السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

بوابة العرب

«مبارك» وعمر سليمان في أوراق أمير قطر الراحل خليفة بن حمد

«البوابة» تنشر سيرة الرجل الذى صعد إلى السلطة بـ«انقلاب» وأزيح عنها بـ«خيانة الابن»

 عمر سليمان ومبارك
عمر سليمان و"مبارك" و الشيخ خليفة بن حمد آل ثاني
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
قصة هذا الرجل بدأت بانقلاب وانتهت بانقلاب. صعد إلى السلطة عبر انقلاب على ابن عمه، ونزل عنها بعد انقلاب نفذه ابنه.
ربما لم يعرفه كثيرون إلا بعد إعلان الديوان الأميرى القطرى وفاته. هو خليفة بن حمد آل ثانى، والد أمير قطر السابق حمد بن خليفة، جد الأمير الحالى تميم بن حمد، الذى وارى جسده التراب فى مقبرة الريان، أمس، بعد الصلاة عليه فى جامع الإمام محمد بن عبدالوهاب فى مدينة الدوحة.


لنبدأ بالانقلاب الأول.
نحن الآن فى 22 فبراير 1972، ذهب أمير دولة قطر آنذاك أحمد بن على بن عبد الله آل ثانى، فى رحلة صيد بإيران فكان هو الفريسة حينما أطاحه ابن عمه خليفة بن حمد آل ثانى على جناح انقلاب عسكرى.
تولى الشيخ خليفة السلطة فى 23 فبراير 1972، ولم يكتف بخلع ابن عمه، وإنما أصدر أمرًا بنفى أسرته ما بين بريطانيا والسعودية. 
كان الانقلاب الذى استولى به على السلطة عالقًا فى ذهنه فغلب عليه الحيطة والحذر. أبعد أقاربه عنه. كان يخشى انقلابهم ولم يكن يدرى أن من سيفعلها سيخرج من صلبه، وسيتربى فى بيته، وسيحمل اسمه، إنه ابنه الأكبر «حمد».
قبل «انقلاب الابن» بـ١٠ سنوات، وقع قتال على العرش بين «خليفة» وشقيقه «سحيم»، انتهى بمقتل الأخير برصاص أنصار شقيقه فى شمال البلاد فى أغسطس ١٩٨٥.
شدد «خليفة» من إجراءاته لمنع أى حراك أو «انقلاب محتمل»، لكن الضربة جاءت من داخل البيت.
كان «حمد» شريكًا لوالده فى الحكم، فقد تولى قيادة الجيش، وأصبح وليًا للعهد.
لم ينتظر الابن «كلمة القدر» لينتقل من مقعد ولى العهد إلى مقعد الأمير لكنه استبق «إشارة السماء» استنادًا إلى خبرة أسرة «آل ثانى» فى الانقلابات، وإن كان انقلابه هذه المرة سلميًا وتليفزيونيًا من الدرجة الأولى.
يوم الثلاثاء ٢٧ يونيو ١٩٩٥، كان الشيخ خليفة قد غادر قطر إلى أوروبا فى رحلة استجمام كعادة شيوخ الخليج. أقام الشيخ حمد حفل وداع فاخر لوالده فى المطار، قبّل يده أمام عدسات التليفزيون، ثم التفت ليكمل خطته فى خلع أبيه عن الحكم.
بعد مغادرة الشيخ خليفة مطار قطر قطع التليفزيون الرسمى إرساله لإعلان بيان الانقلاب الأول.
استدعى «حمد» رموز القبائل والعائلات القطرية إلى الديوان الأميرى للسلام عليهم لكنه بدلًا من السلام فوجئوا به يطلب منهم مبايعته أميرًا للبلاد، وبث مشهد السلام على التليفزيون «صورة بلا صوت»، وكان هذا هو الانقلاب الثانى.
بعد الانقلاب بدأ معارضو الشيخ حمد يعبرون عن غضبهم، ولأول مرة كتبوا على الحوائط واصفين الأمير الجديد والذين معه بـ«خيانة الوطن والأمير»، وبينما كان «حمد» يجهز نفسه ليكون أميرًا للبلاد وجد من يكتب على الحائط «خليفة أميرنا إلى الأبد».
بدأ «الأمير المنقلب» فى حصار معارضيه. ألقى القبض على ٣٦ معارضًا خلال أيام قليلة، وضعهم فى سجن فى «بوهامور»، وكانت تهمتهم انتقاد نظام الحكم فى أحاديثهم التليفزيونية. 
بالتوازى مع خطوات «حمد» لتثبيت أركان عرشه، أصدرت والدته بيانًا من مقر إقامتها الجديد فى أبوظبى تبرأت فيه من ابنها، ومن ولديها «عبدالله» و«محمد»، لأنهما انضما إلى أخيهما فى الانقلاب على أبيهم بعد أن وجدا كفة شقيقهما الأكبر هى الرابحة. 
بذل الأمير الوالد خليفة محاولات عديدة من أجل العودة إلى كرسى الحكم مرة أخرى، ففى نوفمبر ١٩٩٦ كانت محاولة انقلاب بمشاركة قوة من حرس الأمير خليفة وعددها ٣٠٠ رجل، ولكنها فشلت، وقرر «حمد» دمج حرس والده فى وحدات الجيش القطرى، خوفًا من تحولهم إلى عصابات تؤرقه.
هنا يظهر اسم حمد بن جاسم بن حمد آل ثانى، وزير الخارجية القطرى السابق، إذ تردد أن من قام بهذا الانقلاب كان الشيخ حمد، ومن أوراق الانقلاب أنه (حمد بن جاسم) كان ينتظر على الحدود السعودية القطرية، للتحقق من نجاح الانقلاب، أو فشله، وقد عثرت الشرطة على كميات كبيرة من الأسلحة والذخائر فى منزل الشيخ حمد ببيروت.
كانت هناك محاولة أخرى للانقلاب على «حمد» فى صيف عام ٢٠٠٩، وهى المحاولة التى ألقى القبض بعدها على ٣٠ من ضباط الجيش القطرى، ووضع «حمد» العديد من أفراد أسرته قيد الإقامة الجبرية.
الغريب فى هذه المحاولة هو بروز اسم حمد بن جاسم أيضًا، كان من بين الذين تآمروا على «حمد»، بل كان بمثابة العقل المدبر للانقلاب، ولكن المفاجأة أن حمد بن جاسم لم يحبس، ولم تحدد إقامته، ولم يتقدم باستقالته، اعتذر لحمد بن خليفة، مسح ابن عمه الذنب عنه بعدما تأكد أن «بن جاسم» يمكن أن يكون كنزًا استراتيجيًا بالنسبة له.
ومن طرائف العلاقة بين الرجلين، أن حمد بن خليفة لم يكن يسافر خارج الدوحة إلا ومعه حمد بن جاسم، لأنه كان يخاف أن ينقلب عليه.
سيرة «الانقلابات الفاشلة» لإعادة الشيخ خليفة إلى عرشه تقدم تفسيرًا لما يمكن وصفه بـ«العقدة النفسية» التى تحكمت فى علاقة الأمير السابق حمد بن خليفة مع مصر، وهى العقدة التى ورثها إلى ابنه «تميم».
فى «انقلاب ١٩٩٦» الفاشل، ألقت السلطات القطرية القبض على ١١٠ أشخاص بينهم مصريان بتهمة التورط فى المحاولة.
يومها خرج الأمير حمد ليتهم أبيه بإصدار الأمر بمحاولة الانقلاب بمساعدة دول أجنبية لم يحددها، غير أن وزير خارجيته، حمد بن جاسم بن جبر آل ثانى، اتهم مصر بتأييد المحاولة الانقلابية الأمر الذى نفته القاهرة نفيًا قاطعًا.

خرج حسنى مبارك ليؤكد أن «مصر لا تتدخل فى الشئون الداخلية لأى دولة عربية ولا علاقة لها فى هذا الإطار بمزاعم محاولة انقلاب فى قطر».
وكان المصريان المتورطان فى الانقلاب وهما ضابطان يعملان بعقود مع الحكومة القطرية (عطية بدرى عطية وأحمد توفيق سعيد)، قد حوكما غيابيًا، لأنهما تمكنا من الفرار بعد المحاولة.
«مبارك» أكد وقتها أيضًا أنه إذا كان لهذين الضابطين أى علاقة بمحاولة انقلاب فى قطر فعليهم أن يقدموهما للمحاكمة.
بعدها عاش الشيخ خليفة خارج قطر بين السعودية والإمارات وعدة عواصم أوروبية فى منفى اختيارى لمدة ٩ سنوات.
وكان «حمد» قد تصالح مع أبيه فى يناير ١٩٩٧، لكن الأخير ظل موجودًا فى الخارج حتى عام ٢٠٠٤، حينما عاد إلى الدوحة.
بعد المصالحة أخذ «حمد» يزور والده بشكل منتظم فى بعض العواصم الأوروبية التى كان يتنقل بينها، وأوقف الدعاوى التى أقامها ضد «الأمير الأب».
وقصة هذه الدعاوى تستحق أن تروى أيضًا.
بعد «انقلاب الابن» ظهر أن عائدات النفط كانت تذهب بالكامل إلى حساب شخصى باسم «الأمير المخلوع»، وأن للأمير حصة فى جميع المؤسسات والشركات العاملة فى الإمارة.
طلب «حمد» بالحجز على أموال والده فى المصارف السويسرية باعتبار أنها تعود إلى إمارة قطر إلا أن هذا الأمر لم يتم بعد «مصالحة ٩٧» برعاية عربية، حيث جرى الاتفاق أن تبقى الأموال مع الشيخ خليفة مقابل امتناعه عن القيام بأى تحركات مريبة أو اتصاله بمؤيديه فى الداخل والخارج وموافقته على تسليم كبار معاونيه الذين كانوا يقيمون آنذاك فى أبوظبى.
ما الذى حدث بعد ذلك؟
فى الرابع عشر من أكتوبر عام ٢٠٠٤، عاد الشيخ خليفة إلى قطر، للمشاركة فى تشييع جثمان إحدى زوجاته وهى الشيخة موزة بن على بن سعود بن عبدالعزيز آل ثانى، التى كانت ترافقه فى المنفى بباريس، عن عمر يناهز ٥٠ عامًا، وهى والدة أصغر أبنائه، وهو الشيخ جاسم بن خليفة آل ثانى، الذى كان مرافقا لوالده فى الخارج.
استقبله ابنه الشيخ حمد وقد لقب فى وسائل الإعلام القطرية بـ«الأمير الأب».
وفق معلومات مؤكدة فإن عودة الشيخ خليفة إلى الدوحة جاءت بوساطة مصرية.
فى التفاصيل أن الراحل عمر سليمان كان قد توسط لدى الشيخة موزة زوجة الأمير السابق عن طريق أخيها «خالد» الذى كان يدرس فى الكلية الحربية بمصر.

زار عمر سليمان الدوحة، والتقى الشيخة موزة، وتحدث معها أن تتوسط لدى زوجها لعودة الشيخ خليفة.
كان الرجل يعلم أن القرار فى يدها، ولم تمر إلا ٢٤ ساعة وجاء إليه اتصال من الشيخة موزة تبلغه موافقة الأمير على عودة والده.
بالفعل عاد الشيخ خليفة، لكنه غاب تمامًا عن الأضواء، وكانت التسريبات تقول إنه قيد الإقامة الجبرية، ومعلومات أخرى تقول إنه فى أحد المراكز الطبية بالدوحة ويعانى من أمراض شيخوخة متفاقمة.