الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

تركيا.. تاريخ من الانقلابات العسكرية (2)

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
فى ١٢ سبتمبر ١٩٨٠ حدث انقلاب عسكرى بجمهورية تركيا، تزعمه الجنرال «كنعان إيفرين» مع مجموعة من الضباط، نشأوا على فكرة حماية المبادئ الأساسية للجمهورية التركية كما وضعها «أتاتورك»، وكان المبدأ الرئيسى فيها الفكر الكمالى، واعتقادهم بأن سبب تدهور الامبراطورية العثمانية واندحارها عسكريًا، كان لارتباطها بالأقطار العربية والإسلامية، وكان تخوفهم من الصعود الملحوظ للتيار الإسلامى فى الانتخابات التركية.وجاء فى البيان العسكرى الأول الذى أذيع فى الساعة الواحدة بعد ظهر يوم ١٢ سبتمبر ١٩٨٠ من الإذاعة والتليفزيون من «كنعان إيفرين»، أسباب هذا الانقلاب العسكرى وطبيعته وأهدافه وبأن «أسوأ أزمة فى بلدنا كانت تهدد بقاء الدولة والشعب»، ودعا إلى «التمسك بمبادئ أتاتورك وأن يشنوا نضالًا ضد الفوضى والإرهاب»، وضد «الشيوعيين والفاشيين والعقائد الدينية المتزمتة». واختتم البيان قائلا: «أيها المواطنون الأعزاء، لكل هذه الأسباب.. اضطرت القوات المسلحة لانــتزاع الـسلطة بهــدف حماية وحدة البلد والأمة وحقوق الشعب وحرياته، وضمان أمن الناس وحياتهم وممتلكاتهم وسعادتهم ورخائهم، ولضمان تطبيق القانون والنظام، وبتعبير آخر استعادة سيادة الدولة بشكل نزيه». انقلاب عام ١٩٨٠ الذى نفذه الجيش التركى كان الأكثر دموية. وفى الأسابيع والأشهر التى تلته تمت تصفية نحو خمسين شخصًا واعتقل ٦٠٠ ألف آخرون، وقضى العشرات تحت التعذيب، واعتبر عدد كبير آخر فى عداد المفقودين. ورغم هذه الحصيلة، فإن العمل الذى قام به منفذو الانقلاب لقى موافقة السكان، الذين بعد أن أنهكهم عدم الاستقرار السياسى والاجتماعى لسنوات عدة، وافقوا بكثافة فى ١٩٨٢ على الدستور الجديد، ذى الطابع التسلطى الذى لا يزال معمولًا به اليوم رغم بعض التعديلات. وقد أدت العوامل الاقتصادية والسياسية إلى حدوث انقلاب ١٩٨٠.
العوامل الاقتصادية لانقلاب ١٩٨٠
عرفت تركيا خلال السبعينات، أزمة اقتصادية حادة، تعود جذورها إلى الخمسينات، تحولت إلى معضلة حقيقية أمام الحكومات التركية طيلة السبعينات، فقد شهدت تركيا فى ستينات القرن العشرين معدلات نمو فى عدد السكان بنسبة ٢.٣٪ سنويًا، ما انعكس بدوره على الوضع الاجتماعى، فنصف مليون شاب تركى يضافون إلى سوق العمل سنويًا، مما زاد بمستوى نسبة البطالة ١-٥٪، الذى أدى بدوره إلى زيادة الهجرة من الريف إلى المدينة لا سيما مدينتى إسطنبول وأنقرة اللتين شهدتا ارتفاعًا كبيرًا فى عدد السكان ٦-٧ ٪ سنويًا، وكانت لهذه الهجرة القروية انعكاساتها الخطيرة على الوضع الاقتصادى، خصوصا بعد ارتفاع نسبة استعمال الآلات والميكنة الحديثة فى الفلاحة، فانتشرت الأحياء السكنية الفقيرة حول المدن والتى شهدت الكثير من حوادث العنف فى السبعينات. ومن أسباب تضرر الاقتصاد ارتفاع التضخم ليصل سنة ١٩٧٦ إلى ٢٠٪ ثم ٤٠٪ عام ١٩٧٧ ثم ٦٠٪ عام ١٩٧٨. ووصلت نسبة التضخم فى فبراير ١٩٨٠ إلى ١٣٧٪ فى حين أخذ مستوى المعيشة يقل تدريجيًا. وارتفعت نسبة البطالة خلال السبعينات؛ إذ بلغ عدد العاطلين حتى عام ١٩٧٧ أكثر من مليونى عاطل ليرتفع إلى ٣ ملايين عاطل فى العامين التاليين، ووصل عدد العاطلين عشية الانقلاب ٣.٦٣٤.٠٠٠ عاطل بالتحديد. وأثقلت الديون الخارجية كاهل الاقتصاد التركى فوصلت عام ١٩٧٠ إلى ٢.٢ بليون دولار أمريكى، وارتفعت إلى ١٢.٥ بليون دولار أمريكى فى نهاية ١٩٧٧، وفى عام ١٩٧٩ وصلت إلى أكثر من ١٥ بليون دولار أمريكى. ومن الأسباب الخارجية أزمة النفط سنة ١٩٧٣، والتى أضرت بالاقتصاد التركى، فضلا عن إيقاف استقبال العمال الأتراك فى دول أوروبا الغربية.
العوامل السياسية لانقلاب ١٩٨٠ 
ظهر سنة ١٩٧٢م حزب «السلامة الوطنى» بزعامة نجم الدين أربكان، وكان أول حزب ذى ميول إسلامية فى تركيا العلمانية، منذ سقوط الخلافة العثمانية. وحقق نجاحًا كبيرًا فى انتخابات سنة ١٩٧٣م وحصل على ثالث أعلى نسبة أصوات فى المجلس النيابى، واشترك الحزب فى حكومة ائتلافية مع حزب الشعب الجمهورى، وأصبح نجم الدين أربكان نائبًا لرئيس الوزراء، وزادت شعبية «حزب السلامة» وارتفعت مكانته خاصة بعد الغزو التركى لقبرص، وترجمت هذه الشعبية فى انتخابات سنة ١٩٧٥م؛ إذ حصل الحزب على ثانى أعلى نسبة أصوات فى المجلس النيابى. وفى هذه الفترة برز أيضًا على الساحة التركية حزب الحركة الملية بزعامة «ألب أرسلان توكيس» وهو حزب قومى عنصرى، وكان يتمتع بميليشيا عسكرية تدعمه، وحقق نجاحًا ملحوظًا فى الانتخابات. كانت الولايات المتحدة الأمريكية صاحبة النفوذ الأول فى تركيا تراقب هذه النشاطات الجديدة، خاصة مع التقارب الحادث بين حزب السلامة الوطنى وحزب الحركة الملية، ومع زيادة شعبية الاتجاه الإسلامى بدأت المخاوف تتحول إلى هواجس وشيكة الحدوث، لذلك رأت أمريكا أن توقف هذا النشاط الإسلامى المتنامى بانقلاب عسكرى يلغى –ولو مؤقتًا- شعار الحرية الذى ظهرت هذه الأحزاب من خلاله. لتجنب تأثيرات انتصار الثورة الإسلامية عام ١٩٧٩ فى إيران؛ التى تجاور تركيا من جهة الشرق وتميزت السبعينات بالصراعات المسلحة بين اليمين واليسار، كحروب بالوكالة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتى. ولخلق ذريعة تسمح له بالتدخل الحاسم، قام الجيش التركى بنهج سياسة النزاع، لتصعيد الصراعات وتأجيجها؛ كان الضباط الأتراك يرون أن الوقت قد حان للتدخل، فقرروا تقديم رسالة إلى الأحزاب جميعها عن طريق رئيس الجمهورية. وازدادت ظاهرة الاغتيالات السياسية لتشمل مسئولين سياسيين كبارا، فاغتيل رئيس الوزراء السابق نهاد إيريم، على أيدى منظمة «ديف سول» اليسارية المتطرفة، انتقاما لإقدامه على حل التنظيمات النقابية والطلابية، وإعلان الأحكام العرفية لمواجهة التمرد الكردى شرقى البلاد.
والى اللقاء فى الحلقة القادمة.