الأربعاء 15 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

يخافون الذي يفكر

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
فى فرنسا، تجدد الجدل مؤخرًا، على كتاب باحث إسلامى اسمه يوسف بن لوز. الكتاب مهم اسمه «إحياء العقيدة الإسلامية». يوسف بن لوز فرنسى من أصل جزائرى. ولأنه فكَّر، وحاول تقديم نظريات أكثر تعقلًا وأكثر منطقية، فهو كالعادة لم يعجب تيارًا سلفيًا إسلاميًا توغل فى المجتمعات الأوروبية خلال السنوات الأخيرة بشدة. 
السلفيون فى أوروبا، أشد قسوة من السلفيين فى بلادنا. سلفيو أوروبا يميلون أكثر للتضييق، ويرفضون العقل أكثر، ويعملون على استعادة الماضى، وسيرة الماضى، وأحداث الماضى أكثر، معتبرين الماضى هو الدين، ومعتبرين عصور الأولين، وحدها، هى النموذج الأوحد للدين. 
يشن السلفيون حربًا ضروسًا ضد بن لوز منذ صدور كتابه لعدة أسباب، أولها أن بن لوز تحيز لفكرة: «أن قليلا من الفلسفة لن يضر الدين، وأن المسلمين فى حاجة لبعض المنطق بعد أكثر من ١٤٠٠ عام من الرسالة المحمدية، دخل على دينهم ما لا هو منطقى وما لا هو جدير بأن يكون عقائديًا». 
لا يعرف السلفيون مثل هذا الكلام. لا يتصور الأصوليون أن يأتى إليهم شخص ويسألهم: ماذا يعنى مصطلح «معلومًا من الدين بالضرورة»، ولا من الذى جعله ضرورة.. ولا من الذى سماه معلومًا؟ 
لكن بن لوز الذى درس الفلسفة الإسلامية يرى «أن خطيئة المسلمين فى عصور ما بعد التابعين أنهم اعتبروا الفلسفة قلة إيمان، والجدل تضييع وقت، لذلك خرجت معظم نظريات الفلسفة الإسلامية من غير العرب، كالرازى والسهروردى والشهرستانى والدهلوى». 
قال إن المسلمين العرب ليسوا مجددين، وإنهم لن يجددوا لأنهم لايستطيعون التجديد. وإن المسلمين السنة الأشاعرة لا يميلون للعقل فى علوم الدين رغم أنهم يتكلمون كثيرًا عن العقل وعن أولى الألباب. 
فى كتابه قال بن لوز إن المسلمين خسروا باعتبارهم الفلسفة سفسطة، و«الاجتهاد» فى وجود السنة خروجًا على العقيدة، لأن كلامهم هذا ليس صحيحًا.
اعتبر الكتاب «مدرسة التمسك بالحديث النبوى فى المدينة هى سبب أغلب مشكلات الفكر الدينى الإسلامى، وأنها هى التى سوقت للمسلمين قاعدة «النقل» يبطل «العقل»، والنتيجة.. كارثة، ترتبت عليها كوارث، وانتهى الأمر إلى فكر جامد قديم تراثى، ساوى بين الخرافة وبين غيبيات الدين..والنتيجة كارثة ثالثة. 
«النقل» فى علوم الدين مقصود به القرآن والسنة. أما المقصود بالعقل، فهو الرأى والاجتهاد وإعمالهما فى إعادة تأويل آيات القرآن الكريم، من آن لآخر، والاجتهاد وفق قاعدة تغير الأحكام مع تغير الأزمان، حتى لو خالف الاجتهاد سنة، أو تفسيرًا قديمًا لآيات الله.
قال بن لوز فى كتابه إن التجديد فى الإسلام «تكلس»، وإن «المنقول» الذى ارتبط بالنظريات التراثية أزاغ بصر المسلمين عن طريق العقل. 
المعنى أن فلسفة المسلمين العقائدية ليست على ما يرام، فهم حتى الآن لم يستطيعوا حسم مسائل جدلية مهمة تدفع بعقولهم للأمام. المسائل الجدلية فى العقيدة، ليست مهمة لذاتها، لكن التصدى لها فكريًا، يمكن اعتباره تدريبًا عقليًا مهمًا، فى الطريق لتحرير ذهنية المسلم من «تابوهات» لم يملك شجاعة إخضاعها للنقاش من قبل أى مجتمع إسلامى. 
خذ الآتى مثالًا. علاقة الأرزاق والأعمال بنظرية «المكتوب على الجبين لازم تشوفه العين»، قضية جدلية مهمة، تضاءل البحث فيها، على حساب نواقض الوضوء، وأدعية دخول الخلاء.. وفقه سنن الجماع.
قال بن لوز، إن فكرة «المكتوب على الجبين» ليست إسلامية، لأن الله سبحانه لم يكتب شيئا على عباده. صحيح أنه سبحانه، هو الذى وضع القوانين الأولى الخاصة بالكون فى بداية الخلق، لكن هذا لا يمنع أنه لا يدخل فى علم الله ما سوف يقدم عليه العباد من اختيارات، إلا بعد اختيارهم.
المنطق فى رأيه أن يختار العباد أفعالهم، وفق إرادتهم، ووفق القوانين التى وضعها الله فى بداية خلقه للكون. المعنى أيضا أن الله لم يكتب على فلان فعل أمر ما، ولا على علان ترك أمر ما، فهو لم يكتب على أبى بكر «رضى الله عنه» الإيمان، ولا كتب على أبى لهب الكفر. لو كان سبحانه كتب على كل واحد من البشر أعماله واختياراته، فإن كلا من أبى بكر، وأبى لهب، سيكونان ملزومين بفعل ما كتبه الله عليهما، لأن المكتوب لا يغيره إنسان. 
ولو أن كلا من أبى بكر وأبى لهب نفذ ما أراده الله وكتبه عليه، ثم مات أبو بكر مؤمنًا، ومات أبو لهب كافرًا، فالاثنان يجب أن يكون مصيرهما الجنة، لأن الاثنين كانا ينفذان «إرادة ربانية»!
مات أبو بكر مؤمنًا لأن الله أراده صديقًا، ومات أبو لهب كافرًا لأن الله أراده كذلك!! 
كلام بن لوز منطقى، لذلك قلب الدنيا على رؤوس السلفيين فى أوروبا، فالسلفيون يخافون الكلام، ويخافون المنطق، ويخافون الذى مثل يوسف بن لوز.. يفكر!!