الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

ثُلاثية الشباب وشبكات التواصل الاجتماعي والسياسة

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
فى ظل الهيمنة على المشهد الإعلامي، الذى تحوَّلت معظم وسائله إلى أدوات لخدمة أجندة ملاّكها، وتعمل فى إطار سياساتهم الإعلامية، ظهرت أهمية المواقع الاجتماعية، التى باتت وسيلة تواصل أساسية، تتيح التعبير عن الآراء وتبادل المعلومات والمشاركة فى توجيه الأحداث، ولم يقتصر استخدامها وتوظيفها على فئات الجماهير المختلفة؛ بل امتد إلى مختلف القوى والمؤسسات السياسية والفكرية، الرسمية والأهلية، لتصبح أحد أهم محركات التفاعل مع الأحداث الجارية والقضايا العامة وإنتاج محتوى إعلامى بديل يعبر عن خطاب الجماهير إلى جانب خطاب المؤسسات المختلفة.
وقد شهد العالم العربيّ قفزة كبيرة فى دور وسائل التواصل الاجتماعى فى حركية المجتمع، فقد لعبت رسائل «فيس بوك» وتغريدات «تويتر» دورًا كبيرًا فى التمهيد للثورة، والتحريض عليها والتحفيز على مواصلتها، وجاءت تسمية الثورة المصريّة باسم «ثورة الفيس بوك» كى تعكس قناعة قويّة بالدور المحوريّ لوسائل التواصل الاجتماعيّ فى إشعالها.. كما أُنجزت معظم العمليّات التنظيميّة فى فضاء فيس بوك، كما أنّ هذه الوسائل قدّمت فضاءً تواصليًّا رحبًا، أتاح لخطاب الثورة بحجج هو قناعاتها للوصول إلى شريحة ضخمة من الشباب، ومن ثمَّ لعبت دورًا مؤثّرًا فى خلق وعى ثوري، فى هذا الإطار نوقشت رسالة دكتوراه مهمة مؤخرًا تحت إشرافنا بكلية الإعلام جامعة القاهرة للباحث سامح يوسف الشريف.
ولعلّ ما يفسر الدور الكبير للشبكات الاجتماعية، أنها أتاحت التدفق الكبير للمعلومات وتعزيز التواصل بين الأفراد، ما سهّل من دورها فى حشد وتعبئة طاقة معنوية معادية لنظام الحكم، وإذا كانت الصحافة قد أسهمت بدور كبير فى تشكيل البنية الثقافية للمجتمع المصرى منذ القرن التاسع عشر؛ فإن تكنولوجيا المعلومات أخرجت وسائل الاتصال عن سيطرة الدولة ولعبت دورًا فى بناء معارضة قوية وساهمت فى تشكيل خطاب حداثي.
فالمُتتبع للمجال العام المصرى بعد ثورة يناير يدرك التحولات الكبرى التى شهدها فيما يتعلق ببنيته والفاعلين الرئيسيين فيه وكيفية إدارة العلاقة بين هؤلاء الفاعلين وبعضهم البعض من جانب وبالسلطة الحاكمة من جانب آخر، فلم يعد هناك حزب حاكم يحتكر لنفسه حق التمثيل داخل المجال العام، بل تعددت وتنوعت بداخل هذا المجال كل ألوان الطيف السياسى والمجتمعي، وتخلص المجال العام المصرى من وصاية النظام وأصبح مجالًا عامًا تعدديًا، تمثلت فيه الحركات الاحتجاجية، والائتلافات الشبابية، والأحزاب السياسية الوليدة، فلم يعد تيار أو حزب معين يحتكر لنفسه حق التمثيل داخل المجال العام.
ومن ثم، يتركز موضوع هذه الدراسة فى أنماط وطبيعة استخدامات الشباب المصرى للمواقع الاجتماعية ودراسة السلوك الاتصالى للشباب المصرى وعلاقته بالمواقع الاجتماعية والدور الذى تمارسه هذه المواقع فى حياة الشباب المصرى والتأثيرات التى تحدثها على الشباب المصرى وتحديدًا على اتجاهاتم السياسية فى إطار دور هذه المواقع كفضاء رقمى جديد للعمل السياسى وإنتاج المضامين السياسية.
مع بدء التحولات التى اجتاحت العالم العربى فى نهاية عام ٢٠١٠، والتى لا تزال تفاعلاتها مستمرة حتى الآن، وبالتزامن مع ما شهدته الدولة المصرية من تغييرات سياسية واجتماعية منذ أحداث الخامس والعشرين من يناير ٢٠١١ مرورًا بأحداث الثلاثين من يونيو ٢٠١٣ وتداعياتها؛ كان للمواقع الاجتماعية دور مهم فى هذه الأحداث، حيث إنها لم تشكّل فقط حلقة وصل بين الجماهير لتبادل المعلومات والخبرات بشأن ما يجرى من أحداث؛ لكنها أصبحت أيضًا تمارس دور تجميع الكتلة الحرجة Critical Mass من خلال تشجيع الحشود وتشكيل اتجاهات الجماهير. ولكون الدعوة لهذه الأحداث تمت من خلال شبكات التواصل، مع تجاهل تام من وسائل الإعلام الرسمية الخاضعة لسيطرة الدولة؛ بحث الشباب عن إعلام بديل يقدم من خلاله مطالب الثورة وأهدافها، وأصبحت المواقع الاجتماعية مجالًا للتعبير عن الآراء. 
وفى إطار الدور الذى تلعبه الشبكات الاجتماعية فى الحياة السياسية؛ فقد طرحت العديد من الدراسات طبيعة المشاركة فى المناقشات السياسية للجمهور فى الشبكات الاجتماعية، ففى ظل مفهوم «غرف الصدى» Echo Chamber ميزت الدراسات بين الجمهور الذى ينخرط فى المناقشات السياسية سواء مع من يوافقونهم أو يعارضونهم الرأى والاتجاه السياسي، أو من يميلون لمصادقة من يتفقون معهم فى الاتجاه السياسى فقط وكأنهم يعيشون فى غرفة للصدى. وعلى المستوى المعرفى، تعد الشبكات الاجتماعية من أهم الأماكن التى يتعرف فيها الشباب على المعلومات الضرورية الخاصة بالعملية السياسية فى مجتمعاتهم، فهم يتقابلون افتراضيًا ويشاركون بدرجة عالية من الفعالية أينما كانوا.. وتعمل الشبكات الاجتماعية على تدعيم الممارسة الديمقراطية من خلال إنهاء احتكار النظم الحاكمة للمعلومات، ونشر الوعى السياسى لدى المواطنين، وتدعيم دور المعارضة السياسية، بالإضافة إلى استخدامها كوسيلة لنشر الثقافة السياسية وتوعية الجمهور وزيادة اهتمامه بالشئون السياسية بما يزيد من المشاركة النشطة للأفراد وهى خطوة أولى للتنمية السياسية.
كما تعد مظهرًا جديدًا للتطبيع الاجتماعى السياسي، ووسيلة لجذب المواطنين من الشباب إلى الاقتراب بصورة أوثق من العملية السياسية، كما ظهرت توقعات كبيرة تتعلق بإمكانيات الشبكات الاجتماعية فى إحداث التعبئة السياسية وإشراك جماعات جديدة مستبعدة عن ممارسة السياسة، كما أصبحت الشبكة مصدرًا مهما للمشاركة السياسية من قبل صغار السن الذين لا تجذبهم السياسة عادة، كما استطاعت جذب أناس جدد كانوا أقل تمثيلًا فى أشكال المشاركة التقليدية.. كما تساعد على المدى البعيد على بناء مجتمع مدنى متقدم، كما تستخدم المواقع الاجتماعية من قبل التجمعات السياسية والتنظيمات كوسيلة للتحفيز السياسى وخلق الأنصار والمؤيدين والتفوق على المنافسين أو المناقشة وطرح الأفكار.
إن ثُلاثية الشباب وشبكات التواصل الاجتماعى والسياسة بدأت بالكاد أولَ أجزائها، ولكن باقى الأجزاء لم تظهر بعد فى الواقع الحقيقي.