السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

الإمبراطورية الأمريكية والإرهاب الأسـود "1"

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
اعتبر دونالد ترامب، المرشح الجمهورى للرئاسة الأمريكية، أن الحرب الأمريكية فى العراق كانت خطأ، قائلًا بأنها «حرب، لم يكن يجب علينا الانجرار إليها أبدًا». وانتقد المرشح الجمهوري سياسات باراك أوباما وهيلارى كلينتون، التى تولت حينذاك منصب وزير الخارجية، تجاه هذه القضية، قائلا إن سحب القوات الأمريكية من العراق فى عام ٢٠١٣ وجه «صدمة للنظام» فى هذه البلاد، أتاحت لتنظيم داعش «الترعرع» هناك. وخلص ترامب إلى أن «سياسة واشنطن فى الشرق الأوسط أدت إلى كارثة كبرى».
وعلى جانب آخر شكك مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، جون برينان، الخميس ٨ سبتمبر فى إمكانية عودة العراق وسوريا موحدتين تحت سلطة مركزية. وقال برينان فى مقابلة نشرها مركز مكافحة الإرهاب التابع للأكاديمية العسكرية فى ويست بوينت: «لا أعرف ما إذا كان ممكنا إصلاح العراق أو سوريا. هناك الكثير من سفك الدماء وتدمير هائل وانقسامات طائفية، إنه توتر محتدم دائما. لا أعرف ما إذا كنت سأبقى حيا لرؤية حكومة مركزية فى كلا البلدين لديها قدرة على الإدارة بشكل عادل». وأكد أن تنظيم «داعش» سيظل موجودًا فى الشرق الأوسط لمدة طويلة، وسيشكل المقاتلون الأجانب تحديًا للولايات المتحدة يمتد لسنوات عديدة، موضحًا «أعتقد أن أعداد (المقاتلين) ستكون تحديًا للولايات المتحدة وللحكومات الأخرى على مر السنين». وردًا على سؤال بشأن ما إذا سيبقى تنظيم «داعش» أم لا فى حال تم القضاء على «خلافته» المزعومة، قال برينان إن تنظيم «داعش» سوف «يحتفظ بوجوده فى سوريا والعراق على مدى زمنى لا بأس به». 
لقد قامت الولايات المتحدة بدور بالغ الخطورة فى تفكيك النظام الإقليمى العربى، وتثبيت حالة الفراغ الإقليمى ليشغل هذا الفراغ قوى الإرهاب الأسود، إن صناع السياسة الأمريكية كانوا مشغولين بنوع من التفكيك المقصود لمشروع المتوسط، وذلك كجزء من المركب الأمنى الإقليمى للمشروع الأمريكى «الشرق الأوسط الكبير». 
وشهد العقد التالى لهجمات ١١ سبتمبر ٢٠٠١ حدثين غيرا سياسة الشرق الأوسط، الأول غزو العراق بقيادة الولايات المتحدة فى ٢٠٠٣، والثانى موجة الانتفاضات الثورية التى جابت العالم العربى فى ٢٠١١. كان قرار الولايات المتحدة بغزو العراق رد فعل على المأزق الذى وصلت له بحلول نهاية التسعينيات من القرن المنصرم. فبعد عقدين من الحرب والعقوبات والعمليات السرية التى فشلت فى تحقيق انهيار الجمهورية الإسلامية فى إيران، أو الدولة البعثية فى العراق. 
ثمة عاملان إضافيان لضعف موقف الولايات المتحدة. أولًا أن روسيا والصين وفرنسا كانت ترعى علاقاتها التجارية مع العراق، كما بدأ الاتحاد الأوروبى بطرح مبادرات سياسية، وحتى بريطانيا كانت تطرح نهاية للعقوبات على العراق. ثانيًا ثمة دلائل متزايدة على عجز عالمى قادم فى البترول، حيث لم تعد شركات البترول الدولية قادرة على إحلال البترول الذى تنتجه باستكشاف إمدادات جديدة. ونظرًا لحيازة إيران والعراق لأكبر احتياطيات بترول معروفة بعد السعودية، لم يكن من شأن سياسة الولايات المتحدة لمحاولة منع تطوير الصناعات البترولية فى البلدين سوى زيادة ضعفها. 
استغل صعوبة موقف واشنطن مجموعة من العسكريين الأمريكيين، يرجع نفوذها فى السياسة الأمريكية إلى عهد التحولات السياسية فى ١٩٦٨-١٩٧٤، والتى سعت إلى عسكرة العلاقات الأمريكية مع دول الشرق الأوسط وإيقاف التسوية السلمية للقضية الفلسطينية. بعد المساعدة فى تصعيد وإطالة أمد الصراع فى أفغانستان فى الثمانينيات، دافعت هذه المجموعة عن مزيد من التدخل الأمريكى بعد حرب الخليج فى عام ١٩٩٠ للإطاحة بحكم صدام حسين، وحين خرجت من السلطة، أقامت فى معامل الأفكار التابعة للحركة النيوليبرالية التى بنٌيت بمساعدة الأرباح التى جناها بليونيرات البترول الأمريكان من صعود أسعار البترول فى أعقاب حرب أكتوبر ١٩٧٣، وحين عادت إلى السلطة تحت حكم جورج دبليو بوش فى عام ٢٠٠٠، شرعت فورًا فى التخطيط للحرب على العراق وانتهزت هجمات ١١ سبتمبر، فى الحصول على تأييد الغزو فى مارس ٢٠٠٣. 
وفى ديسمبر ٢٠٠١ طلب من ضابط كبير فى المخابرات البريطانية (MI٦) تزويد مكتب تونى بلير بقائمة بتبرير الإطاحة بالنظام العراقى، فأتى بالقائمة التالية: «إزاحة صدام حسين تظل مكسبًا لأن بمقدورها توفير عامل أمان جديد لإمداد البترول، وإشراك دول قوية وعلمانية ضد الإرهاب السنى المتطرف يفتح الأفق السياسى فى دول الخليج العربى ويزيل الخطر عن إسرائيل، ويقوض المنطق الإقليمى لأسلحة الدمار الشامل. ركزت الولايات المتحدة وبريطانيا على مخاطر الإرهاب والمخاوف من أسلحة الدمار الشامل لكسب التأييد العام. كتب رئيس المخابرات السرية البريطانية فى تقرير بعد لقاءات فى الولايات المتحدة فى يوليو ٢٠٠٢، أن بوش أراد أن يزيح صدام، بعمل عسكرى مبرر باقتران الإرهاب بأسلحة الدمار الشامل.