الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

فتنة الأقصر لن تكون الأخيرة

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
بكل أسف أستطيع القول إن الأحداث التى شهدتها قرية العديسات بالأقصر، لن تكون الأخيرة، وأقول أيضًا إن التطرف المؤدى إلى الإرهاب صار بكل أسف من الجينات الأساسية للغالبية من الشعب المصرى.
ما شهدته قرية العديسات أمر مُفزع، حيث حاصر العشرات منزل أسرة مسيحية، مطالبين الأسرة -بكل صلف وبلطجة- تسليمهم ابنتهم تحت زعم حبها لشاب مسلم عمره ١٩ عامًا، وأنها نطقت الشهادتين أمامه وصارت مسلمة، هذا المُتيم الذى انتفضت القرية والقرى المجاورة لنصرته، هو مجرد داعشى صغير، تتلمذ على يد جاهل فى زاوية ما، أو مضيفة ما، أو حتى تحت شجرة، اختزل دينه فى نصوص التشدد، ووجد ضالته فى البلطجة، وتناسى، عن عمد، ما احتوته بطاقته الشخصية التى تقول إنه مصرى والمسيحى مصرى أيضًا. 
هذا الفيلم الرديء واستسهال العنف والإرهاب وفرض السيطرة هو أخطر ما تواجهه مصر منذ سنوات، ويبدو أن هذا الفيلم سيتواصل معنا لمدة ليست قليلة، فالإرهاب ليس مجرد بندقية آلية مصوبة بغباء نحو صدور الأبرياء، وليس قنبلة دفسها مجنون لاصطياد ضحايا لا ذنب لهم سوى أنهم مواطنون مصريون. الإرهاب الذى فرضه أغبياء على بيت أسرة مسيحية، هو رسالة ممتدة من جبل الحلال بسيناء إلى أقصى نقطة جغرافية على أرض المحروسة، وهو ما يؤكد أننا صرنا فى مواجهة حقيقية ضد التخلف، وأن إعلان الانتصار عليه سوف يستغرق وقتًا وجهدًا، مع التأكيد بأن هذا النصر لن يتحقق إلا إذا رافقته إرادة سياسية حاسمة وملتزمة بالخط الوطنى الذى يرى أن مصر لكل المصريين، وأن الدين لله والوطن للجميع.
أتخيل كمية التحريض التى تمت ضد الأسرة المسيحية، وقرأت بعضًا منها على وسائل التواصل الاجتماعى، وبالرغم من تقديرى لتدخل الأمن فى الوقت المناسب، ذلك التدخل الذى وصفه القريبون من الحدث بأنه كان قويًا وحاسمًا، إلا أن المقبوض عليهم وعددهم سبعة وعشرين بلطجيًا هم فقط من تواجدوا فى محيط المنزل، أما المحرضون وهم فى قرى ومراكز مجاورة للعديسات، فمازالوا فى نضالهم الإلكترونى يعيشون. مكمن الخطر ليس فى من قذف حجرًا، ولكنه هناك عند من يدعون للتعصب من على منابر وزارة الأوقاف، مكمن الخطر فى الزوايا والمساجد العشوائية التى بلا مجلس إدارة ويتخاطفها المتشددون، مكمن الخطر فى فصول المدارس التى جعلت التمييز منهجًا والتعصب هدفًا، مكمن الخطر فى إلغاء العقل والحس والذوق والإنسانية لصالح أوهام الصبايا الحور والجنة الموعودة. يحسبون أنهم يحسنون صنعًا وهم رابضون فى خندق واحد مع العدو المتربص بالبلاد، نعم العدو الذى مول وقام بتسليح ودعم كل فصائل التشدد إعلامياً فى وطننا العربى، هم خصوم واضحون فى البلاد الأخرى -ليبيا والعراق وسوريا- أما فى مصر فهم خصوم يمشون بيننا، وهم يضمرون الخيانة والغدر. والغريب هو تراجع دور التنويريين من رجال الدين المسلمين، سواء فى الأزهر أو الأوقاف أو حتى البحاثة المستقلين، ذلك التراجع الذى جعل المساحات متاحة للوهابية والسلفية وبرهامى وأنصاره، قد أفهم هذا التراجع فى ظل عدم امتلاكهم الحُجة، ولكن ما لا يمكن فهمه، هو كيف تمددت تلك النباتات السامة فى مفاصل المجتمع، ليسيطروا على الجهاز الحكومى وعلى الأسواق وعلى جانب ليس بالقليل من الإعلام والميديا؟ هل تبارك الدولة ذلك النمو السرطانى؟ هنا مازلت فى مرحلة السؤال وكل الخوف هو أن يتحول سؤالى لاحقًا إلى يقين يؤكد تلك المباركة، مازلت فى شك ما دامت الحرب دائرة هناك فى سيناء، ولكن بمطالعة مناهج التعليم ومراجعة ما نسمعه على المنابر يجعلنى أكرر السؤال: أين المواجهة الفكرية التى من المفترض أن تقوم بها الدولة؟.. سيظل السؤال قائمًا حتى تأتينا الإجابة على الأرض بإعلان الانتصار.