الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

العولمة والأصولية الإسلامية والغرب «١»

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
إن مستقبل البشرية يكمن فى، إما أن يقبل التنوع الثقافى، أو لا يكون مطلقًا. وعلينا بالتالى أن نفهم ونعى، أن عمليات التمازح الحضارى، وتزاوج الثقافات واندماجها، ينتج عنها ردود أفعال. وعلى المجتمع أن يتفهم، أن من الممكن أن تكون له «هوية ثقافية» آمنة مطمئنة سليمة، دون الحاجة إلى فرضها على الآخرين. 
لقد أصبح من الضرورى فى عالمنا، أن نقبل وجود آخرين، لهم أسلوب معيشة مختلف، ويسير تبعًا لمبادئ وقيم مختلفة نوعًا ما، عما ارتضينا لأنفسنا. فإن البديل إما العزلة أو العنف. 
إن العولمة الاقتصادية تولد تركيزًا لرأس المال، وزيادة قوة ونفوذ الشركات المتعددة الجنسيات، أو الأجنبية، التى لا تؤدى التزاماتها المحلية. وتؤدى أيضا إلى إضعاف النقابات العمالية. وعلى العكس فإن العولمة الثقافية تؤدى إلى سهولة الحصول على المعلومات، وبالتالى تؤدى إلي القدرة على تطوير الديمقراطية. لكن فى الوقت نفسه، لن يكون من المؤكد أن نتمكن من احتواء أو إضعاف أى من الجانبين دون أن نضطر إلى قبول الجانب الآخر من الصفقة. 
عولمة الثقافة تحمل فى طياتها أن «الرسالة» المنتجة بكثرة، ترسل إلى كل مكان، وأنها لم تعد ترتبط بمكان الإنتاج، وهذا ينطبق على درجة معينة من الثقافات. إلى حد الآن فالبراهين والحجج تشير إلى أن العولمة أو النشاطات العابرة للحدود، لها تأثير حاسم فى تكوين الهوية الفردية أكثر حسمًا مما لــ «الاندماج الأوروبى». ولكن هل هذا صحيح؟. دعنا نفحص عن قرب الأسباب التى تبين أن هذه البراهين غير مقنعة: 
أولًا: لأن عملية التكامل الأوروبى، خلقت حسًا قويًا بالهوية، إن عملية الاندماج فى الاتحاد الأوروبى، والخطط المرسومة المتعلقة بالهوية قد أنتجت تزايدًا فى الإقليمية الأوروبية. 
ثانياً: المؤمنون بالوحدة الأوروبية فى بروكسل بدأوا فى الأخذ فى الحسبان التشابه فى التنوع، بدلًا من التجانس الثقافى. الأمر الثالث والأخير أن عمليات التكامل والتوحيد الاقتصادية، سوف تولد نماذج ثقافية لا يمكننا التنبؤ بأنماطها، لكن ذلك سوف يؤدى إلى تقارب الأوروبيين مع بعضهم بعضًا فى مختلف الدول. وكما هو معروف، فإن أوروبا شيء مغاير ومختلف عن الولايات المتحدة الأمريكية. ولو اعتبرنا أن الولايات المتحدة الأمريكية، هى ابنة أوروبا المتمردة غير الناضجة، فسوف يعتبر بالمثل العالم الإسلامى، الأخ غير الشقيق، وغير الموثوق به لأوروبا المسيحية. إن النظر إلى العالم الإسلامى على أنه التهديد الأكبر لأوروبا يبدو مضحكا. 
فالاعتقاد الذى يمكن قبوله، هو العكس تمامًا، أى أن أوروبا تمثل أكبر تهديد للعالم الإسلامى. إن أوروبا غنية بلا حدود، وأقوى عسكريًا، ومتحالفة مع القوة العسكرية والاقتصادية الأولى فى العالم، تحالفًا أقوى بكثير من أى دولة إسلامية تحلم بالحصول على مثله. هذا رغم أن الإسلام فى صعود رمزى، منذ أواخر القرن العشرين، وهذا مما لا شك فيه. ففى بروكسل، كما فى كثير من المدن الأوروبية الكبرى، ينمو الوجود الإسلامى بسرعة تتجاوز الأضعاف من أى أقليات دينية أخرى. 
إن تزايد الأصولية الإسلامية، وتقدمها فى كثير من الأراضى الأوروبية، يمكن النظر إليه واعتباره رد فعل على أصولية أخرى، هى أصولية الليبرالية واقتصاد السوق. وبدلًا من بذل محاولات تقارب بين أوروبا، والبلاد الإسلامية، تكون مبنية على الانفتاح والاحترام، نرى تزايد الاستقطاب، والمخاطر، حيث يحاول كلا الطرفين شيطنة الآخر، فى محاولة لتقوية تماسك وحدته المجتمعية الداخلية. 
إن الأصولية الإسلامية فى البلاد الإسلامية، تعتبر بالنسبة لهؤلاء الذين يجاهدون من أجل بناء هوية أوروبية «هدية السماء». لقد وجدوا ضالتهم التى يمكن استعمالها لتقوية شعور الأوروبيين بــ «المشترك الأوروبى» أنها بشعة بالدرجة المناسبة، ومرعبة بالدرجة المناسبة، وتمثل صورة كريهة لعدو لا خطر منه، ويوجد بها البعد التاريخى. مثل هذا الاستقطاب الذى ينمو خلال عملية بناء الهوية الأوروبية، لن يخدم عدة ملايين من الأوروبيين الذين يوجدون فى أوروبا الآن. عشرة ملايين من مواطنى الاتحاد الأوروبى، هم من المسلمين، وليس لهم أى مكان داخل أراضى الاتحاد الأوروبى يمكن إطلاق اسم «إسلامى» عليه.