهرجان الاقصر للسينما الافريقية ما يسمي فى عالم المال والاعمال بالمسئولية المجتمعية وهو منهج تتبناه الشركات متعددة الجنسيات والمؤسسات المالية باقتطاع جزء من قيمة اربحها واعادة تدويرها فى مجال التنمية والاعمال الغير هادفة للربح داخل المجتمعات المحلية الأكثر احتياجا وهو ما يقوم به المهرجان لكن بشكل مختلف فالمهرجان بجانب كونه احدي التروس التي تعمل على تنشيط السياحة بمدينة الاقصر خلال فترة انعقاده يوفر منذ انطلاقة ورش سينمائية مجانية على هامش المهرجان وصلت إلى حوالى 14 ورشة منها ما يستهدف محترفين ومنها ما يستهدف غير المحترفين ويقوم المخرج العالمي اثيوبي الاصل امريكي الجنسية "هايلي جريما" بإدارة ورشة سينمائية بشكل دوري سنويا لصناعة الأفلام القصيرة لعدد من الفنانين الشباب الافارقة ويتم اختيارهم من بواسطة إدارة المهرجان.
تستهدف ورشة "هايلي جريما" صناعة الافلام القصيرة نشطاء سينمائيين من جميع انحاء القارة وتبدأ ايام الورشة قبل ايام المهرجان الفعلية بعشرة أيام وتستمر لمدة 18 يوما وهو ما يوضح انه معسكر سينمائي افريقي مغلق اكثر منه ورشة، فالمعسكر يتيح للمشاركين الانصهار في عالم "هايلي جريما" وهو ما اشارت اليه إحدى خريجة الورشة الفنانة فايزة حربي عندما سألتها عن "هايلي" وكيف يبدو داخل الورشة قالت "إنه إنسان مبدع مهموم بالقضايا الأفريقية، حاد الطباع، خفيف الظل، حالم ،ليس بالسهل ان تتعرف علي مفاتح شخصيته من الوهلة الأولى" ،و عن محتوي الورشة لم تبتعد فايزة حربي كثير عن استشرافي للمنتج السينمائي الذي يقدمه "هايلي" للمشاركين فتقول "من اليوم الاول كان واضحا انه يريد اعداد مجموعة من القادة لا مجموعة من صناع الفيلم" وعن خطة السينمائى تقول فايزة " كثيرا ما يخلط بين القضايا السياسية والانسانية والسينما فأنت لن تستطيع أن تجد الحد الفاصل بينهم". 
وعن فريقه المصاحب له اصطحب المخرج "هيلي جريما " مساعدين متخصصين من اصول افريقية للعمل معه كمساعدين في ادارة الورش وهم "دانيال ويليامز" متخصص في storytelling، "أمبيسا جيربرهي" متخصص film editing و" جيزاو تيسفاي " متخصص فى الcinematography بالعمل مساعدين له حيث يقومون بتدريب المشاركين على تطوير مشاريعهم وإعدادها للتصوير ثم القيام بعمليات المونتاج، المكساج، الإعداد الموسيقى والصوتي ثم الانتهاء من التترات والترجمة وهو وخلافة وقد تم إنتاج 18 فيلمًا خلال فترة الورشة الأخيرة وعرضت في يوم الختام وعن صناعة أفلام الورشة تقول فايزة حربي "خلال الورش اضاف هايلي بعد انساني وافريقي فقد جعل همنا الاكبر ليس "كيف تصنع فيلم" بقدر كيف تشارك العالم مشهد سينمائي شغل فكرك".
مهرجان الاقصر للسينما يهتم بشكل اساسي بجيل الشباب وتطوير ادواته السينمائية هو ما يتضح بدعم المهرجان للورش فكان للناشطة والمبرمجة "داريا أوفمان" دورا فقد أحتضن قصر ثقافة بهاء طاهر معسكرها لاف LAFF camp الذي قدم ثمان ورش يوميا منها صناعة العرائس / الموسيقى / الرسم / الأعمال اليدوية / اختار نجمك/ سفّرنى بإدارة خبراء وفنانين من مصر والعالم. 
كما تم دعوة مائة شاب وشابة من محافظات مختلفة لحضور فعاليات الموسم الثاني من مبادرة نوافذ، كما تم عمل عدد من العروض السينمائية فى المدارس الابتدائية والإعدادية لتنشيط الوعي ونشر الثقافة السينمائية وتعزيز اطر التعاون والشراكة بين الثقافات الإفريقية.
من الواضح أن مديرة المهرجان لعبت غريزتها الامومية دورا في تثبيت فاعلية لتكريم الامهات المثاليات على هامش فاعليات المهرجان تزامنا مع عيد الام الذي يتقاطع مع فاعليات المهرجان وهو التكريم الذي يتجاوز الجغرافيا والطبقية فخلال الدورة الاخيرة تم تكريم امهات من ملح الارض بالأقصر بالإضافة الى الفنانة نادية رشاد ومخرجة الرسوم المتحركة شويكار خليفة والمخرجة السنغالية صافي فإي وإهداء درع الأم المثالية لاسم الفنانة الراحلة سناء جميل.
ومن المفترض ان يكرم المهرجان هذا العام الفنان الكبير محمود عبد العزيز.