الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

السيد يسين.. باقٍ رغم الرحيل

السيد يسين
السيد يسين
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
عاش باحثًا عن الحقيقة.. ومات راضيًا

«وإذا كانت هذه هى رحلة عمر.. فشل هنا ونجاح هناك.. فإننى أشعر تمامًا بالرضا.. وأن الفشل كان تحولاً أكثر منه إخفاقًا.. وأن النجاح كان حياة أكثر منه إنجازًا».
هكذا لخص المفكر الكبير السيد ياسين مشوار حياته فى بضع كلمات قالها قبل رحيله.. وهو يحمل على ظهره ٨٤ عاما قضاها فى جمع صنوف العلوم وبين صفحات الكتب، أغوته القراءة وجذبته الدراسة فصعد الدرج كاملا من صبى خجول فى كتاب القرية إلى منصة التتويج فى العلوم والآداب والدراسات الاجتماعية.
توفّى «ياسين» صباح أمس، بعد صراعٍ طويلٍ مع المرض، قُرابة الشهر، قبع السيّد ياسين مدير المركز العربى للدراسات بمؤسسة «البوابة»، والكاتب وباحث الاجتماع والمفكّر السياسى ومستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، فى العناية المُركّزة إثر أزمةٍ صحيّة شديدة.
وُلد باحث الاجتماع والمفكر السياسى عام ١٩٣٣ فى محافظة الإسكندرية، وتخرّج فى كلية الحقوق جامعة الإسكندرية.
انضم «ياسين» إلى جماعة الإخوان المُسلمين منتصف القرن الماضي، ثُم رُشّح دارسًا بمدرسة الدُعاة بمحرّم بك، درس بها القرآن الكريم والحديث الشريف والفقه والسيرة، وأيضًا المذاهب السياسية المعاصرة، وتتلمذ هُناك على يد الشيخ مصطفى الشمارقة، والذى كان يقرأ له مناهج كلية الآداب مع تلامذة آخرين للشيخ الأزهرى الضرير.
يقول «ياسين» عن تجربة مدرسة الدُعاة «استطاعت مدرسة الدعاة أن تغيرنى بالكامل، من صبى خجول منطوٍ يقبع بالساعات فى غرفة منفردة لكى يقرأ، إلى صبى يتسم بشخصية انبساطية لديه القدرة على مواجهة الجماهير فى صلاة الجمعة من كل أسبوع. أفادنى هذا التدريب المبكر على الخطابة فيما بعد حين أصبحت باحثًا ألقى البحوث فى المؤتمرات العلمية أو محاضرًا فى جامعة القاهرة والجامعة الأمريكية بالقاهرة».
عام ١٩٥٧، أعلنت صحيفة الأهرام عن حاجة المعهد القومى للبحوث الجنائية (المركز القومى للبحوث حاليًا) إلى باحثين مُساعدين من خريجى الحقوق، وكان هو ضمن ثلاثة مقبولين من أصل ٣٠٠ متقدّم، وبعد أن أمضى فى المركز ١٨ عامًا، تركه ليصبح مديرًا لمركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام عام ١٩٧٥.
بعد دراسة فى باريس للقانون الفرنسي، امتدت للتعمّق فى علم الاجتماع الأدبى والسياسي، وهنا قرر «ياسين» ترك القانون قائلًا «ليس من المعقول أن يضيع باحث مثلى ثلاث سنوات من عمره يتعقب أحكام محكمة النقض»، عاد بعد ذلك إلى القاهرة فى ١٩٦٧ عام النكسة، انصب حينها على دراسة المجتمع الإسرائيلى وانضم إلى مركز الدراسات الفلسطينية والصهيونية بالأهرام، ويُشير إلى أن محمد حسنين هيكل قرر فى تلك المرحلة تحويل المعهد إلى مركز للدراسات السياسية والاستراتيجية، ما دفع «ياسين» إلى التعمّق أكثر فى مناهج ونظريات البحوث الاستراتيجية. 
شغل «ياسين» منصب عضو لجنة الدراسات الاجتماعية بالمجلس الأعلى للثقافة، وهو حاصل على عدّة جوائز، منها وسام الاستحقاق الأردنى من الطبقة الأولى عام ١٩٩٢، وسام العلوم والفنون والآداب عام ١٩٩٥، وجائزة الدولة التقديرية فى العلوم الاجتماعية من المجلس الأعلى للثقافة عام ١٩٩٦.

رحلة عميد الباحثين تصل محطتها الأخيرة
ودعت مصر، أمس، المفكر الكبير السيد ياسين، بعد أن أدى المئات من المواطنين صلاة الجنازة على جثمان الفقيد، وذلك عقب صلاة العصر بمسجد الحصرى بمدينة السادس من أكتوبر، ويقام العزاء مساء اليوم بمسجد الشرطة، بمدينة السادس من أكتوبر.
وشارك فى أداء صلاة الجنازة عدد من الكتاب منهم أحمد السيد النجار وضياء رشوان وعمرو هاشم ربيع ويحيى قلاش، إلى جانب عدد من تلامذة المفكر الراحل وأسرته، يتقدمهم نجله عمرو.
ونعى وزير الثقافة الدكتور حلمى النمم السيد ياسين قائلا: إن الثقافة والصحافة المصرية والعربية فقدت مفكرا ومثقفا كبيرا، أثرى المكتبة العربية بالعديد من الكتب والأبحاث والدراسات النقدية والمقالات التى انتشرت على صفحات الجرائد والمجلات، مقدمًا خالص العزاء إلى أسرته ومحبيه.
فيما قال الدكتور صفوت العالم الأستاذ بجامعة القاهرة، «فقدت مصر علما وأستاذًا كبيرا فى العلوم اﻻجتماعية.. ومفكرا عظيما الأستاذ السيد ياسين.. رحمة الله عليه.. اللهم اغفر له وأسكنه فسيح جناتك.. اللهم آمين».
وأكد إبراهيم العراقي، القائم بأعمال رئيس اتحاد الإذاعة والتليفزيون، أننا فقدنا قيمة كبيرة فى مجال الأدب والعلوم الاجتماعية، وأن خواطره وتأملاته ومقالاته أحدثت نقلة نوعية فى هذا المجال وتواصل خلالها عطاؤه ولم ينقطع عن طالب علم يستزيد بفكره وبصيرته تاركًا إرثـــًا فكريًّا وثقافيًّا ليستفيد منه الأجيال القادمة «رحم الله الفقيد وندعو الله أن يلهم أسرته الصبر».
قال الكاتب والناقد المسرحى يسرى عبدالغنى «إن السيد ياسين عالم جعل علم الاجتماع معبرًا عن هموم الناس الحقيقية». 
وأوضح عبدالغنى أن ياسين يعد صاحب مشروع فكرى تنويرى كبير ممتد لن ينتهى بالتقادم، حيث مر ياسين بتحولات متنوعة وبمراحل مختلفة، منحت له مجالا رحبا للنظر إلى الواقع العربى الاجتماعى والسياسى بكل معطياته.
وأضاف أنه قطع فى تجربته مسيرة كبيرة، فيما بين الاقتراب من أفكار الإخوان المسلمين، إلى الإحاطة بالنظريات الاجتماعية الحديثة، وتبنى التصورات التى تنتمى للتقدم، مشيرًا إلى أنها تجربة تستحق الاهتمام والتأمل.
وأكد عبدالغنى أن للسيد ياسين دورا كبيرا فى المركز القومى للبحوث الاجتماعية، ومركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام، وهذا كله سوف يجعل عطاء السيد ياسين باقيا مقيما بيننا، حيث تحرك فى مساحة بينية تصل بين الأدب والمجتمع، بعيدا عن الربط السطحى بينهما.
ونعت لجنة الإعلام والثقافة والآثار بمجلس النواب، برئاسة النائب أسامة هيكل، السيد ياسين، وقالت اللجنة فى بيان لها، إن المفكر الكبير أثرى العالم العربى بأفكاره وكتاباته وأبحاثه السياسية والاجتماعية، والتحليل الاستراتيجى لقضايا العولمة والفكر القومى والشخصية العربية، والبحث الاجتماعى، وستظل إسهاماته مرجعا حيا للباحثين والكتاب.