الثلاثاء 16 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

"مجد وغلب" فيلم مسرحي

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
فاجأنى الأستاذ المشرف على السينما عندما طلب منى فى إبريل من عام ٩٤ أن أكتب له مسرحية عن السينما! على أن تنتجها المؤسسة التى كان يرأسها، ولم يتدخل فى أى شىء على الإطلاق.
وفى الحال رُحت أفكر فى الأمر، ورأيت أنها فرصة لعرض ذلك الفن الذى بدأ عندنا مبكرا عن بقية البلاد التى تحيط بنا وبلاد أخرى أكثر بعدا عنا.
فرُحت أبحث عن هذا الفن فى بدايته الذى ساهم فيه بعض الفنانين الأجانب الذين كانوا يعيشون فى مصر. وكان على أن أبحث فى تدرج تطوره مع تقلبات حياتنا الفنية والسياسية من حال إلى آخر. وتطور بسرعة ولقى من الجمهور شغفا كبيرا وقد عاشرته عندما كنت أشاهده فى صباى وحتى اللحظة التى وصلت إلى وقت تقديم المسرحية.
وبالطبع لم أفكر أن يكون أبطاله من الممثلين الذين يعملون فى نفس الفن، بل اعتمدت على هواة من بين الكثير الذين تعاملوا معى من قبل. وجرت البروفات كلها فى مسرحى الخاص.
وبدأت من حيث بدأ هذا الفن ومراحله.. كيف بدأت بعمل السيناريو وحتى ظهور أى فيلم، وصولا إلى اللحظة التى كان يعرض فيها، وحتى لحظة قيام السلفيين بمحاولة منع هذا الفن والمعاناة التى كنا نعانيها وعلى رأسنا نجيب محفوظ الذى كتب بعض قصصه أو تناول بعض الكتاب عمل السيناريوهات لها إلى جوار كتاب غيرهم برع بعضهم، وأخفق بعضهم، أو كان عندهم مجرد سعى للربح فقط.
وبدأت العمل، فبدأت بأب يطرد ابنه من البيت، لأنه تجرأ وشاهد فيلما، فصاح فيه اخرج من بيتى عليك اللعنة. ومع بداية السينما أصبح عندنا رقابة للسينما تراقب الأفلام فى مرحلة الكتابة وحتى اكتمال الفيلم. فتحذف ما تراه خارجا عن القيم فى نظرها، ولاحظ أن إنجلترا كانت تستعمر مصر فى هذه الحقبة، فلم تقذف فى حقهم.
وبعد ذهاب المستعمر بدأت الأفلام تهزأ من المستعمر فقط ومن الأحزاب التى كانت موجودة، وطردت جميعا من المشهد، وأصبح عندنا حزب واحد يتغير اسمه من حين إلى آخر، وصولا إلى مرحلة الاشتراكية، وبعدها جاءت مرحلة الرأسمالية، وفى كل مرة أشير إلى مقص الرقابة عن طريق شخص يمسك عصا غليظة، ويقص كل ما يريد، ثم جاء وقت تدخل بعض البلاد العربية فى الفن المصرى، ليكيفه كما يريده لنا.
وتنتهى المسرحية، وكنت واقفا فى الكواليس، فوجئت بالفنان شكرى سرحان يطلع على المسرح، وراح يشجب ما رآه، ظنا منه أننى كنت أسخر من هذا الفن، وقدمته فى شكل لم يرضه هو. لم يلاحظ أنى قدمت للسينما عدة أفلام، نجح بعضها ونال جوائز، وأخفق بعضها لسبب أو لآخر.
لكن الممثل لم يذكر أن بعض الأفلام أخفقت، أو لم تكن جيدة، سواء كانت من بطولته أو غيره من الممثلين والمخرجين ولأسباب مختلفة.
وفى نهاية الحفل خرجت من خلف الستار، فصافحنى، لكنه راح يعدد ما فعلته السينما من أمجاد، كأنى وحدى فطنت إلى الأفلام المسفة والتافهة فقط.
وهنا انقسمت الآراء بين مؤيد وغير راض عن مسرحيتى. وكان أول من صفق للعمل ودافع عنه أهم مخرج عرفته السينما المصرية وهو الأستاذ صلاح أبوسيف. أما عن نفسى فلم أكن ضد السينما، بل على العكس تماما، والنهاية كانت تنتهى بأن أحوالها المادية قد ترنحت، وكان هذا حادثا بالفعل، لكن بعض السينمائيين قد أصروا على العمل حتى ولو أخذوا القليل من المال. لكنهم يفاجأون أن الممثلة الأولى حضرت للتصوير وقد تحجبت تماما، ولم تعد تصلح للفيلم، فيرفع جميع العاملين الكاميرا فى وجهها رافضين ما فعلته.
وظهر فى اليوم التالى فى الصحف والمجلات من يشجب المسرحية بشدة، ومن يصفق لها بقوة، ولم يكن هذا إلا لأن بعضهم- الذين يعرفون أنفسهم -قد ظنوا أن العمل يقصدهم بالتحديد، وما أكثرهم فى الوسط السينمائى.
لكن المسرحية نفسها قد صورت وأصبحت موجودة حتى الآن لمن يحب أن يراها، وسوف يكتشف أن الأمر ما زال على ما تركناه، فليس كل الأفلام جيدة، وليس كلها جميلة، لكن بالقطع فيها ما هو يقع بين الاثنين، وفى المحصلة كنا وما زلنا حتى الآن نرى كل هذه الأنواع معروضة على شاشات التليفزيون، فيها ما نحب أن نراه مرات عديدة. وفيها ما يقدم الحقيقة كاذبة أو مسفة أو تافهة.
فنرى أن الرقابة كانت تتدخل لتمنع بعض الحقيقة وترفضها، وبعضها يزين بعض الوقائع التى لا تستحق أن نذكرها، والأفضل ألا نراها، لأنها لم تقدم لنا إلا الأكاذيب.