الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

العولمة والأصولية الإسلامية والغرب «3»

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
يحدد المفكر الفرنسى إريك يونس جوفروا - الذى اعتنق الإسلام وعمره ٢٧ عامًا بعد رحلة بحث فى الديانات وسلك طريق التصوف، ويقوم بالتدريس بجامعة ستراسبورج بفرنسا بمعهد الدراسات العربية والإسلامية، ومن مؤلفاته «طريقة صوفية فى العالم»، وكتاب «المستقبل للإسلام الروحانى» - الأخطاء التى يعانى منها العالم الإسلامى فى فهمه للإسلام، منها التحول من انفتاح الإسلام على ما هو كونى فى العصور الأولى إلى ما هو عكسه، أى إلى انكماش الإسلام وتقلصه إلى البعد العرقى. وهكذا انتقلنا من أطروحة إلى أطروحة مضادة، أو من موقف إيجابى منفتح إلى موقف سلبى منغلق. وهنا يكمن مأزق العالم العربى أو الإسلامى اليوم. وبقول هذا الكلام، لا أدين إطلاقًا الخصوصيات الثقافية للمجتمعات الإسلامية، بل أؤكد على حقها فى الخصوصية والتمايز عن غيرها. وكذلك أيضًا، قبول بالغيرية والتعددية الداخلية فى الآراء إبان العصر الكلاسيكى المبدع. لكنه تحول لاحقًا إلى فرض الرأى الواحد والمذهب الواحد، فأصبح الإسلام نمطيًا أحادى الجانب، وساد الانغلاق والانكماش إبان عصور الانحطاط ولا يزال. وكان الإسلام فى العصور الأولى المبدعة يتبنى الأخلاق الكونية المنفتحة على الإنسانية وكل الأقوام والشعوب. فأصبح الآن خاضعًا للأصولية الجهادية العنيفة التى تكفر الآخرين. وعلى صعيد مجاور نلاحظ أن بعض الغربيين إما عن جهل أو عن سوء نية لا يترددون عن الخلط بين التجربة الصوفية والعنف، فلا علاقة للصوفية بالعنف على الإطلاق. وينبغى التمييز بين الطرق الصوفية والحركات الأصولية السلفية المتزمتة.
وبخصوص الجهاد ينبغى أن ننتبه إلى الازدواجية الكائنة فى تفريق النبى بين الجهاد الأكبر والجهاد الأصغر. فالأول هو جهاد روحانى، فى حين أن الثانى جهاد حربى. والطابع الكليانى الشمولى للأخلاق الإسلامية فى مواجهة شمولية الفكر الأحادى الجانب وتنميط كل أنواع السلوك والتصرفات بل وحتى اللباس. وهكذا تم الخلط بين الكونية والنمطية فى العالم الإسلامى. 
والآن فى عصرنا الحالى ماذا حدث لكل ذلك؟ هل تغيرت الأمور؟ هل خرجنا من عصر الانحطاط؟ فى مواجهة الانطلاقة الصاعقة والبراقة للعولمة والتحديات الحاسمة لما بعد الحداثة يبدو أن الإصلاح الإسلامى كما كان مورس بنجاحات وإخفاقات متفاوتة منذ أكثر من قرن، أصبح عاجزًا عن تقديم حل لأزمة الثقافة الإسلامية. ما ينبغى فعله لإيجاد هذا الحل، ما نحتاج إليه فعلًا هو ثورة فى المعنى.
هذه الثورة تتطلب التحول من الماضى واعتناق فكر جديد تمامًا يجبرنا على تجديد نظرتنا تمامًا، وإعادة الاعتبار لبحثنا عن العلامات والإشارات أو الآيات كما يقول القرآن. هذه العلامات والآيات تتجه نحو المعنى الأساسى للوحى والمشروع الإلهى الذى يكمن داخله ضمنيًا. فى الواقع أن هذا الأمر مطلوب منا كل يوم.
فالهدف بالنسبة للإنسان هو أن يعود إلى أصله عن طريق دفعه لأن يدرك دائمًا بشكل أفضل معنى خلق الكون وخلقه هو أيضًا. والآن نطرح هذا السؤال: كشيء مضاد للأصولية الحرفية الشكلانية المسيطرة حاليًا هل نستطيع أن نتحدث عن أصولية روحانية أو بالأحرى نزعة تأسيسية روحانية مضادة؟ 
العالم كله أصبح يطالب المسلمين بممارسة الاجتهاد بصفته فهمًا ذكيًا وعميقًا للوحى وإرداته. وبهذا المعنى، لن تنجو الصوفية من هذه المطالبة، أقصد أنها هى أيضًا مدعوة لممارسة الاجتهاد. والواقع أنها مطالبة بتحقيق شيئين لا شيء واحد: الأول هو أنه عليها أن تخصب الساحة الإسلامية الظاهرية العامة، وأن تخصب أيضًا تحرياتها الخاصة بالذات. وهى أرضية تبدو مبدئيًا أكثر دقة وصعوبة وحرجًا فى المعالجة لأنها تخص قضايا الروح. 
هناك تساؤل آخر قد يطرح نفسه: ما نوعية الانخراط التى يمكن للاجتهاد الروحانى أن يمارسها فى الواقع الاجتماعى؟ أقصد كما قال المفكر الفرنسى إريك يونس جوفروا، فى تلك الورشات الضخمة التى لا تزال تنتظر من المسلم المعاصر بحثًا واكتشافا، وأهم هذه الورشات البحثية، هى إدخال الروح النقدية إلى ساحة المجتمعات الإسلامية، وإيقاظ الوعى الأخلاقى والبيئى لدى المسلم كى يتحسس مشاكل البيئة. يمتلك الإسلام الأصلى الأولى الإمكانيات العقائدية والروحية للقيام بهذا الانبعاث، ولكن هل لا يزال المسلمون «التاريخيون» قادرين على حمل رسالته؟ نقصد بالمسلمين التاريخيين المسلمين الواقعيين الحاليين. ولكى يستطيعوا إنجاز ذلك عليهم إعادة اكتشاف الإسلام الكونى الذى يمثل تجلى (الدين القيم الآدمى) كما هو معروض فى القرآن.