الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

دفاعًا عن عروبة القدس

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
دعا رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو الرئيس الأمريكى دونالد ترامب إلى الوفاء بتعهده الانتخابى بنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس. وعلى خلاف الموقف الأمريكى القائم منذ أمد طويل، تعهد ترامب بالاعتراف بالقدس كعاصمة إسرائيل وبنقل السفارة الأمريكية إلى هناك، وهو الأمر الذى أدى إلى غضب عارم من المسئولين الفلسطينيين وقلق الاتحاد الأوروبى.
وقال نتنياهو بعد الاجتماع الأسبوعى بمجلس الوزراء الصهيونى «أود أن أوضح بصورة قاطعة أن موقفنا كان دومًا وما زال أن السفارة الأمريكية يجب أن تكون هنا فى القدس، وأضاف القدس عاصمة إسرائيل، وسيكون أمرًا جيدًا ألا تكون السفارة الأمريكية هى السفارة الوحيدة التى تنقل إلى هناك. أعتقد أنه بمرور الوقت ستنتقل أغلب السفارات إلى القدس». وتزعم إسرائيل أن القدس بأكملها هى عاصمتها «الأبدية».
وعلى جانب آخر وجه رئيس الحكومة ووزير الدفاع الأسبق إيهود باراك اتهامات قاسية إلى رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو الذى يجد نفسه غارقًا فى تحقيقات حول قضايا فساد، مؤكدًا أنه يقود إسرائيل لأن تكون دولة فصل عنصرى. وحذر باراك من أن نتنياهو وبينيت يقودان إسرائيل لأن تكون دولة فصل عنصرى على طريقة الأبارتهايد، معتبرًا أن الأجندة الحقيقية لهما التى يحاولان إخفاءها هى إيجاد دولة واحدة مع أغلبية يهودية، تقود أخيرًا إلى نظام أبارتهايد وحرب أهلية، وهذا تهديد حقيقى على مستقبل الصهيونية.
وأكد إيهود باراك، أن هذه الأجندة اليمينية للحكومة الإسرائيلية الحالية تعنى الاستمرار فى السيطرة على كل الأراضى، وإسرائيل تتوقع أن يعتاد العالم على ذلك، لكن هذه السياسة تتعارض مع الواقع القائم، وهى كفيلة بأن تدخلنا فى عجلة دامية طوال أجيال قادمة، كما حصل فى بلفاست والبوسنة وجوهانسبورغ.
وألقى باراك خطابه هذا وسط إعلان عدد من الجنرالات الإسرائيليين السابقين انضمامهم إلى حزب العمل، ومنهم قائد المنطقة الجنوبية السابق فى الجيش الإسرائيلى يوم توف سامية، وعميرام ليفين النائب السابق لرئيس جهاز الموساد، والرئيس السابق لمجلس الأمن القومى الإسرائيلى دانى أرديتى، وهاجم الحكومة الإسرائيلية الحالية ووصفها «بالضعيفة الصماء»، مطالبا إياها بإجلاء بعض المستوطنين اليهود من أماكنهم، وإلا فإن إسرائيل ستصبح مسيطرة على خمسة ملايين فلسطينى ليسوا من مواطنيها، وحينها ستتحول إلى دولة غير يهودية.
وتحاول إسرائيل منذ احتلال القدس عام ١٩٦٧ بالقوة المسلحة، فرض سياسة الأمر الواقع على المدينة المقدسة، فقامت بضمها عام ١٩٨٠ بقرار من الكنيست ضاربة عرض الحائط بكل قرارات الشرعية الدولية وفى طليعتها قرارات مجلس الأمن الدولى، وتعمل إسرائيل بإصرار على تغيير الطابع الديموغرافى للمدينة بمصادرة الأراضى الفلسطينية، وبجلب آلاف المستوطنين من الخارج إليها. ليس القدس الشريف مجرد مدينة، لكنه تاريخ للإنسانية ومنارة يتوجه إليها بلايين البشر من المسلمين والمسيحيين واليهود، من جميع أرجاء العالم. إنها قديمة قدم التاريخ نفسه. أقيمت قبل ظهور الأديان السماوية ذاتها. أقامها اليبوسيون من القبائل الكنعانية العربية التى نزحت من شبه الجزيرة العربية منذ ٣٠٠٠ سنة قبل الميلاد، أى ما يزيد علي ١٥٠٠ عام قبل اليهودية. وكانت تعرف باسم «يبوس»، ثم سميت «أورسالم» نسبة إلى الملك سالم اليبوسى ملك اليبوسيين. 
وأطلق عليها اليهود فيما بعد «أورشليم»، فإن الادعاء بأن القدس الشريف مدينة يهودية ادعاء كاذب، لا يستطيع أن يقف أمام حقائق التاريخ. ولقد توالت الأسماء على المدينة المقدسة من أورسالم إلى مدينة داود، زمن السيطرة العبرية، ثم أورشليم، ثم مدينة «إيليا»، زمن السيطرة الرومانية، ثم بيت المقدس أو القدس، زمن الفتح الإسلامى. 
وفى عام ٥٨٧ قبل الميلاد، غزا «نبوخذ نصر» الكلدانى المدينة، وسبى اليهود جميعًا إلى بابل، لكنهم عادوا إليها. وجاء «تيطس» الرومانى، فأمر بهدم الهيكل الذى بناه سيدنا داود، وذلك عام سبعين ميلادية، وفى عهد الإمبراطور الرومانى «هدريان» أمر بإزالة آثار الهيكل بالكامل، وكان ذلك عام ١٣٥ ميلادية.
إن الاطلاع على بعض الحقائق الجغرافية والديموغرافية، يعطينا فكرة عن الجرائم التى ارتكبت بحق المدينة من جانب الصهاينة، فقبل الانتداب البريطانى، منذ قرن من الزمان، وتحديدا فى عام ١٩١٧، كان العرب يملكون ٩٠٪ من المدينة، وكانت ملكية اليهود لا تكاد تذكر. وقد جاء فى تقرير لجنة تقصى الحقائق التى أوفدتها عصبة الأمم بعد أحداث القدس عام ١٩٢٩: «إن حق ملكية حائط المبكى، وحق التصرف فيها، وفيما جاوره من الأماكن موضوع البحث فى هذا التقرير، هى للمسلمين، لأن الحائط نفسه جزء لا يتجزأ من الحرم الشريف». 
وفى عام ١٩٤٥، فى ظل الانتداب، كانت مساحة المدينة ١٩٣٣١ دونمًا، يملك العرب منها ٥٨٪، بينما يملك اليهود ٢٥٪ فقط، وبعد حرب ١٩٦٧ استولت إسرائيل على مساحات شاسعة من الضفة الغربية وضمتها للقدس، وكانت محصلة تلك التغيرات حتى اليوم، أن أصبح يعيش العرب على أقل من ١٠٪ من أراضى القدس الشرقية ويسيطر اليهود على ٨٠٪ من أراضى القدس. إن التاريخ والشرعية والقانون معنا، إلا أن الجغرافيا والأرض ليست معنا.