الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

حجرة في دار الحرب «3»

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
أعاد السفير كلاوس سيزمار إرسال كتاب جديد، سرى وعاجل جدا، بتاريخ ٢٤ نوفمبر ١٩٩٣ إلى وزارة الخارجية، ووزارة الداخلية الألمانية، ورئيس ديوان المستشارية الألمانية، يفيد تأكيد وزير الداخلية المصرى حسن الألفى، برفض طلب السفارة الألمانية بالاطلاع على مستندات القضية الخاصة بالمواطن يوخن سافاتسكى، وتأكيد وزير الداخلية المصرى دعمه لقرار حكومته بعرض قضية سافاتسكى أمام محكمة عسكرية. 
يجلس السفير كلاوس سيزمار فى مكتبة بالسفارة، يحدث نفسه طويلاً، لقد مرت عشرة أيام على اعتقال سافاتسكى.. ومرت مدة مماثلة لا يلاحظ أحد ما كان هناك ملف لشخص بالاسم نفسه فى المكتب الاتحادى لحماية الدستور.. يذكر اسمه بشكل منتظم على مدار شهور فى تقارير حول مسجد ابن تيمية فى فرانكفورت.. يلتقى هناك طلاب عرب، ومن شمال إفريقيا ذوى خلفية أصولية.. 
كما يدعى سافاتسكى كان على علاقة وثيقة بشابة من أصل مصرى 
«أَرْوَى».. يُعد مصدر هذه المعلومات موظفا بشركة مصر للطيران، يعمل مدير مكتب مطار فرانكفورت. ذُكر اسم سافاتسكى آخر مرة فى نهاية شهر فبراير: «بات عبد الله مدافعا متحمسا للجهاد.. يطالب بأقصى استعداد للتضحية ويتحدث عن ذهابه إلى مصر للانضمام إلى الكفاح المسلح «.. يبدو أنه لا أحد تولى الأمر.. تم تصنيف سافاتسكى على أنه مجنون مسكين وانتهت المسألة. 
يقدم كريستوف بيترس فى «حجرة فى دار الحرب» لشخصية نيس زوجة السفير، التى تصغره بثمانى سنوات ونصف السنة، والمتخصصة فى علوم المسرح، تسود بينهما علاقة عاطفية زوجية باردة، على الرغم من كونها امرأة ذكية وجميلة، فدائما ما يتركها سيزمار، ويسهر مع صديقته الدبلوماسية الفرنسية «فرانسواز» التى تدعوه للعشاء معها، و كان كثيرا ما يتجول معها فى شوارع القاهرة، بهدف التعرف ميدانيا على العادات والتقاليد التى يتميز بها المجتمع المصرى عن غيره من المجتمعات، كان سيزمار يعشق «فرانسواز»، ودائما ما يفكر فى مضاجعتها. 
تأتيه أخبار سيئة، فقد انفجرت سيارة مفخخة فى هليوبوليس أثناء مرور موكب رئيس الوزراء عاطف صدقى، كان فى طريقة لحضور اجتماع مجلس الوزراء.. لقد انفجرت القنبلة متأخرة لثوان، فنجا عاطف صدقى، وتوفيت تلميذة تبلغ من العمر أربعة عشر عاما، وعدد غير معلوم تعرض لإصابات بالغة. لقد كانت محاولة اغتيال عاطف صدقى رد فعل من جانب الإرهابيين على اعتقال سافاتسكى وإرهابيين آخرين.
يبين الروائى كريستوف بيترس، لرؤية وسائل الإعلام الألمانية لشخصية «سافاتسكى» فى حالة رجوعه إلى ألمانيا «إرهابى المخدرات»، قام فى البداية بسرقة أمه، ثم عاش عالة على حساب أموال الدولة .. «يتحدثون عن خيانة قيمنا».. امتزج الخوف من الإسلام بالعداء ضد الأجانب: طلبة عرب من الإرهابيين يحولونه إلى مجاهد فى سبيل الله «قدم بعض الجيران بعض الصور وباعوا قصصا أسرية لا تحتوى إلا على أنصاف حقائق» القاتل المسلم المجنون تلتزم والدته الصمت حتى الآن. 
أبلغ وزير الداخلية حسن الألفى فى حديث خاص إلى السفير كلاوس سيزمار و نائبه يوم ١٣ ديسمبر ١٩٩٣، بقرار الحكومة المصرية بعدم تسليم المواطن الألمانى يوخن عبد الله سافاتسكى إلى ألمانيا، وتم اتخاذ القرار بإجماع الأصوات فى إطار اجتماع وزارى شارك فيه الرئيس مبارك. وحدد وزير الداخلية والمجلس الأعلى للقضاء العسكرى يوم ٢٨ ديسمبر ١٩٩٣ موعدا لبدء محاكمة المتهم الألمانى سافاتسكى، والمصريين المقبوض عليهما معه وهما سمير المصرى و صلاح المحمودى. 
يتعرض السفير سيزمار لمرض قرحة فى المعدة، تتطلب تدخلا طبيا عاجلا، يتصل بصديقته الدبلوماسية الفرنسية فرانسواز ويخبرها بالأمر، ويصطحب معه زوجته «نيس» عائدا إلى ألمانيا. 
يتولى الدكتور كونراد فريبة القائم بأعمال السفير فى القاهرة، متابعة مستجدات ملف سافاتسكى، ويصدر المجلس الأعلى للقضاء العسكرى حكما، يوم ٢٤ فبراير ١٩٩٤ بالإعدام شنقا فى سجن الحرية ذى الدرجة الأمنية العالية بالقاهرة. أتيحت للدكتور كونراد فريبة بفرصة لقاء سافاتسكى قبل تنفيذ حكم الإعدام.. و بسؤاله عن رغبته فى قول أى شيء رد ببساطة: 
«إن قتلى أمر جيد.. على الأقل بالنسبة لى». يتمتع الروائى كريستوف بيترس بحساسية روائية، تكشف عما هو كامن داخل المجتمع الألمانى، فدق ناقوس الخطر بشدة، وكأنة يتنبأ بحدوث ظاهرة «الذئاب المنفردة» التى انتشرت فى أوروبا وأمريكا. فكتب على لسان القائم بأعمال السفير الدكتور كونراد فى نهاية كتاب أرسله لوزارة الخارجية الألمانية، ورئيس مكتب المستشارية الألمانية: «فى هذا السياق لا بد من طرح سؤال أساسى عن مدى السماح للمحاولات الفردية بالتحرك، وعن ضرورة تدخل وزارة الخارجية لتعديل مسارات اتخذها المسئولون قد لا تعد بالنجاح، وذلك حتى لا نعرض أهدافنا للخطر ونتمكن من تحقيقها فعليا، قضايا كتلك التى أمامنا و التى تجذب انتباه الرأى العام إليها وتجد أصداء متعددة فى الإعلام، تخبئ أيضا خطرا يرتبط بالتغطية الإعلامية والمناقشات التى قد تؤدى إلى انزلاق العمل الدبلوماسى بأكمله إلى وضع غير محمود».