الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

العولمة والأصولية الإسلامية والغرب "2"

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
إن تصادم الحضارات القائم الآن بين العالم الإسلامى من ناحية، وأوروبا وأمريكا أو لنقُل الغرب من ناحية أخرى، له طبيعة أخرى، وشكل مختلف عما كان عليه فى القرون الوسطى، لنعتبر وجهة النظر المسيطرة والسائدة الآن فى أوروبا. النظرة الحالية تعتبر أن التصادم الواقع الآن ليس دينيًا، لكنه بين مبادئ الليبرالية الفردية، والدين المختلط بالسياسة. 
وبالنسبة لكثير من الأوروبيين، فإن الفروق الدينية بين الإسلام والمسيحية ليست هى المهمة، بل يجب أن يحسب له حساب هو «المعيار» الذى تقام عليه، أو «الإطار» الذى يحتوى السياسة. فى هذه الناحية من أوروبيى اليوم عمومًا يحرزون تقدمًا على منتقدى الإسلام فى العصور الوسطى، فالأوروبيون اتخذوا العلمانية منهجًا لحياتهم، وبالتالى لا يجب أن يشعروا بصدمة من العقائد الإسلامية. 
كذلك فهم ليسوا فى حاجة إلى استنفاد طاقتهم فى محاولة إثبات أن الدين المسيحى دين أفضل، فبإمكاننا اليوم أن نناقش كل الخلافات العقائدية المعقدة بهدوء ودون حساسية. تبعًا لذلك فإن الأوروبيين مع «المثقفين المتحررين» فى البلاد الإسلامية، يستطيعون أن يتوافقوا على قاعدة ثقافية علمية لتفهم الأسباب التى أدت إلى نشوء «الدين السياسى» فى منطقة غرب آسيا، وتفهم أسباب نظرات الغرب العدائية للإسلام، ونحاول أن ننتقدها فى إطار من المرونة الفكرية، والأخذ فى الاعتبار كل العوامل والأقطاب المؤثرة، ونتبادل وجهات نظر مختلفة. إن الحرب ليست قائمة بين الغرب والإسلام، ولكن بين وجهات النظر المنغلقة المتزمتة فى كلا الجانبين. والواقع أن الغالبية من الطرفين مسالمون، ومرحبون للحوار، لكنهم للأسف يحشرون فى وضع غير مريح للغاية، الغالبية تريد تجنبه. 
دون تفهم ثقافة «الآخر»، وبدون إيجاد قاعدة من الحوار والاحترام المتبادل فإن العديد من الأوروبيين والأمريكيين للأسف العميق يسكبون الزيت على النار، والأوروبيون يعلمون جيدًا مبادئ الحرية، والديمقراطية، والاحترام المتبادل الذى تبنى عليه مجتمعاتهم. وهذه القواعد هى نفسها الواجب استعمالها للتواصل مع «الآخر». 
لكن هذا لن يحدث بالتأكيد بأسلوب «القاعدة» أو «داعش»، ويقينًا لن يتم عن طريق قاذفات القنابل الأمريكية. والمرء يجب أن يكون أعمى وأطرش، حتى يقتنع بأن هذه الأساليب سوف تؤدى إلى عالم يكون فيه الجميع متساوين فى القيمة الإنسانية، وأن حقوق الإنسان قد روعيت ووزعت توزيعًا عادلًا على الجميع. 
وفى عالم يجب أن تكون عملته الدولار والقنبلة، ولسانه الإنجليزية بلهجة أمريكية، لن يكون هناك من يستغرب أن البعض من الذين يتعرضون لهذه القوة الغاشمة، سوف يكون رد الفعل كرد فعل نباتات البيوت الزجاجية عندما نعزف لها موسيقى الجاز الصاخبة، فتضمر، وتتكور، وتنغلق، وتتحول إلى كرات جامدة. 
وبغض النظر عن مكان بروز مراكز القوة والسيطرة خلال العقود القليلة القادمة، فستكون هذه الفترة هى الوقت المناسب لتغيير وتجديد صورة العالم، وهى الفترة التى بدت فيها إعادة تشكيل العالم. الصورة القديمة السائدة يبدو فيها العالم وكأنه مكون من شعوب، وحضارات، وقوميات، علاقاتها بعضها ببعض محدودة جغرافيًا وثقافيًا، وكل منهم له تاريخه، وقيمه الخاصة فى الحياة. أوروبا والغرب يمثلان العقل والمنطق، والتقدم، مع قبول أن آخرين قد يساهمون بعض الشيء.
هذه الصور يجب الآن أن تختفى، ويحل محلها صورة عالم يتسم بالتواصل، عالم فيه يتداخل الأفراد والجماعات، ويكون فيه اتصال مكثف لكل الحدود المتصورة، وتلاقح وتهجين ثقافى، ولا غرابة فى أن تبقى الشعوب رغمًا عن ذلك لها تجاربها وفكرها المختلف. وهذا طبيعى، لأنهم يعيشون تحت ظروف وتأثيرات مختلفة. 
إن القوى الإقليمية الظاهرة حاليًا واقفة على رمال تمور، وتواجه تحديًا كبيرًا فى كثير من بقاع العالم من «شبكة من القوى» أكثر مرونة ونعومة. ولو أن مطالب الآخرين بمن فيهم المسلمون من العدل، والاحترام، والاعتراف، لم تقابل إلا بغطرسة ملفوفة بالحرير، فمن المؤكد أن العالم سيجد نفسه محشورًا فى جحيم وسعير. 
وسيصبح عالمًا سيئًا غير مريح، كئيبًا وموحشًا، ولا أمان فيه وغامضًا غير واضح، وحيث تستبدل الثقة بالنفس والأمل فى المستقبل بالقلق وعدم وضوح الرؤية، وحيث يهدد الشك والريبة الثقة المتبادلة بين البشر، وهو ما يحدث فى العالم الآن.