الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

من تاريخ اليسار.. صحفيون ونبلاء "1"

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
دائمًا ما يكون اليسار هو الحاضر عندما يكون الوطن فى خطر، ودائما ما يكون اليسار هو المبادر بتقديم خارطة طريق مختلفة لإنقاذ الوطن، ودائما ما كانت أسلحة اليسار هى الورقة والقلم، عن صحافة اليسار التى عشقت الوطن أتحدث.
سجل تاريخ مصر عشرات بل مئات من الصحف والمجلات والنشرات الدورية وغير الدورية، كل همها أن تقول كلمتها وتدفع الثمن، غلق ومصادرة وتشريد واعتقال، بل اغتيال بدم بارد أحيانا.
اليسار كان المعارضة التى تجلس على المقاعد الشمال للبرلمان الإنجليزى ومن بعده الجمعية الوطنية الفرنسية، أيام زمان، ومن بعد ذلك أصبح اللقب لصيقًا بالحركات الاشتراكية التى تسعى إلى تغيير مجتمعاتها وتحقيق المساواة والعدالة الاجتماعية.
وليس غريبًا أن يتسلل فكر اليسار الاشتراكى إلى مصر عن طريق الشيخ رفاعة رافع الطهطاوى تكرر الأمر، ثمّ توسع مع عودة مزيد من المبتعثين إلى أوروبا للدراسة، هؤلاء الذين تأثروا بالأفكار الاشتراكية التى كانت رائجة آنذاك فى أوروبا، تحديدًا فى نهايات القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين، ووقتها أيضًا ظهرت كتابات تعرض للاقتصاد السياسى. حتّى أصدر سلامة موسى أوّل منشور عربى عن الاشتراكية عام ١٩١٢، وهو كُتيّب باسم «الاشتراكية»، بعد ذلك بنحو ثلاثة أعوام، أصدر مصطفى حسين المنصورى كتاب «تاريخ المذاهب الاشتراكية»، وبات كلا الكاتبين «سلامة موسى ومصطفى المنصوري» من رواد الفكر الاشتراكى فى مصر، وأوّل من ألفا فيه فى العالم العربى. وخلال العقد الأوّل من القرن العشرين، حملت مصر على أرضها من اعتنق الأفكار الاشتراكية، وإن لم يسبق بالكتابة فيها، سلامة موسى أو مصطفى حسين المنصوري؛ والمؤرخ الإسلامى محمد عبدالله عنان والشيخ الأزهرى صفوان أبوالفتح، ومن بين هؤلاء شبلى شميل، اللبنانى الذى أقام بالإسكندرية، وقد سعى فى ١٩٠٩ لتأسيس حركة اشتراكية، لكنّ مساعيه باءت بالفشل، ليذهب مع سلامة موسى وإخوانه إلى إصدار جريدة المستقبل ذات التوجهات اليسارية عام ١٩١٤. 
ومن أبرز المناطق التى شهدت دعوات الاشتراكية كانت الإسكندرية التى شهدت مولد الحزب الاشتراكى، ثم تعديل اسمه إلى الحزب الشيوعى فى بدايات العشرينيات من القرن الماضى، حتى أطاح به سعد زغلول وطارد أعضاءه وقياداته وسجن من سجن وقتل من قتل.
ويكاد يكون الدكتور رفعت السعيد هو الوحيد الذى رصد وعرض صحافة اليسار فى تلك الفترة، وحتى حركة يوليو وبعدها بقليل، ولكنه كان محددًا فى دراسته على الأحزاب والتنظيمات الشيوعية السرية، وخلص إلى أن تلك التنظيمات كانت تتنفس من خلال الصحف التى تصدرها، حتى إن بعضها قد أصبح اسم تنظيمه على اسم الصحيفة التى يصدرها.
ولأن التنظيمات اليسارية الاشتراكية كانت من اسم الصحف، فقد كانت تلك الصحف من اسم من صنعوها وصنعوا معها بلسم الحياة لشعب مصر، وهنا لا أتحدث عن صحف سرية بل علنية صنعها راحلون أقف أمامهم إجلالًا واحترامًا، اخترت بعضهم فى اعتقادى أنهم رواد صحافة اليسار، أما نجوم الصحف اليسارية اليوم فهذا له حديث آخر.
الأول، «سلامة موسى».. محرر الطبقات المطحونة من عبودية الوهم والخرافة.
اتخذه العديد من المفكرين والأدباء أبًا روحيًا لهم، وكان على رأسهم الأديب العالمى نجيب محفوظ، الذى قال عنه: «كان سلامة موسى الراعى والمربى الأدبى لى، وكان الوحيد الذى قبل أن يقرأ رواياتى الأولى، وكان أحد العوامل الكبرى التى ساعدتنى فى حسم اختيارى الأدبى»، و«كنت أمضى العام كله وأنا أكتب رواية واحدة ثم آخذها تحت إبطى فى آخر العام، وأركب الترام إلى الفجالة، أدخل حارة ميخائيل جاد وأدق باب أحد البيوت فيخرج لى سلامة موسى، ويأخذ منى الرواية وأسبوع يمر وأروح لسلامة موسى البيت فأفاجأ به يقول لى: مش بطال لكن حاول مرة تانية وحين صدرت المجلة الجديدة، وكنت أول قارئ اشترك فيها فأرسل لى سلامة موسى خطابًا يشكرنى ويقول فيه: أعتبرك من أصدقاء المجلة».
يقول سلامة موسى: عندما أقارن بين مؤلفاتى وبين مؤلفات طه حسين وعباس العقاد، أعجب أكبر العجب؛ لأن موضوعاتها التى تشغلهما تختلف عن الموضوعات التى تشغلنى، فإن لهما أكثر من ثلاثين أو أربعين كتابًا عن شرح المجتمع العربى فى بغداد والمدينة ومكة وغيرها من الدراسات عن أبطال من العرب ماتوا قبل ١٣٠٠ أو ١٤٠٠ سنة.
وتقرأ بسنت موسى فى كتابه «هؤلاء علمونى»، فتقول: بدأ أستاذنا سلامة موسى كما يقول فى رسم خارطة حياته حوالى عام ١٩٠٦، حيث قرر الذهاب إلى أوروبا وهناك انبسطت له آفاق وأحلام جديدة، وذلك من خلال أنه بدأ أولًا فى تعلم اللغتين الفرنسية والإنجليزية، فاختلط بعناصر جديدة فى تلك المجتمعات، وقرأ العديد من الكتب التى بعثت النور فى عقله والشجاعة فى قلبه، فقرر منذ ذلك الوقت وهو فى حوالى العشرين من العمر أن يكون متمدينًا مثقفًا، وعاش باقى سنوات عمره كما يقول فى خصومات بسبب قراره هذا.
تولى موسى رئاسة تحرير واحدة من أهم المجلات الثقافية العربية «الهلال» من ١٩٢٣ وحتى ١٩٢٩، وفى ١٩٣٠ أسس مجلته «المجلة الجديدة» التى نشر فيها لسنوات خلاصة أفكاره المناصرة للعلم والحضارة الغربية مع نزعة اشتراكية إصلاحية. كذلك كان من رواد تيار «فرعونية مصر» مع نظرة لم تتخل عن استهجان الثقافة العربية والأدب العربى. 
كان سلامة موسى يرى أن تحرير الطبقات المطحونة من عبودية الوهم والخرافة سوف يؤدى إلى تحرير تلك الفئات من سائر أشكال العبودية.
الثانى،، شبلى شميل، (١٨٥٠ - ١٩١٧)، لبنانى من طلائع النهضة العربية. تخرج فى الكلية البروتستانتية الجامعة الأمريكية فى بيروت، ثم توجّه إلى باريس لدراسة الطب، ثم استقر فى مصر، أقام فى الإسكندرية، طنطا، ثم القاهرة.
أصدر مجلة «الشفاء» سنة ١٨٨٦م، وكان أول من أدخل نظريات داروين إلى العالم العربى من خلال كتاباته فى المقتطف، ثم مؤلفه «فلسفة النشوء والارتقاء». كما أصدر هو وسلامة موسى صحيفة أسبوعية اسمها المستقبل سنة ١٩١٤ لكنها أغلقت بعد ستة عشر عددًا.
دافع عن العلمانية كنظام سياسى، إذ كان يرى أن الوحدة الاجتماعية، ضرورة أساسية لتحقيق إرادة شعبية عامة، تستلزم الفصل بين الدين والحياة السياسية على اعتبار أن الدين كان عامل فرقة.