الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

dmc.. واستعادة القوة الناعمة للإعلام المصري

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
القوة الناعمة Soft power هو مفهوم صاغه الأمريكي جوزيف ناى Joseph Nye عام ١٩٩٠ لوصف القدرة على الجذب والضم دون إكراه أو استخدام القوة كوسيلة للإقناع، وفى الآونة الأخيرة، استُخدم المصطلح للتأثير على الرأى الاجتماعى والعام وتغييره من خلال قنوات أقل شفافية نسبيًا والضغط من خلال المنظمات السياسية وغير السياسية؛ إذ قال جوزيف ناي إنه مع القوة الناعمة «أفضل الدعايات ليست دعاية»، موضحًا أنه وفى عصر المعلومات، تعد «المصداقية أندر الموارد»، ولا شك أن الإعلام يمثل أحد مصادر القوة الناعمة لأى دولة، ويعتبر امتدادًا غير مباشر فى تأثيرها على الدول والشعوب الأخرى، بل إننا لا نبالغ إذا قلنا إن الإعلام هو امتدادٌ مباشر للسياسة الخارجية على نحو ما نراه الآن فى التوظيف الإعلامى للترويج لسياسات دولية معينة للدول الكبرى واللاعبين الرئيسيين فى النظام الإقليمى الشرق الأوسطى.
ولقد كانت مصر طوال عقود هى اللاعب الرئيس وربما الوحيد فى المجال الإعلامى فى المنطقة العربية وإقليم الشرق الأوسط طوال عقود البدايات فى تطور صناعة الإعلام منذ بزوغ فجر الصحافة فيها فى العام ١٨٢٦، وبدء الإنتاج السينمائى المصرى فى العام ١٩٠٧، وعرض أول فيلم روائى مصرى فى العام ١٩١٧، ونشأة أول محطة إذاعة رسمية فى العام ١٩٣٤، وبث أول قناة تليفزيونية فى العام ١٩٦٠، واستطاع الإعلام المصرى أن يغزو الوطن العربى من المحيط إلى الخليج ويصيغ ثقافة وأذواق الشعوب العربية بصوت أم كلثوم وأفلام عبدالوهاب الأولى، واستطاعت إذاعة «صوت العرب» أن تشارك الشعوب العربية فى كفاحها للتحرر من الاستعمار.
وهكذا استطاع الإعلام المصرى أن يمارس قوته الناعمة فى الإقليم إلى أن ظهر لاعبٌ جديد منذ أواخر عقد الثمانينيات وأوائل عقد التسعينيات، وهذا اللاعب هو ظهور القنوات الفضائية التى يلزمها تمويلٌ ضخم وكوادر إعلامية لامعة تتقاضى أموالاً طائلة، وهو ما لم يستطع الإعلام المصرى الرسمى والخاص مجاراته، لأن أموال النفط دخلت لاعبًا رئيسًيا فى مجال الإعلام من حيث إنشاء القنوات الفضائية وتأجير القنوات القمرية وشراء المحتوى الإعلامى من دراما وأفلام وبطولات رياضية بمليارات الدولارات، علاوة على إطلاق قنوات إخبارية كالجزيرة والعربية وغيرهما تقف وراءها دولٌ خليجية تنفق عليها بسخاء ودون سقف محدد للميزانية.
من هنا تراجعت القوة الناعمة للإعلام المصرى، ليتقدم الإعلام الخليجى، والمملوك لبعض أفراد الأسر الحاكمة فى المجتمعات الخليجية أو على الأقل المملوك لبعض القريبين من هذه الأُسر، ولم يستطع الإعلام المصرى أن ينافس فى هذا المضمار سواء بوسائله الإعلامية العامة أو المتخصصة، وبالتالى فقد الإعلام المصرى مساحةً كبيرة ملأها الإعلام الخليجى الذى يملك القدرات والإمكانات غير المحدودة فى مجال التقنية والتمويل والمحتوى الحصرى.
ولم تؤشر الفترة التى ساد فيها الإعلام الخليجى لمرحلة جديدة تكفل لهذا الإعلام ممارسة أى قوة ناعمة على الشعوب العربية أو على الإقليم كما فعل الإعلام المصرى فى المرحلة الأولى، حيث غلب على هذا الإعلام المحتوى الترفيهى والرياضى، وتم إنفاق مئات المليارات من الدولارات على مئات القنوات الفضائية فى مجال الأفلام والدراما والأغانى (الفيديو كليب) والرياضة وغيرها، وكانت هذه المليارات كفيلة بتحقيق تنمية مستدامة للوطن العربى بأكمله، وتوفير فرص عمل لشبابه العاطلين، الذين لم يجدوا سوى الجلوس أمام الفضائيات يمضون أوقات فراغهم القاتل، وكأن كل مشكلاتهم قد حُلَت ولم يبقَ أمامهم سوى الترفيه عن أنفسهم.
كما بذلت بعض الدول الخليجية دعمًا غير محدود لبعض القنوات الدينية الإسلامية التى تروج للفكر السلفى الذى يتسم بالغِلظة والتشدد، وهو ما لا يتناسب مع تجارب دولٍ إسلامية أخرى يتسم فيها الإسلام بالتسامح والوسطية، ولعل هذه القنوات هى التى ساهمت فى شيوع الفكر السلفى، وأدت إلى خروج هؤلاء السلفيين، الذين تسلفوا بفعل عملهم فى بعض الدول الخليجية أو بفعل القنوات الدينية السلفية أو بفعل شيوخ السلفية الذين صنعت منهم هذه القنوات نجومًا يُشَدُ إليهم الرِحَال أينما وُجِدُوا، إلى النور بعد ثورة ٢٥ يناير ٢٠١١، ولم يكن يعلم أحد أنهم بهذا الحجم،
وحتى النجاح اللافت الذى حققته المرحلة الخليجية فى استخدام الإعلام كقوة ناعمة وهو اقتحام مجال الأخبار، وتدشين قنوات إخبارية ناجحة تنافس ولأول مرة سيطرة القنوات الأمريكية والأوروبية على هذا المجال إبان حرب الخليج الثانية (ظاهرة سى إن إن)، إلا أن شبكة قنوات «الجزيرة» القطرية لم تمارس قوتها الناعمة فى توحيد العرب على كلمةٍ سواء، بل ساهمت بقوتها الخشنة والتحريضية على تأجيج الفتن والصراعات وإشعال الثورات فى المنطقة العربية وتغطيتها الإعلامية المنحازة لهذه الثورات كشريك وليس بأسلوب يتسم بالموضوعية والحياد، ولم تسلم من قوتها الخشنة أى دولة عربية سوى قطر نفسها، وبعد أن كانت «الجزيرة» تجربةً مميزة فى بداياتها، تراجعت مشاهدتها فى الدول العربية والإقليم بشكلٍ مزرٍ بفضل عدم مصداقيتها وانعدامِ الثقةِ فيها بعد ما مارسته من تدليس وتحريض إبانَ فترةِ ما أُطلق عليه بثورات الربيع العربى، ولعل هذا ما دعا قطر إلى إطلاق فضائية جديدة هى فضائية «العربى» الإخبارية بعدما تأذت سُمعة «الجزيرة» ومحاولة الدخول مرةً أخرى إلى عقول المشاهدين من منصاتٍ إعلاميةٍ جديدة.
ومن هنا نشأ ما يُسمى بصحافة المواطن على شبكات التواصل الاجتماعى، والتى يُعد المواطن هو اللاعبُ الرئيسى فيها دون مهنية أو احترافية أو أخلاقيات إعلامية أو مواثيق شرف، وهو ما جعل هذا الشبكات وبالاً على المنطقة العربية يجب التعامل معه بحكمةٍ وتَعَقُلٍ ورَشَادَة لكى يعود للإعلام العربى دوره الفاعل وقوته الناعمة فى مواجهة التحديات التى يواجهها، وربما لن يتأتى ذلك سوى بتوحد القوة الناعمة المصرية مع التمويل الخليجى فى إطار إقليمى، إلا أن هذا يجب أن يسبقه توحد الرؤى للإقليم ومستقبله السياسى والاقتصادى والعسكرى والتنموى.
ولا شك أن يوم ١٤ يناير ٢٠١٧ يمثل تاريخًا فارقًا للإعلام المصرى، ففى ذلك اليوم تم التدشين الرسمى لقنوات dmc، والتى نراهن عليها لاستعادة القوة الناعمة المفقودة للإعلام المصرى، فهل تستطيع قنوات dmc القيام بهذا الدور المهم أم تتوه فى الخضم الهائل من القنوات فى فضاء الإعلام الواسع؟ وهل تمثل هذه القنوات بديلاً لماسبيرو أم هى استكمال لمنظومة ماسبيرو التى خدمت الدولة المصرية منذ عام ١٩٦٠؟ تلك هى أسئلة المستقبل التى تبحث عن إجابات.