الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

الكواليس السرية للشرق الأوسط «4»

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
يتابع يفجينى بريماكوف، الكشف عن الكواليس السرية للأحداث الساخنة التى تشهدها منطقة الشرق الأوسط، بقوله، «عندما شعر ناصر بأن المملكة العربية السعودية ستصبح بدعم من الولايات المتحدة مركزا لجذب القوى المعادية لمصر، بدأ لعبة مضادة، ففى عام ١٩٦٢ وفى «خاصرة» المملكة العربية السعودية ـ اليمن توفى الإمام أحمد، ووريثه محمد البدر أطيح به بعد أسبوع من وفاة والده، تمكن البدر من الاختفاء عند ما ذهب الحراس للغداء وقت الظهيرة، دون أن يلحظه أحد، ارتدى ملابس نسائية وركب حمارًا وخرج من البوابة الخلفية، ليس هناك معلومات مباشرة تشير إلى أن الانقلاب حدث نتيجة مؤامرة تم تنفيذها وفقا لسيناريو قاهرى، لكن ما حدث وما تبع الانقلاب من أحداث يجعلنا نفترض أن المخابرات لم تكن مجرد مراقب». 
لكن بعد حدوث الانقلاب فى اليمن لم يقف الاتحاد السوفيتى موقف المتفرج، ودعم مصر بسخاء ليس فقط على المستوى السياسى، وإنما دعمها بوسائل نقل عسكرية كذلك، هناك ظهر نوع آخر من المنطق، هو السعى لمساعدة مصر الناصرية التى استدارت أكثر تجاه الاتحاد السوفيتى بعد انهيار دولة الوحدة مع سوريا، بالإضافة إلى أن الاتحاد السوفيتى لم يكن ليستطيع ألا يكترث بأن التغيير التقدمى فى اليمن يتعرض لتهديد حقيقى من قوى يتم التنسيق معها ودعمها من الخارج، ومصر تواجه هذه القوى. 
يقول بريماكوف: «أهم ما يوضح التناقضات للإمام أحمد فى قصر تعز، الذى قضى فيه آخر أيام حياته، سافرت إلى اليمن بتكليف من رئاسة تحرير «البرافدا» بعد إسقاط الإمام بوقت قصير، وأتيحت لى الفرصة أن أكون فى تلك الغرفة التى كان يحتفظ فيها الإمام بمقتنياته التى جمعها حوله كما هى دون أن يمسسها أحد، وعلى ما يبدو مما شهدت أن الإمام أحمد كان يحب الساعات جدًا، فقد امتلأت الحوائط بالساعات المعلقة، لكن يبدو أن دقات الساعات لم تحمل إليه صدى الزمن، تحت ساعات الحائط وبالقرب من مخدعه كان يوجد كرباج جلدى، كان يقوم بجلد خدمه وجواريه بواسطته». 
وجدت الجمهورية العربية المتحدة نفسها متورطة مباشرة فى أحداث اليمن إلى جانب الجمهوريين، والمملكة العربية السعودية إلى جانب الملكيين، لم يكن التدخل السعودى بدافع من الصداقة مع البدر أو والده المتوفى، بل على العكس كان هناك عداء بين العائلتين الملكيتين فى الرياض وتعز، إلا أن المملكة العربية السعودية كانت تخشى من أن تجتاحها أحداث مشابهة لما حدث فى اليمن عبر الحدود، من جانبها سعت الجمهورية العربية المتحدة إلى أن تقوى مواقعها فى اليمن لإحداث نوع من التوازن مع دور السعودية المعادى للسياسة الناصرية، وظهرت الولايات المتحدة وبريطانيا فى الصراع الداخلى اليمنى، فواشنطن لم تكن ترغب فى أن يكون اليمن، وهو فى الواقع على أعتاب الإمبراطورية النفطية الأمريكية فى شبه الجزيرة العربية، مواليًا لمصر. أما فى لندن فقد كانوا قلقين ليس فقط على النفط لكن على مستقبل القاعدة العسكرية الإنجليزية فى عدن. 
وبناء على طلب الجمهوريين الذين وجدوا أنفسهم فى وضع صعب، بعد أن أصبحت المملكة العربية السعودية تدعم القبائل اليمنية التى ظلت على ولائها للملكية بالسلاح على نطاق واسع، قام ناصر بإرسال جيشه إلى اليمن، عدة آلاف من الجيش النظامى اشتركت فى المعارك، لكن النزاع أخذ طابع الاستمرارية، وتحت ضغط الأحداث بدأت مفاوضات بين المملكة العربية السعودية والجمهورية العربية المتحدة فى ٢٤ أغسطس ١٩٦٥ فى جدة، وتم توقيع اتفاق بين الرئيس ناصر والملك فيصل، ينص على إجراء استفتاء فى موعد أقصاه ٢٣ نوفمبر ١٩٦٦، لتحديد مستقبل اليمن، وكمقدمة لتشكيل حكومة مؤقتة لفترة انتقالية، وقف التدخل من جانب المملكة العربية السعودية، على أن يتم سحب القوات المصرية بالتدريج من اليمن بالتناسب مع عدم التدخل السعودى. 
لكن على ما يبدو كان تولى الملك فيصل الحكم حيث خلف أخاه الملك سعود فى الحكم، وهجرة الأخير للعيش فى القاهرة جعل معاداة ناصر عبئًا ثقيلًا ملقى على كتفيه، وناصر بدوره وصل لمفهوم أن تورطه فى اليمن، سيقيد يديه فى مصر نفسها وفى خارجها، ومن ثم، وهذا هو المهم، أن هذا سيضعف مصر جدًا فى حالة مواجهة عسكرية مع إسرائيل. 
وكان النشاط الكبير للقوى الملكية يشكل تهديدًا فعليًا للنظام، خاصة مع نهاية عام ١٩٦٧ وبداية عام ١٩٦٨، عندما سحبت القاهرة قواتها المسلحة من اليمن، فقد كانت القاهرة تحتاج إلى وحداتها العسكرية المتعلمة والمدربة جيدًا، وذلك لاستعادة قدراتها العسكرية، وعلى الصعيد السياسى، بذلت القاهرة جهودًا مضاعفة لتحقيق الوحدة فى العالم العربى، وهذا أمر مفهوم تمامًا، والطريق إلى هذا لا بد أن يمر عبر التخفيف من حدة المواجهة مع المملكة العربية السعودية فيما يتعلق بمشكلة اليمن، وهو ما حفز على سحب القوات المصرية من اليمن.