الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

بوابة العرب

إيران والخليج.. التقارب المجهول

حاتم عبد القادر
حاتم عبد القادر
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news


زيارة الرئيس الإيراني حسن روحاني لكل من سلطنة عمان ودولة الكويت، في أول زيارة له لمنطقة الخليج العربي، منذ توليه الرئاسة في عام 2013، جاءت لتعبر عن تحرك وتغير استراتيجي في العلاقات الإيرانية الخليجية، والمتوترة منذ عدة عقود، وعلى رأس هذه العلاقات المتوترة العلاقة بين المملكة العربية السعودية والجمهورية الإيرانية على إثر اختلاف التوجهات السياسية والطائفية بين النظامين السعودي والإيراني، حيث المحاولات المتكررة من طرف الجانب الإيراني التغلغل في دول الخليج ونشر المذهب الشيعي واستمرار نهجه العدائي في توجهاته السياسية لدول المنطقة واستعراض قوته تجاه دول الخليج بشكل خاص.
وكانت تقارير صحفية قد تحدثت خلال الأسابيع الماضية عن احتمال تقارب سعودي إيراني ووساطات دولية وإقليمية لعقد هذه التقارب بهدف الوصول إلى الاستقرار في المنطقة والحفاظ على التوازن بين القوتين المؤثرتين في منطقة الخليج وجوارها وهما السعودية وإيران.
وتعد زيارة "روحاني" الأولى لمنطقة الخليج، اليوم، تأكيدا (ظاهريا) لما كشفت عنه هذه التقارير، حيث لا يمكن لكل من سلطنة عمان أو الكويت أن تحيد عن سياسات ونهج مجلس التعاون الخليجي والذي تقوده الدولة الخليجية الأكبر المملكة العربية السعودية، بالرغم من وجود علاقات جيدة بين كل من الكويت وعُمان مع إيران.
والمتابع لجولة "روحاني" الخليجية والتي عند المبالغة والتهويل أو التهليل لها يمكن وصفها بالتاريخية يجد أنها لن تخرج عن كونها زيارة عادية في إطار الود والعلاقات الجيدة بين الدول الثلاثة (عُمان والكويت وإيران)، وفي نفس الوقت هي زيارة مهمة واستراتيجية بالنسبة للدولة الإيرانية، إذ أن توقيت الزيارة يحمل دلالة مهمة، فهو يتزامن مع وجود إدارة أمريكية جديدة يقودها رئيس يصف الكثيرون بالرعونة والعنصرية، وقد تحرك الرئيس الأمريكي فور توليه منصبه بتنفيذ ما وعد به في برنامجه الانتخابي ومنع مواطني سبع دول إسلامية (هي دول بؤر التوتر ونشاط التنظيمات الإرهابية) من الدخول إبى الأراضي الأمريكية من بين هذه الدول إيران باعتبارها دولة راعية للإرهاب كما أعلنت إدارة "ترامب" مؤخرا.
ولم يقف "ترامب" عند هذا الحد، بل يبحث الآن عن تنفيذ ما وعد به أيضا من إلغاءه الاتفاق النووي الشهير الذي وقعته إيران مع القوى الست العظمى بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية في صيف 2015. كما أن الإدارة الأمريكية الجديدة ستخلق مسار مختلفا في الأزمة اليمنية حيث ستتحد مع التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية وهو ما لا تقدر على مواجهته إيران وهي تدرك هذا الأمر جيدا، حيث سيكون من السهولة بمكان سحب البساط من تحت أقدام الإيرانيين الذين يدعمون جماعة الحوثيين المتمردة على الشرعية اليمنية والتي تسببت في ما آلت إليه الأمور الآن.
إلى هنا وأدركت إيران أن حديث "ترامب" عن المصالح الأمريكية في العراق ومحاولته استعادة ما فرطت فيه إدارة الرئيس السابق باراك أوباما من تسليم مفتاح النفوذ في العراق لإيران هو أمر يسير في اتجاه جاد لا هزل فيه وقد تكون العراق الساحة الأكبر والأهم استراتيجيا لصراعات أمريكية إيرانية في المستقبل القريب، الأمر الذي سيحجم من النفوذ الإيراني في المنطقة والذي سيتزامن مع تغير حل الأزمة السورية بقيادة روسيا التي نجحن في تهميش الدور الإيراني في المسألة الروسية بعد أن عقدت اتفاقا بوقف إطلاق النار الشهر الماضي بين النظام السوري والمعارضة المسلحة واستبدلت إيران بتقارب تركي يضطلع بدور محوري مع الدب الروسي في مفاوضات الحل السياسي والعسكري والذي من المنتظر أن يبحثه مؤتمر جنيف في العشرين من الشهر الجاري.
إذن كل التحركات الدولية والإقليمية تسعى لحصار وتحجيم النفوذ الإيراني في المنطقة وهو ما تدركه إيران جيدا؛ ومن هنا كانت جولة "روحاني" والتي لم تكون جولة رئيس دولة بقدر ما كانت جولة استكشافية وكأنه يقوم بدور رجل المخابرات الذي يستطلع الأجواء ويستكشف ظروفها ومحيطها في رحلة جمع المعلومات التي تتبعها عمليات التحليل وتقدير الموقف ليرفعها جهاز المخابرات إلى القيادات العليا لاتخاذ القرار المناسب.
لقد عبر أغلبية المراقبون عن أن مباحثات "روحاني" مع السلطان قابوس بن سعيد وأمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الصباح ستتصدرها التقارب السعودي الإيراني والذي إن حدث ستكتمل دائرة التقارب الإيراني الخليجي مع بقية دول مجلس التعاون الخليجي، ومع أصداء الزيارة لم نسمع للطرف السعودي حسا عن هذه الزيارة، وهو ما يؤكد طرحنا السابق بأن زيارة "روحاني" جاءت في جولة استكشافية لإمكانية هذا التقارب مع السعودية على وجه التحديد الذي تحتاجه إيران الآن لمواجهة التحالف العربي الأمريكي الذي سيحجم نفوذها في المنطقة ويسحب منها ملفات عملت لسنوات طويلة على الإمساك بها.
لقد اختار "روحاني" الوجهة العُمانية لتكون منصة انطلاق المصالح الإيرانية، في رحلة جديدة تقودها سلطنة عمان على غرار احتضانها للمباحثات السرية بين أمريكا وإيران لمدة عام ونصف العام لم يعلن عنها إلا في أواخر عام 2013، فهل ستقوم السلطنة بهذا الدور أو ستقبل إدارة ترامب بهذا الدور؟.. الأيام القادمة ستجيب وتكشف عن أسرار زيارة "روحاني"، وستكشف عما دار في الغرف المغلقة بين "روحاني" ونظيريه السلطان قابوس بن سعيد والشيخ صباح الأحمد الصباح، إذ لم يدلي "روحاني" خلال جولته الخليجية بأي تصريحات كاشفة عن رغبة حقيقية لدى إيران بإقامة علاقات طبيعية مع السعودية ودول الخليج سوى التصريحات (العائمة) التي تنشد الاستقرار وحسن الجوار وهو من التصريحات المطاطة التي لا تكشف عن النوايا الحقيقية.
وكما هي عادة الإيرانيين في المراوغة والمناورة لم يعطي "روحاني" أي إجابة شافية لا قبل جولته ولا بعدها.
فقبل أن يتوجه إلى العاصمة العمانية مسقط قال "روحاني": “لطالما كان لإيران علاقات ودية ووثيقة مع عمان والكويت، وسنتباحث خلال هذه الجولة حول العلاقات الثنائية مع كل من البلدين”.
إلا أن "روحاني" قال قبل مغادرته مسقط: “لا ضمان لأمن المنطقة سوى بتحمل بلدان المنطقة المسؤولية والتعاون الإقليمي. من هنا، على دول المنطقة العمل سوية مع بعضها البعض لإرساء دعائم الأمن والاستقرار في المنطقة”.
وهنا دلل المراقبون على أن تصريحات "روحاني" لا تخرج عن كونها محاولة لإقناع "دول الخليج" بعدم التعويل على المواقف الأمريكية أو الثقة بها مقابل إقامة نظام إقليمي شامل.
إن زيارة اليوم الواحد التي قام بها "روحاني" لكل من سلطنة عمان ودولة الكويت لا يمكن التعويل على على أنها زيارة تؤكد حدوث تقارب كامل محتمل بين دول الخليج وإيران، خاصة وأن خطابا ألقاه حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله اللبناني، الذراع الأبرز لإيران في لبنان والمنطقة، في ذكرى الشهيد، وقد هاجم فيه المملكة العربية السعودية، كما عادته وعادة إيران، والغريب في الأمر أن هجوم "نصر الله" قد جاء في اليوم التالي مباشرة لزيارة "روحاني"، وهو ما ذهب البعض بأن حدوث أي تقارب بين إيران والخليج أمر يصعب حدوثه، فما زالت الرؤية غير واضحة، وما زال الطريق مجهولا أمام التقارب بين إيران ودول الخليج العربي.