الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

الخطاب الدينى بين «التجديد» و«التجميد»

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
إن دعوة الرئيس عبدالفتاح السيسى إلى «ثورة دينية» فى مطلع العام ٢٠١٥ على النصوص والمفاهيم الخاطئة التى ترسخت فى أذهان الأمة الإسلامية، تضمنت انتقادًا لأفكار تم تقديسها لمئات السنين قال إنها تسببت فى معاداة العالم بأسره للإسلام والمسلمين، ومطالبته بضرورة تجديد الخطاب الدينى ليتناغم مع العصر، طرحت كثيرًا من التساؤلات حول قدرة المؤسسات الدينية على تجديد الخطاب الدينى بشكل حقيقى، وآليات وضوابط هذا التجديد بعد سنوات من شيوع التفسيرات الخاطئة والتصرفات الشاذة التى تمارسها الجماعات المتشددة باسم الدين.. ببساطة دعوة الرئيس كانت إلى «تجديد» الخطاب الدينى وليس «تجميده».
إن نجاح الخطاب الدينى التجديدى مرهون بالنظر إلى قضايا الناس، والحديث عن التجديد لا يخرج أبدًا عن التراث، خاصة أن الإسلام يحارب الجمود ويظل يحافظ على الثوابت الأساسية من جهة، ومن جهة أخرى يحمل على عاتقه متطلبات العصر. والتجديد رسالة تنبع من إرادة ورغبة عارمة فى النهوض بالأمة.. وأقرب وسيلة للحوار وأكثرها فاعلية فى إبراز الخطاب الدينى هى الاعتماد على وسائل الإعلام والتكنولوجيا الحديثة.
وتعد وسائل الإعلام، وخاصة المرئية منها، من أنجح الوسائل التى تكفل انتشارًا أوسع لهذا الخطاب عبر مختلف شرائح المجتمع.. فالإعلام المرئى وسيلة من وسائل الاتصال تعتمد على الصوت والصورة فى آن واحد، وبذلك تكون قد جمعت بين خواص الإذاعة المسموعة وخواص الوسائل المرئية.. فالتليفزيون يجمع بين الصوت والصورة والحركة وينقل الأحداث فوريًا، ويسمح للذين يتعلمون باستعمال أكثر من وسيلة يتم نقلها، ويعرض على المشاهد الصور والأحداث الواقعية، وإخراج أساليب عرض لإثارة المشاهد وجذبه للشاشة.
ونظرًا لقدرة وسائل الاتصال البالغة، فقد برز اعتقاد بأن وسائل الإعلام تمتلك قدرة عجيبة فى التأثير على المتلقين لتغيير وجهات نظرهم على النحو الذى يريده القائم بالاتصال. ولذلك فلها تأثير كبير على الآراء والاتجاهات والسلوك، بل تعد سحرًا يصل فورًا إلى عقول المستقبلين. ولذلك يجب على الخطاب الدينى أن يواكب التطورات العلمية والتكنولوجية المستجدة.
والتطور الذى نعنيه لا يقتصر على مهمة الوعظ والإرشاد وخطب الجمعة، بل له مهمة أوسع وأشمل من ذلك بكثير، الأمر الذى يقتضى أن تتنوع أساليبه فى المجتمع المتحضر تبعًا لتنوع مجالات الحياة، حتى يشمل جميع شرائح المجتمع خاصة فى تنمية الوعى الدينى والقيم الأخلاقية، ونبذ التعصب والإرهاب.. ولا بد لهذا التجديد فى الخطاب من آليات تتحقق وتتجسد فى الوسائل المرئية والمسموعة والإلكترونية والاتصال المباشر حتى تقتنع بها الجماهير وتحدث فيها استمالة إلى فحوى هذا الخطاب التجديدى.. والإنسان يميل بطبعه إلى تعريض نفسه للوسائل التى تتفق مع أفكاره ومعتقداته واتجاهاته، وكذلك تجنب الوسائل التى لا تتفق مع توجهاته المسبقة. ومن الواضح أن وزارة الأوقاف لم تفهم معنى «الثورة الدينية» التى دعا لها الرئيس، ولم تَعِ جوهر «التجديد» فى الخطاب الدينى، فسعت إلى «تجميد» هذا الخطاب بشكل لم يحدث فى تاريخ مصر القديم والمعاصر منذ دخول عمرو بن العاص إلى مصر فى عام ٢١ هجرية؛ فقد أعلنت الوزارة منذ بضعة أيام خلت، المسودة الأولية لموضوعات خطب الجمعة للسنوات الخمس المقبلة، من بينها موضوعات المناسبات الوطنية والدينية، ضمن الخطة الدعوية للوزارة التى تمت مناقشتها مع لجنة تجديد الخطاب الدينى بالوزارة، والتى تضم علماء الدين والاجتماع وعلم النفس والاقتصاد والإعلام ومفكرين.
وأوضح محمد مختار جمعة وزير الأوقاف، أن كل سنة من السنوات الخمس تتضمن ٥٤ موضوعًا متنوعًا من مختلف المجالات، وسيتم استطلاع الأئمة فى تلك الموضوعات تمهيدًا لوضعها فى صياغتها النهائية، مبينًا أن أولى خطب العام الأول من الأعوام الخمسة، تبدأ فى شهر مارس المقبل. وقال جمعة فى بيان صادر عن الوزارة إن فلسفة الخطبة تقوم على التنوع وعدم الإفراط فى جانب دعوى أو فكرى على حساب الجانب الآخر أو إهماله؛ حيث عنيت الخطة بمختلف المحاور الفكرية فضمت القيم الأخلاقية والوطنية، ومعالجة قضايا التطرف والإرهاب، وتناول قضايا العمل والإنتاج والشباب والأسرة والمرأة وذوى الاحتياجات الخاصة والإيمانيات، والمناسبات الدينية والوطنية، والقضايا العامة. وأوضح أن الخطة الدعوية، برغم ارتباطها بالموضوعات المقترحة لخطبة الجمعة، فإنها أعم وأوسع من موضوع الخطبة، حيث تهدف إلى تشكيل وعى عام إيجابي ومتكامل بالقضايا العامة والعصرية المهمة، وتجمع بين ذلك ومساحة الاجتهاد الواسعة.
وهكذا أصبح لخطبة الجمعة فى مصر خطة خمسية ستؤدى إلى تجميد الخطاب الدينى تمامًا دون أى تجديد من خلال خطب «مُعَلبة» لا تعبر عن فكر من يُلقيها، وينفى عمن يُلقيها مصطلح «الداعية»، ومن الممكن أن يُلقيها مقيم الشعائر أو عامل المسجد أو أى فرد عادى يعرف القراءة والكتابة، ومن الممكن أن تتبنى الوزارة الخطبة الموحدة مثل تجربة الأذان الموحد التى فشلت فشلًا ذريعًا، ليخطب وزير الأوقاف فى جميع مساجد مصر فى نفس واحد وبصوته الجهورى من خلال شبكة تربط جميع هذه المساجد.. وهذا ما سوف يجعل الوزارة لا تحتاج إلى دعاة أو خطباء.
إن خطبة الجمعة ذات صلة وثيقة بتجديد الخطاب الدينى من خلال إعداد كوادر دعوية مستنيرة لديها الاطلاع على صحيح الدين، وأبعد ما تكون عن الغلو والتشدد، ومزودة بثقافة عامة رفيعة فى مختلف المجالات، وتتسم بالوطنية والبذل والعطاء فى سبيل هذا الوطن، كما يتطلب تجديد خطبة الجمعة الاشتباك مع قضايا الناس فى كل مكان، ولن تصلح الخطبة «المعلبة» لكل الناس فى كل مكان من الإسكندرية إلى أسوان. كما أنه من الأفضل أن تتم مناقشة مثل هذه الموضوعات فيما بين الأزهر ووزارة الأوقاف والمؤسسات الدينية المعنية للوصول إلى القرار السليم بعيدًا عن الأحادية التى يتصرف بها وزير الأوقاف فى موضوع يمس جوهر عقيدة الناس المستهدفة بهذا الخطاب الدينى الذى يريد الوزير «تعليبه».
إن الخطاب الدينى يحتاج إلى «تجديد» وليس إلى «تجميد»، لأن هذا التجميد هو ما جعل الجماعات المتطرفة تقدم خطابًا دينيًا مغايرًا جذب إليه متطوعين يحاربون الدولة المصرية فى كل مكان. إن تجميد الخطاب الدينى سوف يؤدى إلى إنتاج مزيد من المتطرفين والإرهابيين.. أعاذنا الله وإياكم من الجمود والتجميد، وهدى الله الجميع إلى سُبل الحراك والتجديد.