الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

نيقولا حداد.. «ألف.. باء» الاشتراكية المصرية «3»

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
.. وتبدأ كتابات نقولا حداد عن الاشتراكية بمقال نشره عام ١٩١٨ فى مجلة «الهلال»، ردا على عدد من المهاجمين للاشتراكية (وقد أعيد نشر هذا المقال كاملا فى عدد مجلة «الهلال» الصادر فى ١-١٢-١٩٦٧).. ونستعرض بعضا مما جاء فيه وعنوانه «الاشتراكية ما تطلبه وما لا تطلبه»، ويبدأه نقولا قائلا: بعد أن اطلعت فى عدد «الهلال» الماضى تحت عنوان «حل المشكلات الاجتماعية الكبرى بمشاركة العمال لأصحاب المال» رأيت أنه إذا لم نتبعه بإيضاح قضية الاشتراكية كما تنقت وتصفت أخيرا فبقى الذين لا يعلمون شيئا عن حقيقة الاشتراكية وهم كثيرون على ما أظن، ومتورطون فى اعتقادهم السيئ بها، لا سيما أن هذا المقال الذى أشرت إليه بهذا النص «ويرى الاشتراكيون أن الحل الوحيد لمشكلة العمال إنما هو انتزاع الوسائل التى تحدث الثروة من أيدى أصحاب المال، وجعلها ملكا للعمال، فيتقاسمون ربحها فيما بينهم، بدلا من أن يتقاضوا أجورًا معلومة. فهذا القول قد يبرر جحود الذين لم يطلعوا على العقيدة الاشتراكية، بل ويرجح اعتقادهم أن هدف الاشتراكيين هو اغتصاب أموال الأغنياء واقتسامها فيما بينهم، وهو اعتقاد خاطئ. فلذلك لا بد من بيان موجز لحقيقة العقيدة الاشتراكية، وإلا بقيت مظلومة فيما يرميها به من الخطل جاهلى حقيقتها». ثم يمضى نقولا ليفند عددا من المذاهب التى قد تختلط مع الاشتراكية، فيهاجم مبدأ السنديكاليزم (النقابية)، وهو يقوم على أساس استيلاء العمال على الشركات التى يعملون فيها وتقاسمهم أرباحها، ومن الواضح أن هذا المذهب لا يحل مشكلة التنازع الشديد بين المال والعمل، زد على ذلك أن هذه الطريقة لا تقطع شأفة تسيد المال على العمل، لاحتمال أن جانبا من العمال يمكنهم أن يثروا ويعودوا إلى امتلاك ناصية المعمل والاستبداد بسائر العمال الآخرين. ثم يهاجم نقولا حداد مذهبا آخر يقوم على أساس «إشراك أصحاب الأعمال للعمال بنصيب من الأرباح علاوة على أجورهم»، فإن هذا المذهب لا يحل أيضا المشكلة، ولا ينزع زمام السيادة من أيدى الأغنياء، ولا يخفف من غلواء استبدادهم بالعمال، بل قد يلجأون إليه فى بعض الأحيان، لكى يكسروا حدة النضال العمالى وتسكين ثورة العمال ويحول دون قيامهم بالإضراب والاعتصامات، فهو كالمورفين للمريض المتألم، يسكن الألم ولكنه لا يشفى المريض، أما المذهب الثالث فهو تقليل ساعات العمل وزيادة الأجور، وهو كسابقة لا يحسم النزاع بين العمال واصحاب العمل بل هو مورفين آخر، ورضاء الاشتراكيين بهذه المذاهب مؤقتا هو كرضاء المريض بالعلاج المسكن لألمه ريثما يتسنى للطبيب إجراء العلاج الشافى.. فلذلك لا يعد هذا الأسلوب عقيدة اشتراكية ورضا الاشتراكيين به أحيانا، ليس حجة عليهم بأنهم يعتبرونه عقيدتهم الأساسية، إنما هذا المذهب لم يوجد إلا فى أذهان فريقين من الناس هما الفوضويون والمتحاملون على الاشتراكية.
وهكذا يتصدى نقولا حداد لكل الأقاويل التى يلصقها خصوم الاشتراكية بها.. خصوصا أن تأملنا لهذه الأقاويل يكشف أن رفضها امتداد واع وعلمى للمعركة التى خاضها جناح من الاشتراكيين ضد هذه التيارات التى سيطرت على أحزاب الدولية الثانية. وإذ نراجع كتابات لينين حول هذه المعركة فإننا نكتشف أن نقولا حداد يستخدم فى كتاباته ذات الحجج وذات الانتقادات التى رددها هو. وبعد ذلك يسأل نقولا: ما هى الاشتراكية إذن؟ ثم يقدم تعريفا علميا دقيقا فيقول: «أما مذهب الاشتراكية فمنطقى معقول، وهو مبنى على توجه اقتصادى اجتماعى منصف، وهو يقضى بقلب النظام الاقتصادى الحاضر ووضع نظام جديد. وهو أولا لا يقبل أى إصلاح أو ترقيع للنظام القائم، وهو لا يقبل سوى قلب هذا النظام ووضع نظام جديد يقضى بإلغاء ما ادعاه المال، سواء كان نقدا أو عقارا أو مرفقا من حق الإنتاج، أى أن المال وإن يكن ثروة ويمثل قوة فإنه لا يجوز أن يكون منتجا لثروة أخرى لأن الوسيلة المشروعة الوحيدة لإنتاج الثروة هى قوة (العمل) فقط أى (بعرق جبينك تأكل خبزك). فلا يجوز أن يكسب قرشا إلا من عمل عملا يساوى القرش، ولكن النظام الحالى يأذن لكل من حاز مالا أن يشترى أسهما فى شركة أو عقار يؤجره أو أن يقرض نقودا فيجنى ربحا من ذلك من غير أن يعمل عملا قط». ويمضى نقولا حداد شارحا: «ووجه الظلم فى النظام الحالى الذى يشكو منه الاشتراكيون هو أنه يفضى إلى تجمع الثروة التى هى ثمرة تعب العمال وحدهم فى أيدى فئة من الناس، وحرمان فئات أخرى من هذه الثمار كما يحدث الآن فى أمريكا، حيث استطاع أفراد قلائل أن يجمعوا فى حياتهم من الأموال ما لا يمكن أن يتصوره أى إنسان، بينما نجد أن ألوفا من العمال يتسولون للرزق، بل للعمل الذى يتعايشون منه فلا يجدونه.. أما النظام الذى يعمل الاشتراكيون من أجل إقامته فيمكن إجماله بكلمتين، وهما نقل الشركات وجميع المرافق التى يقوم بالعمل فيها مجموعة عمال وجميع العقارات من أيدى ذويها مساهمين ومالكين إلى يد الحكومة، تصبح هذه المرافق المنتجة للثروة ملكا للأمة، وبدلا من أن تكون ملكا لفئة من الناس يبتزون أرباحها وحدهم فتصبح الأمة كلها مساهمة فيها وفى أرباحها. فإذا تحقق ذلك لا يبقى للمال بذاته قوة الإنتاج للثروة بتاتا، وإنما يصبح المال ممثلا ثروة فقط يمكن لجامعه أو مدخره أن يتمتع بإنفاقه على ملذاته من حين لآخر وفى حدود، ولكنه لا يمكنه أن يجنى منه ربحا».
ولعلى أعتقد أن هذا المقال يمثل الكتابة الأولى فى تاريخ الفكر الاشتراكى المصرى التى تطرح فيها مسألة الاشتراكية بهذا الوضوح وهذه البساطة التى يمكن أن يفهما أى قارئ عادى. لكن هذا المقال كان مجرد مقدمة لكتابة أكثر تفصيلا وأكثر وضوحا عن الاشتراكية، وقد جاءت هذه الكتابة فى شكل كتاب جديد طبعته دار الهلال أيضا فى ٩٣ صفحة من القطع المتوسط، واتخذ له نقولا حداد عنوانا من كلمة واحدة هى «الاشتراكية»، وقد صدر بعد أقل من عامين من هذا المقال أى عام ١٩٢٠.
فماذا قال نقولا حداد فى كتابه؟
هذا ما سنوضحه فى العدد القادم.