الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

"بوتين" يحبط أهداف زيارة "نتنياهو" إلى موسكو

عندما تداعت الخطوط الحمراء لإسرائيل فى سوريا

 بوتين ونتنياهو
بوتين ونتنياهو
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
قلق إسرائيلى من إمكانية التوصل إلى اتفاق ينهى الحرب السورية.. ومرحلة «حصر الغنائم» تربك الحسابات.. تل أبيب مستفيدة من التواجد الإرهابى فى سوريا والعراق وتتخوف من القضاء على «داعش».. وزيادة النفوذ الإيراني فى المنطقة 
التسوية السورية المحتملة تثير فزع إسرائيل. هذه الحقيقة عبرت عنها الزيارة الأخيرة التى قام بها رئيس حكومة الكيان الصهيونى بنيامين نتنياهو إلى موسكو (9/3/2017)، وهى بالمناسبة الزيارة الأولى هذا العام على نحو ما كشف الكاتب الإسرائيلى إيان زيسر فى صحيفة «إسرائيل اليوم» القريبة من نتنياهو، انطلاقًا من قناعة مفادها أن «إمكانية روسيا، فى المستقبل القريب بفعل المستحيل للتوصل إلى اتفاق ينهى الحرب السورية، تثير فى إسرائيل الخوف من أن إيران ستكون الرابح الأكبر من اتفاق كهذا، لأنها قد تستفيد من التأثير ومن السيطرة العليا فى سوريا، بفضل تواجدها فى المنطقة ومن خلال كثير من المقاتلين الخاضعين لها، سواء جيش إيران النظامى وحرس الثورة أو مقاتلى حزب الله أو مقاتلى الميليشيات الشيعية الذين تم إحضارهم من جميع أرجاء الشرق الأوسط».
بهذا المعنى نستطيع أن نقول إن الزيارة الخاطفة التى قام بها بنيامين نتنياهو رئيس حكومة الكيان الصهيونى إلى موسكو ولقاءه بالرئيس الروسى فلاديمير بوتين، جاءت لتعبر عن حقيقتين راسختين فرضتا نفسيهما على الإدراك الاستراتيجى «الإسرائيلى»؛ أولاهما، أن الأزمة السورية دخلت مرحلة «حصر الغنائم» بين الأطراف التى خرجت منتصرة فى حرب السنوات الست التى عاشتها سوريا، وفى مقدمة هذه الأطراف إيران وحليفها «حزب الله»، وأن وقوف «إسرائيل» دون تدخل حاسم، اليوم وليس الغد، لمنع تغول النفوذ الإيرانى فى سوريا ومحاصرته، ربما تجد إسرائيل نفسها أمام معادلة توازن جديدة للقوة ليست أبدًا فى صالحها. وثانيتهما، أن روسيا وليست الولايات المتحدة، هى صاحبة القرار الأعلى فى الشأن السورى، وهى التي ستقوم بعملية تقسيم الغنائم، وفى ذات الوقت فإن الولايات المتحدة لم تكتف بعجزها أمام روسيا فى سوريا، بل هى غير عازمة على المواجهة مع إيران فى سوريا أو خارجها، على نحو ما كتب السفير «الإسرائيلى» السابق شلومو شامير فى صحيفة معاريف أنه «لا يبدو أن هناك أى مؤشر على أن الرئيس الأمريكى ترامب يعتزم اتخاذ أى خطوة تشكك بالاتفاق النووى».
إزاء هاتين الحقيقتين كان لا بد من التوجه «الإسرائيلى» نحو روسيا، ولم يترك بنيامين نتنياهو مجالًا للاجتهاد الواسع لاستشراف أهداف زيارته لموسكو، عندما أوضح خلال جلسة الحكومة قبيل سفره أنه «سيعبِّر عن معارضة «إسرائيل» الشديدة لإمكانية أن يتم ضمن إطار التسوية السورية التى أخذت تتبلور، أو من دونها، محاولة إيران التموضع بشكل دائم فى سوريا، عبر حضور عسكرى برى وبحرى، ومحاولة متدرجة أيضًا لفتح جبهة أمامنا فى مقابل الجولان، وزاد نتنياهو على ذلك هدفًا آخر إضافيًا هو التوصل مع الروس إلى تفاهمات محددة من أجل تقليل أى احتكاك محتمل بين القوات «الإسرائيلية» والروسية فى سوريا.
هذه الزيارة لرئيس حكومة الكيان إلى موسكو، تختلف عما يقرب من أربع زيارات قام بها إلى العاصمة الروسية فى العام الماضى. غالبًا كان هدف تلك الزيارات هو التنسيق مع روسيا فى سوريا سواء بخصوص الحصول على ضوء أخضر روسى لضرب أهداف فى سوريا تتعلق أساسًا بعمليات نقل أسلحة متقدمة إلى «حزب الله» من شأنها أن تكسر التوازن الذى يعمل لصالح «إسرائيل»، إضافة إلى التنسيق مع روسيا لمنع حدوث أى احتكاك غير مقصود بين الطيران «الإسرائيلى» والطيران الروسى فى الأجواء السورية، وغالبًا ما كانت تنتهى تلك الزيارات بقدر لا بأس به من التوافق مع القيادة الروسية حول هذين الهدفين، لكن الزيارة الأخيرة، كانت تتعلق بخطوط حمراء «إسرائيلية» أراد نتنياهو أن يحصل على تصديق عليها من القيادة الروسية تستهدف الدور الإيرانى المستقبلى فى سوريا، على ضوء ما لدى إيران من قدرات عسكرية هائلة داخل سوريا، وعلى ضوء ما يحدث حاليًا من تطورات فى الداخل السورى وبالذات ترتيب العلاقات المستقبلية بين طهران ودمشق.
فمن ناحية القدرات فإن الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية ليست مغيبة عن مضمون التقارير والاستخبارات العالمية، وخاصة الأمريكية التى ترصد هذه القدرات العسكرية الإيرانية فضلًا عن الاستخبارات الإسرائيلية. فالتقرير الذى نشره معهد دراسات الحرب الأمريكى هذا الشهر بالتعاون مع «مشروع التهديدات الخطيرة» التابع لمعهد «إنتربرايز الأمريكى لأبحاث السياسة العامة»، وما تضمنه هذا التقرير لم يكن بعيدًا عن أيدى الاستخبارات الإسرائيلية، وربما كان أحد عوامل إثارة الفزع داخل إسرائيل إذا ما خرجت إيران منتصرة من الحرب الدائرة فى سوريا.
فحول دور إيران فى سوريا، ذكر ذلك التقرير أن إيران توفر عددًا كبيرًا من القوة البشرية التى ظل الجيش العربى السورى يواجه عجزًا فيها خاصة فى العامين الأخيرين، وذلك لتأمين المكاسب المهمة التى تحققها القوات الموالية للنظام على الأرض، كما أن إيران تقوم بإدارة تحالف يضم حوالى ٣٠ ألف مقاتل من بينهم مقاتلون من الحرس الثورى وحزب الله اللبنانى والميليشيات الشيعية العراقية ومقاتلون شيعة أفغان. كما أشار التقرير إلى أن إيران كان لها دور مهم فى إعداد الجماعات شبه العسكرية الموالية للنظام وتحت قيادة النظام من الناحية الظاهرية فقط، ويتمثل هدفها من وراء ذلك فى تأسيس بنية أساسية طويلة الأجل لكى يكون هناك، حسب التقرير «حزب الله سورى». وفضلًا عن ذلك شاركت إيران وحزب الله فى تأسيس «قوات الدفاع الوطنى السورية» على غرار قوات «الباسيج» الإيرانية كما تولت الإشراف على حملات تجنيد فى أنحاء البلاد، وكانت أحيانًا تنافس النظام السورى فى ذلك بصورة مباشرة من خلال عرض مرتبات تنافسية.
كل هذا تأخذه إسرائيل فى اعتبارها، لكن إضافة إلى ذلك، فإن ما يحدث على صعيد ترتيب العلاقات بين موسكو ودمشق ضمن سياق التسوية النهائية للأزمة السورية، ووجود إيران كطرف أساسى فى محادثات تلك التسوية ابتداءً من محادثات موسكو إلى أستانة إلى جنيف، أحدثت ارتباكًا واستنفارًا إسرائيليًا غير مسبوق يعكس مدى القلق والخطر الذى يشعر به «الإسرائيليون» على العكس من الموقف «الإسرائيلى» المتوازن أو المنضبط طيلة السنوات الماضية من عمر الأزمة السورية، حيث كان «الإسرائيليون» يشعرون بالرضا والاطمئنان بأن كل ما يحدث فى سوريا، يحقق كل ما كانت تأمله «إسرائيل» طالما أن الدمار والقتل وشبح التقسيم هو محصلة تلك الأزمة الدامية، لكن مع دخول الأزمة مرحلة التسويات وتقسيم الغنائم بين المنتصرين «روسيا وإيران والنظام السورى وحزب الله»، فرض على الحكومة «الإسرائيلية» أن تتحرك وباندفاع، وربما بإدراك مستعر وغير مدروس بالنسبة لفرضية إمكانية تفكيك روسيا لعلاقتها التحالفية مع إيران، ومن هنا جاء عرض المقايضة التى روج لها «الإسرائيليون» بتمكين روسيا من سوريا مقابل الموافقة الروسية على تفكيك التحالف مع إيران.
هذا الافتراض انطلق من رهان يعكس رؤية خاطئة للعلاقات الروسية الإيرانية عبر عنها الجنرال هرتس هاليفى رئيس الاستخبارات العسكرية أمام لجنة الشئون الخارجية والأمن مفادها أن «روسيا لا تعتبر حزب الله وإيران شركاء استراتيجيين، بل مجرد أداة لتحقيق أهدافها» هذه الرؤية تضمنت رهانًا بإمكانية توسيع هامش التعارض بين الطرفين، أو على نحو ما نشرت صحيفة وول ستريت جورنال منذ أكثر من أسبوعين بأن «إسرائيل» تخطط من أجل الوقيعة بين روسيا وإيران.
هذا الرهان كانت وراءه دوافع من إدراك لمدى خطورة نجاح إيران فى تحقيق ما تهدف إليه سواء بالنسبة لفتح جبهة معادية ضد «إسرائيل» من هضبة الجولان على حدود «إسرائيل» الشمالية، أو التمكن من شق طريق على البحر المتوسط والشواطئ اللبنانية والسورية على البحر المتوسط عبر الأراضى العراقية والسورية، أو إقامة قاعدة عسكرية بحرية فى اللاذقية حسبما نشر موقع «والاه» الاستخباراتى «الإسرائيلى».
فقد نشر الموقع أن الجانبين السورى والإيرانى وصلا إلى مرحلة متقدمة من التفاهمات بخصوص هذه القاعدة، التى قد تؤدى إلى تعزيز قوة «حزب الله» وتقصير مدى الرماية الصاروخية الإيرانية باتجاه «إسرائيل»، ما يعنى أن هذه القاعدة سوف تزيد حجم التهديد على العمق «الإسرائيلى».
مشكلة هذا الرهان «الإسرائيلى» أنه بعيد عن واقع معادلة توازن المصالح بين روسيا وإيران والنظام السورى من ناحية، وبين روسيا وأطراف أخرى فاعلة فى الأزمة السورية وتسويتها خاصة تركيا من ناحية أخرى. فرغم أهمية العامل الروسى والأساسى فى الساحة السورية، إلا أنه ليس مطلق اليد لأن هناك شركاء آخرين لهم مصالح تأخذها موسكو فى الاعتبار. كما أن هذه المطالب «الإسرائيلية» من روسيا قد تدفع الرئيس الروسى للحديث عن الثمن «الإسرائيلى»، وبالذات بالنسبة للملف الفلسطينى، ولعل هذا ما انعكس على تصريحات نتنياهو عقب عودته من موسكو التى كانت أبعد ما تكون عن التفاؤل الذى سافر من أجله والرهان الذى كان يعوِّل عليه، والخطوط الحمراء التى كان يأمل أن يعود بها لإرباك المخططات الإيرانية، الأمر الذى بات يفرض على «إسرائيل» أعباء جديدة فى إدارة صراعها مع إيران خاصة فى سوريا، إذ لم يجد نتنياهو بدًا، بعد عودته من موسكو، من الاعتراف بأن جُلّ ما حققه فى زيارته لموسكو هو «إيصال رسالة تشدد على رفض بقاء إيران وحلفائها فى سوريا، وضرورة ابتعادهم عن الحدود مع الجولان، وبحث كيفية تفادى المخاطر التى يمكن أن تواجه إسرائيل نتيجة القضاء على «داعش» فى العراق وسوريا»، الأمر الذى يثير قضيتين مهمتين: القضية الأولى أن روسيا ليست مطلقة اليدين فى رسم معالم سوريا الجديدة، لأن هناك شركاء أقوياء على الأرض بالفعل، خاصة إيران، وهناك «شراكات مصالح قوية» تربط موسكو بطهران ولذلك لم يستطع نتنياهو إخفاء أن ما تحقق من الزيارة «ليس سوى تبليغ الرسالة التى أراد إيصالها»، وفى السياق نفسه أوضح نتنياهو ما سبق أن أعلنه على خلفية وأهداف زيارته لموسكو، بأن معظم اللقاء مع بوتين تمحور حول التهديد الذى تشكله إيران على إسرائيل عبر الساحة السورية، كاشفًا عن مخاوف إسرائيل من «نقطة التحول» التى تمر بها سوريا، واحتمال الانتقال من مرحلة الاقتتال إلى مرحلة التسوية، كما أشار إلى أنه أوضح لبوتين «معارضة إسرائيل الشديدة لتمركز إيران وحلفائها فى سوريا».
القضية الثانية هى مخاوف إسرائيل من القضاء على «داعش»، وهو خوف يفضح مدى العلاقة بين إسرائيل و«داعش» أو على الأقل، مدى استفادة إسرائيل من الدمار الإجرامى الذى تقوم به «داعش» فى العديد من الدول العربية، الأمر الذى يجعل منها «قوة إسرائيلية بامتياز». فقد كشف نتنياهو أنه أعرب خلال لقائه مع الرئيس بوتين عن مخاوفه من «مفاعيل القضاء على «داعش» مشيرا إلى القلق من أن يُملأ الفراغ الناجم عن ذلك، عبر إيران وحلفائها فى العراق وسوريا. وبحسب التعابير التى استخدمها نتنياهو مع بوتين قال «فى السنة الأخيرة، طرأ تقدم مهم فى محاربة إرهاب الإسلام السُنى المتطرف بقيادة «داعش» والقاعدة. وكان لروسيا مساهمة مهمة جديًا، ومن البديهى أننا لا نريد أن نستبدل هذا الإرهاب، بإرهاب الإسلام الشيعى المتطرف بقيادة إيران «والإرهاب هنا كعادة الإسرائيليين يعنى كل قوى المقاومة للكيان» التى شدد على أنها «تسعى إلى تدمير اليهود.. ويقولون ذلك بصورة واضحة ويحفرونها على صواريخهم البالستية». 
وزاد نتنياهو على ذلك، لكسب دعم بوتين، أن «الإسلام الشيعى المتطرف هو ليس فقط علينا، وإنما على المنطقة وعلى السلام العالمى، وأنا أعرف أننا نتشارك فى الرغبة من أجل منع أى انتصار للإسلام المتطرف من أى اتجاه».
قضيتان خطيرتان، فإسرائيل التى كانت حريصة دائمًا على تدمير القدرات العسكرية للدول العربية الكبرى الثلاث مصر والعراق وسوريا منذ تأسيس الكيان الصهيونى، والتى كانت سعادتها غامرة بتدمير الأمريكيين لعراق صدام حسين، وشاركت بالدعم أو بالقتال المباشر فى سوريا لتدميرها أيضًا، تجنى الآن واقعًا جديدًا، إن عراقًا جديدة وسوريا جديدة قد تنشأ ربما تكون أكثر عدائية لها من عراق صدام حسين وسوريا الأسد «الأب أو الابن». واقع يؤكد أن مشاعر الخوف والفزع ستبقى متمكنة من هذا الكيان، ومن ثم فإنه لن تتورع فى أى لحظة عن ارتكاب حماقات من باب «درء المخاطر»، ولعل فى رفضه المطلق لقيام أى دولة فلسطينية، ما يؤكد ذلك، خصوصًا بعد عودته من موسكو خالى الوفاض دون أن يستطيع فرض خطوطه الحمراء على القيادة الروسية.